الدور الأمريكي في السودان.. هل استبدلوا بدبلوماسييهم وحدات خاصة؟
شارل ابي نادر
تتسارع الأحداث في السودان وتتداخل بشكل مفاجىء وغير متوقع، يصعب على أغلب المتابعين ضبطها أو تحديد مسارها ولو بالحد الأدنى. وفيما تتدهور هوامش الأمن والأمان للمدنيين بشكل مخيف، وخاصة في العاصمة الخرطوم، في ظل انغماس كامل للوحدات العسكرية بمختلف خلفياتها وانتماءاتها في لهيب من الأعمال القتالية المجنونة وغير المتوازنة، تبقى العين على حركة الإخلاء السريعة والواسعة التي نفذتها وتتابع تنفيذها أغلب الدول لرعاياها ولديبلوماسييها بشكل هستيري يوحي وكأن الجميع قد سلّم بحتمية تدحرج الأوضاع في السودان إلى حرب أهلية طاحنة، لا أحد، داخل السودان أو خارجه، يعلم متى وكيف ستنتهي.
في متابعة دقيقة بعض الشيء لهذه الحركة المتسارعة للدول في إخلاء رعاياها وديبلوماسييها، تبدو حركة الأميركيين من ضمن مسار الأخلاء هذا، لافتة وغريبة ومشبوهة، وذلك من خلال الإضاءة على المعطيات التالية:
أولًا – أعلن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، أنه بعد مفاوضات مكثفة على مدار الـ48 ساعة الماضية وافقت القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع على تنفيذ وقف إطلاق النار على مستوى البلاد يستمر لمدة 72 ساعة، مضيفًا أن حكومته وبهدف دعم إنهاء دائم للقتال، ستنسق مع الشركاء الإقليميين والدوليين، وأصحاب المصلحة المدنيين السودانيين، للمساعدة في إنشاء لجنة للإشراف على التفاوض، وتطبيق وقف دائم للأعمال العدائية والترتيبات الإنسانية في السودان، حسب تعبيره.
في الواقع، نتكلم اليوم عن وقف إطلاق النار الرابع بعد بدء الأعمال القتالية في السودان، وجميعها بإعلان يصدر عن مسؤولين أمريكيين، وفي جو يوحي بأنها مفروضة أمريكياً رغمًا عن إرادة البرهان ودقلو (حميدتي) وأيضا رغمًا عن عناصرهما (الجيش والدعم السريع) أيضا، والدليل على عدم قناعة الطرفين بها، أن أول ثلاثة إعلانات لوقف إطلاق النار لم تحترم بتاتًا وكأنها لم تكن، ليكون مصير الرابع والأخير موضع متابعة في الساعات المقبلة.
ثانيًا – قالت وزارة الحرب الأمريكية (البنتاغون) الجمعة الماضي، إن الجنرال مارك ميلي رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة بحث في اتصال هاتفي مع رئيس مجلس السيادة قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان سلامة الأمريكيين، في الوقت الذي تدرس فيه واشنطن خيارات محتملة لإخلاء سفارتها في خضم القتال الدائر في العاصمة السودانية.
وبالتوازي، كان قد أعلن وزير الحرب الأمريكي لويد أوستن، الجمعة الفائتة أيضًا ومن قاعدة رامشتاين الجوية بألمانيا، بأنهم نشروا بعض القوات في مسرح العمليات لضمان توفير أكبر عدد ممكن من الخيارات إذا طُلب منهم التحرك. حيث قال إنه لم تتم مطالبتنا بفعل أي شيء بعد، فيما أعلن لاحقا عن إخلاء جميع موظفي السفارة وعائلاتهم من الخرطوم، دون الإشارة لا من قريب ولا من بعيد إلى الإبقاء على وحدات عسكرية أو إلى سحبها من الخرطوم أو من السودان بشكل عام.
في الواقع، وإذا دخلنا في مضمون تصريحات المسؤولين الأمريكيين السياسيين (وزير الخارجية بلينكن) أو العسكريين (لويد أوستن أو مارك ميلي)، يظهر بوضوح الغموض حول حقيقة الموقف السياسي الأمريكي من الأزمة، ويظهر أيضًا الغموض حول ماهية الإجراءات العملية التي أقدم الأمريكيون على اتخاذها، وفي الوقت الذي ابتعد ميلي (رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة) عن كشف حقيقة هذه الإجراءات، فتح وزير أوستن باب التكهنات واسعًا على وجود إجراءات أخرى غير عملية الإخلاء، من خلال كلامه بأنهم نشروا بعض القوات في مسرح العمليات لضمان توفير أكبر عدد ممكن من الخيارات إذا طُلب منهم التحرك.
من جهة أخرى، يعتبر السودان اليوم نقطة الاهتمام والتأثير الأكبر للأمريكيين في أفريقيا والشرق الأوسط، والسبب من وراء ذلك بالإضافة لموقعه الجغرافي المؤثر في البحر الأحمر والقرن الأفريقي وصولًا إلى فلسطين المحتلة، والمؤثر أيضًا على مروحة واسعة من الدول التي تملك واشنطن أجندة خاصة بها (أكثر من عشر دول تقريبًا)، فإنها (واشنطن) تجد أيضًا في السودان نقطة ارتكاز أساسية لبناء وتثبيت جبهة مواجهة النفوذين الصيني والروسي المتصاعدين بشكل لافت في أفريقيا وجنوب غرب منطقة الشرق الأوسط.
من هنا، وانطلاقًا من أهمية موقع السودان بالنسبة للأمريكيين، ومما ظهر وما هو معروف وأكيد من علاقة «حميمة» وغير عادية بين المسؤولين الأمريكيين، السياسيين والعسكريين، مع قادة طرفي النزاع الحالي في السودان: البرهان وحميدتي، وانطلاقًا أيضًا مما هو معروف عن قدرات وإمكانيات الأمريكيين في التدخل السريع وتنفيذ عمليات إنزال وعمليات خاصة، وخاصة على المسرح الأفريقي (الصومال والسودان وجنوب السودان وإثيوبيا وأوغندا وكينيا) دون الحاجة لأن يكون لهم تواجد في قواعد عسكرية برية، انطلاقًا من ذلك كله، لم يعد مستبعدًا بتاتًا، بل وربما أصبح أكيدًا، أن للأمريكيين اليوم تواجدا عسكريا خفيا داخل السودان، وعلى شكل عناصر مخابرات ووحدات خاصة مجوقلة، وفي أكثر من منطقة داخلية، بين الخرطوم وخارجها، وبمهمات مشبوهة تتوزع بين:
– الاستعلام الميداني المباشر عن تطورات المعارك.
– إدخال أسلحة ومعدات عسكرية لطرف أو لآخر أو للطرفين معًا، وذلك تبعًا لتطورات الميدان ولقدرات الطرفين التي يريدونها متعادلة، لكي تمتد الحرب أكبر قدر ممكن كما يرونها.
– الاستعداد لتنفيذ أعمال عسكرية محددة، بهدف التأثير الميداني تبعًا لما يرونه مناسبًا لاستراتيجيتهم في توجيه مسار المعركة.
– الاستعداد لتنفيذ عمليات إخلاء متعاونين سودانيين، سياسيين أو عسكريين.
– الاستعداد لتصفية سودانيين آخرين (متعاونين أو غير متعاونين).
وكل ذلك تحت عنوان واضح: «إدارة الحرب وتوجيهها، ودائمًا تحت شعار حماية الأمن القومي الأميركي» المزعوم.
نقلاً عن موقع العهد