بعد 8 أعوام من الحرب.. أي مستويات بلغتها ترسانة صنعاء العسكرية؟
يمانيون – متابعات
مع دخول العمليات العسكرية للتحالف السعودي في اليمن عامها التاسع، منذ تاريخ بدئها في آذار/مارس 2015، بات واضحاً أن مسألة حسم هذه الحرب، وفق مقاييس الميدان العسكرية الاستراتيجية، أصبحت أبعد كثيراً مما كان يعتقد مَن قام بتخطيطها، والتي أُريدَ من إشعالها تحقيق عدة أهداف عسكرية وسياسية، لم يتحقق فعلياً أيّ هدف منها.
حدَّد التحالف السعودي، في بداية الأيام الأولى للحرب على اليمن، المهلة التي سيتم خلالها تحقيق الأهداف العسكرية لها، إلّا أن دول العدوان وجدت نفسها أمام واقع مغاير، وعكس توقعاتها، يتمثل بتطور القدرات العسكرية اليمنية. وهذا ما أكدته القوات المسلحة اليمنية من خلال العروض العسكرية التي قدمتها طوال فترة العدوان.
منذ الساعات الأولى لحربها على اليمن، زعمت الرياض أنها استطاعت “القضاء” على “معظم” الترسانة العسكرية لصنعاء. وفي العام الثامن، لا تزال صنعاء تكشف مزيداً من القدرات العسكرية المتطورة، منها ما دخل في الخدمة، وكشفت عنه القوات المسلحة، والآخر بقي ضمن المفاجآت المقبلة، ولم يتم الكشف عنه حالياً.
ما يميّز العروض العسكرية الأخيرة، ليس الكمَّ الكبير من الأسلحة المتنوعة، والتي تعدّت بمراحل ما تم عرضه خلال العروض السابقة فحسب، بل أيضاً إمكان اعتباره بمثابة مؤشّر على التطور المتسارع، الذي طرأ على الترسانة العسكرية للقوات المسلحة اليمنية، خلال الأعوام القليلة الماضية. وهو تطوّر نابع، بصورة أساسية، من التجارب الميدانية التي شملت الميدانين البري والجوي، مع التركيز على الجانب البحري أيضاً، بسبب ما يمثله من أهمية كبيرة.
العرض العسكري، الذي أقامته القوات المسلحة اليمنية، بمناسبة العيد الثامن لـ”ثورة 21 سبتمبر”، في ميدان السبعين في العاصمة صنعاء، كان بمثابة رسالة إلى دول العدوان، مفادها أن الحصار لم يمنع القدرات اليمنية من التطور. وكُشف فيه عدد من الصواريخ الجديدة، بالإضافة إلى الزوارق الهجومية والقتالية، والألغام الجديدة محلية الصنع.
وتنامت قدراتُ القوات اليمنية، يوماً تلو الآخر، على نحو أربك حسابات التحالف السعودي الأميركي، على وجه الخصوص، بحيث أصبحت الترسانة العسكرية في اليمن قوة دفاعية، في استطاعتها ضربُ البوارج الحربية المعتدية، من قوات التحالف السعودي، في مختلف أشكالها وأنواعها، وهذا ما أكدته القوات المسلحة اليمنية.
التطور في القدرات ظهر أيضاً من خلال المناورات العسكرية الأخيرة، التي أجرتها القوات اليمينية، والتي شاركت فيها كلُّ الوحدات العسكرية، من قوات المشاة، ومن قادة السرايا والفصائل والوحدات المتخرجة من الدورات العسكرية. وشاركت فيها أيضاً قوات الدعم القتالي من مختلف التخصصات وخدمات الدعم القتالي.
وجرت المناورة بين الوحدات المشاركة، ومنها وحدات ضد الدروع والهندسة والدفاع الجوي وسلاح الجو المسيّر والقوة الصاروخية، وتدرّبت على العمل وفق تناسق وتكامل بين كل الوحدات المشاركة، بالتنسيق مع الاتصالات العسكرية، وتوفير خدمات الدعم القتالي لكل التخصصات.
وقامت القوات المشاركة في المناورة بالسيطرة على كل الأهداف المرسومة، مع افتراض وجود الطيران الحربي والمعادي، واستهداف المقاتلين ومراعاة وجود مقاومة قوية من العدو. وتمّ الاعتماد على محاكاة ميدانية، عبر استخدام أساليب وتكتيكات جديدة، تمّ ابتكارها نتيجة التقييمات، بناءً على التجارب القتالية السابقة، وتقييم الاختلالات والأخطاء السابقة، والاستفادة من تراكم الخبرات والمهارات والخطط العسكرية
وقال قائد أنصار الله، السيد عبد الملك الحوثي، إن اليمنيين قادمون، في العام التاسع، بترسانة صاروخية فتاكة وبعيدة المدى، ودقيقة الإصابة، وقوية التدمير، وتطال كل منشآت الأعداء، التي يعتمدون عليها.
ويقصد قائد “أنصار الله”، في هذا الخطاب، القوة الصاروخية اليمنية، وما وصلت إليه من مستوى متقدم في هذا المجال، وتحديداً في العرض الأخير، الذي عرضت خلاله صنعاء أكثر من 16 منظومة باليستية ومجنَّحة، من دون الحديث أيضاً عن السلاح الجوي المسيّر، وفق ما قاله الخبير العسكري، العقيد اليمني مجيب شمسان للميادين نت.
وفي هذا التطور الكبير، رأى العقيد اليمني أنها رساله واضحة، مفادها أن المعركة لم تعد محصورة في الأدوات المجاورة، ممثَّلة بالإمارات والسعودية، وإنما هناك دخول مباشر من جانب الإسرائيليين والأميركيين. وبالتالي، فإن الرد على هؤلاء من صنعاء سيكون كبيراً.
ومن ضمن الأسلحة، التي عرضتها صنعاء، والتي تمثّل أسلحة استراتيجية، يمكن أن تشكّل معادلة فارقة في المواجهة مع تحالف العدوان، هناك أسلحة بحرية، سواء كصاروخ البحر الأحمر وصاروخ محيط، وأيضاً هناك كثير مما لم تكشف عنه القوات المسلحة اليمنية.
مخزون يمني استراتيجي
وفيما يتعلق بالأسلحة البحرية، كما جاء على لسان السيد عبدالملك الحوثي ورئيس المجلس الأعلى مهدي المشاط، بأن اليمن بات قادراً على ضرب أي هدف بحري من منطقة برية، قال العقيد شمسان إن هذا هو التحول الكبير، على اعتبار أن العدو اليوم كان يركز على المناطق المحاذية للساحل، وأن يجعل منها مناطق آمنة، لا يستطيع الجيش واللجان الشعبية من خلالها استهداف زوارقه وبوارجه.
لكن اليوم، وفقاً للعقيد، تم تطوير قدرات صاروخية، لها القدرة على ضرب أي هدف بحري من أي منطقة يمنية. وهذا يُعَدّ إنجازاً نوعياً غير مسبوف للقوات اليمنية، وتحديداً القوات البحرية اليمنية.
وفيما يتعلق بالمنظومات الصاروخية الأخرى، التي كُشف عنها، فهي 6 منظومات جديدة، من ضمنها صاروخ “فلق”، الذي يحمل عدة رؤوس، والقادر على الإصابة بدقة عالية وبعيد المدى. وهناك صاروخ “حاطم”، وهو من ضمن الأسلحة الصاروخية الباليستية الدقيقة وبعيدة المدى.
وفي ذلك رسالة واضحة مفادها أن “قدرات صنعاء تتراكم بصورة مستمرة، وهناك إرادة قائمة وراء هذه المنظومات لتطويرها، بحيث يصل اليمن إلى مستوى متقدم، وقادر على ردع كل أعدائه”.
ورداً على سؤال، مفاده: هل استطاعت صنعاء تعزيز ترسانتها العسكرية سابقاً؟ قال العقيد شمسان إن صنعاء استطاعت، في العام الفائت، أن تعزز قدراتها العسكرية كما هو الأمر القائم اليوم. وكان واضحاً أن صنعاء استطاعت أن تراكم قدراتها الصاروخية في سلاح الجو المسيّر، وأيضاً ضمن الأسلحة البحرية المتعددة، سواء فيما يتعلق بالزوارق المسيّرة، أو الصواريخ البحرية المتقدمة جداً، أو فيما يتعلق بالألغام البحرية.
وبحسب العقيد، فإن كل ذلك ليس إلّا جزءاً وإشارة بسيطة إلى ما باتت تمتلكه صنعاء، وإلى الإرادة أيضاً التي تقف خلف هذا المسار من تطوير القدرات الصاروخية وسلاح الجوي المسيّر والقدرات البحرية، ووصولها إلى مستوى متقدم.
وباتت صنعاء، اليوم، تمتلك مخزوناً استراتيجياً قادراً على تغطية كل الأهداف في جغرافيا دول العدوان، بمن فيها الذين أظهروا أنفسهم اليوم، والذين كانوا يختبئون خلف أدواتهم الخليجية، أي “إسرائيل” والولايات المتحدة.
الوجود الأميركي في البحر الأحمر
وفيما يتعلق بالمواجهة البحرية، كانت رسالة السيد الحوثي واضحة في هذا الخصوص، ومفادها أن على الأميركي والبريطاني والسعودي والإماراتي أن يرحلوا، وأن أي وجود لأميركا أو بريطانيا وغيرهما يُعَدّ انتهاكاً لسيادة اليمن، وسيكون الرد عليه باعتباره عدواناً.
وبالتالي، بدأ الأميركي اليوم يستشعر خطورة مثل هذا التحول في الجانب اليمني، وأن اليمن بات يمتلك أسلحة دقيقة وبعيدة المدى، ولا سيما في الجانب البحري، وفقاً لما قاله العقيد شمسان.
وكانت عملية ميناء الضبة الدقيقة، والتي استهدفت النقطة الأساسية التي تربط بين السفينة والميناء، رسالةً واضحة. وفي هذا الصدد، قال العقيد اليمني إن هذه العملية كانت إشارة واضحة إلى أن صنعاء باتت تمتلك أسلحة بحرية قادرة على ضرب أهداف متحركة في البحر، بدقة عالية جداً، وهذا ما بدأ يستشعره الأميركي اليوم من خطورة التحول في تلك القدرات اليمنية.
وفيما يتعلق بمؤشرات أي مواجهة محتملة، فإن كل المعطيات تؤكد أن الاميركي والبريطاني ربما يرتبان معركة في الساحل الغربي، انطلاقاً من أنه يمثّل، بالنسبة إلى الكيان، دائرة تهديد وجودي ودائرة تحديد أولى. وبالتالي، في ضوء هذه المعطيات، وفي ضوء القلق الإسرائيلي المتصاعد من تنامي القدرات اليمنية، فإن الاميركي يحاول أن يرتب كل أوراقه لتشكيل حلف ناتو عربي لمواجهة تلك القدرات.
كما أن التحركات الاميركية المشبوهة، والمناورات التي تجريها واشنطن مع أدواتها، تؤكد أن هناك مواجهة مقبلة ومحتملة.
الأسلحة بعيدة المدى تستعيد قضية فلسطين
وفيما يخص الدعم اليمني للقضية الفلسطينية، أكد العقيد اليمني أن الرسائل التي وجهها القائد الحوثي، من خلال كلمته بشأن الأسلحة بعيدة المدى، تستعيد قضية الشعب الفلسطيني وقضية فلسطين، انطلاقاً من أنهما البوصلة التي تتحرك فيها ثورة الـ21 من سبتمبر، إلى جانب مكونات محور المقاومة. وهناك اليوم حضور كبير لدى الشعب اليمني تجسيداً لهذه القضية.
وحتى في التصنيع العسكري اليوم، قال شمسان إن صنعاء طورت عدداً من المنظومات التابعة لصواريخ قدس 1 وقدس 2 وقدس 3، وهي من أحدث الصواريخ المجنّحة بعيدة المدى، والقادرة على الوصول إلى أهدافها بدقة.
وفي ذلك إشارة واضحة، بحسب العقيد اليمني، إلى أن صنعاء حاضرة في معركة القدس إلى جانب الشعب الفلسطيني، وأن التصنيع العسكري أخذ مساراً في هذا الجانب، انطلاقاً من أن عدو الأمة الأساسي هو “إسرائيل”.
وما لا شك فيه أن تطوير قدرات صنعاء العسكرية، ووصولها إلى هذه المرحلة، يُقلقان الاحتلال الإسرائيلي أيضاً.
حتى إن الكيان الإسرائيلي اليوم، وفقاً لشمسان، بات يركز كثيراً في تقاريره على المستوى الذي وصلت إليه القدرات اليمنية، ولا سيما على الرغم من الحصار والظروف والتحديات التي يعيشها اليمن. وبالتالي، كان هناك كثير من علامات الاستفهام الكبرى، التي وضعها الاحتلال، وأبرزها: “كيف استطاع اليمنيون الوصول إلى هذا المستوى في ظل الحرب والحصار؟”.
الميادين نت