المتغيرات “الإقليمية والدولية”.. كيف نجحت “صنعاء”في تجييرها لمصلحتها؟
يمانيون – متابعات
مع ما تشهد الساحتان الدولية والإقليمية من متغيرات وتحوّلات غير مسبوقة، خاصة في ما يتعلق بالحرب في أوكرانيا وما رافقها من تداعيات على مستوى “أمن الطاقة”، والاتفاق السعودي – الإيراني مؤخراً، وما قد يحمله من تداعيات ليس على مستوى المنطقة فحسب، بل على صعيد المجتمع الدولي، كونه ارتبط بمشروع ووساطة الصين، بكل ما يحمله هذا الأمر من دلالات للبيت الأبيض تحديداً، الذي ينظر إلى بكين على أنها “العدو الأول”، عملت صنعاء على تجيير هذه المتغيرات بما يصب في مصلحتها، بعد أن نجحت في فرض نفسها على الساحة السياسية بعد 8 أعوام من حرب كان الرهان على إنهائها خلال أسابيع، أو أشهر في أعقد الحالات. فكيف استثمرت صنعاء هذه المتغيّرات؟
الحرب في أوكرانيا
فرضت الحرب في أوكرانيا تداعيات عدّة على مستوى العالم من ناحية ارتفاع أسعار الغذاء والمنتجات البترولية عالمياً، وتغيّرت معها الخارطة الاقتصادية، إذ تعيش القارة الأوروبية في أزمة طاقة غير مسبوقة، أدت إلى نفاد مخزوناتها الاحتياطية وارتفاع أسعارها، فـ “عصر الرفاهية الذي كانت تعيش فيه انتهى”، وفق ما يقول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
وعليه، فإذا كانت الحرب الروسية- الأوكرانية قد أثرت ضمن تداعياتها في الاقتصاد العالمي، فإن حرب الطاقة، وتأمين إمداداتها، ضاعفت من أهمية منطقة الخليج في سياق الصراع العالمي. ما يعني أنّ أي اضطرابات نفطية في السعودية، وهي من أكبر المنتجين عالمياً، من شأنه أن يؤثر في ” أمن الطاقة”، الذي يعد ركيزة أساسية من الركائز التي يقوم عليها النظام الدولي.
وبما أنّ الدول الكبرى المتحكمة في طبيعة النظام الدولي تعتمد بشكل كبير على الطاقة المستوردة، ولديها نقص استراتيجي في الطاقة، فإن الضربات اليمنية التي طالت إحدى أكبر منشآت ومصافي التصدير في العالم (آرامكو) ، لم يقتصر تأثيرها على الرياض فحسب، بل امتد إلى هذه الدول نظراً إلى حجم ما تصدره الرياض، وبالتالي وجدت هذه القوى نفسها أمام خيارين، إمّا الاعتراف باليمن واللجوء إلى التفاوض معه، أو محاولة القضاء عليه، لضمان مصلحتها السياسية والاقتصادية.
من هنا، فإن التصريحات السعودية الصادرة عقب استهداف آرامكو حول عدم تحمّل الرياض أي مسؤولية في عرقلة وصول المعروض إلى الأسواق نتيجة العمليات اليمنية تدخل ضمن تلك المعادلة.
وبعدما عجزت تلك القوى في القضاء على الطرف اليمني، اضطرت إلى الاعتراف بقوته وتأثيره في أمن الطاقة، وهو ما أجبر تحالف العدوان على الدخول في مفاوضات تمتلك فيها صنعاء الكثير من أوراق الضغط والقوة، وتعد الطاقة أبرزها.
وفي هذا السياق، يقول المحلل السياسي اليمني علي الدرواني في حديثه إلى الميادين، أنّه “بعد 8 سنوات من العدوان السعودي على اليمن، والفشل الذريع الذي منيت به، والضربات المؤلمة التي تلقتها بالصواريخ والطائرات المسيرة، والعمليات النوعية، التي استهدفت عصب الاقتصاد السعودي ومنابع الطاقة العالمية، بدأت السعودية تبحث عن مخارج تسمح لها بالتخفيف من مأزقها بشكل يحفظ ماء وجهها، فأطاحت عبد ربه هادي وذهبت إلى هدنة شاملة، وخففت مظاهر الحصار في ميناء الحديدة ومطار صنعاء”.
ويضيف أنّ “صنعاء بدأت تحصد مكاسب صمودها، وتراكم أوراق قوتها، مستفيدة من المناخات الدولية الناتجة من الحرب الأوكرانية، وطمع الغرب في استمرار تدفق الطاقة من المنطقة، عبر الممرات الدولية وباب المندب تحديداً بشكل آمن”.
ويؤكد الدرواني أنّ “صنعاء حققت جزءاً من أهدافها، وتسعى الآن بالتلويح بخيارات الضغط للحصول على بقية الأهداف، وصولاً إلى رفع كامل للحصار، ووقف شامل للعدوان، وخروج القوات الأجنبية الغازية من كل أراضي الجمهورية اليمينة”.
الاتفاق السعودي- الإيراني
منذ الإعلان عن الاتفاق السعودي-الإيراني برعاية صينية في 10 آذار/ مارس والأنظار تتجه نحو اليمن، وسؤال واحد يتردد في أذهان الجميع، كيف سينعكس هذا الاتفاق إيجاباً على اليمن؟ وهل من الممكن أن نشهد إيقافاً للحرب التي دخلت عامها التاسع؟
توقّعات وتحليلات كثيرة ارتفع منسوبها مع إعلان الاتفاق، خاصة أنّه تزامن مع مفاوضات بين الأطراف اليمنية (حكومة صنعاء- الحكومة التابعة للتحالف السعودي)، في العاصمة السويسرية برن، أفضت إلى التوصل لاتفاق لتبادل الأسرى، وهو ما عدّه البعض بداية لبشائر الاتفاق.
لا شك في أن الاتفاق السعودي –الإيراني، ستكون له تداعياته الإيجابية على المنطقة بشكل عام، واليمن بطبيعة الحال جزء لا يتجزأ منها ، لا بل يعدّ قوة فاعلة ومؤثرة في النظام الدولي. ولكن هذا لا يعني أن قرار معالجة هذا الملف بين طهران والرياض، بل هو بين الرياض وصنعاء، وهو ما تؤكده الأخيرة مراراً وتكراراً.
بالنسبة إلى صنعاء، فقد كشفت الجولات التفاوضية السابقة -سواء تلك التي عُقدت بين الرياض وطهران في بغداد ومسقط، أو بين الرياض وصنعاء في عمان- أنّ النديّة قائمة كنهج ثابت في العلاقة بين كل من إيران وصنعاء. وبالتالي، فإن التعويل السعودي، على استغلال أي تقارب مع الحكومة الإيرانية، قد أثبت عدم جدواه. وهذا ما أكد عليه الجانبان الحليفان مراراً، وكُررّ أخيراً، على لسان السفير اليمني لدى طهران، إبراهيم الديلمي، الذي أشار إلى أن “السعودية وضعت الملف اليمني كأولوية في مفاوضاتها السريّة مع طهران لأكثر من مرة سواء في بغداد أو مسقط، غير أن الإيرانيين أكدوا أن علاقتهم مع صنعاء هي علاقة إخاء صادق لكن قرار صنعاء بيدها وليس في طهران”.
المحلل السياسي اليمني علي الدرواني وفي حديثه إلى الميادين، عدّ أن “اليمن كان سبباً ودافعاً للسعودية لتغيير نهجها وذهابها للمصالحة مع إيران”، ويضيف أنّ “هذا جيد بالنسبة إلى اليمن من جهتين، أولاً سقوط ذريعة الحرب والعدوان وادعاءات الرياض بمحاربة إيران في اليمن، وثانياً لجهة خفض التوتر، ومنع التصعيد، في حال أدركت السعودية أخطاءها وراجعت حساباتها، ولم يكن تكتيكاً منها”.
ويتابع الدرواني بالقول: “على السعودية أن لا تظن أنّ الحل يمكن أن يأتي من إيران”، مضيفاً أنّه “ما لم تدرك الرياض أنّ مشكلتها مع صنعاء وبالتالي يجب مناقشتها معها، فإننا سنكون أمام جولة جديدة من التصعيد، أو على الأقل المماطلة وتأخير الحلول وتعقيدها”.
نجحت صنعاء في فرض نفسها على الساحة السياسية، بفضل صمود شعبها وتعاظم قدراتها العسكرية على مدى سنوات الحرب الثماني، كما استطاعت تجيير التحولات الدولية لصالحها، لا سيّما فيما يتعلق بالحرب في أوكرانيا كما ذكرنا سابقاً، والجنوح السعودي نحو التقارب مع إيران، مع تشديدها وفي أكثر من مناسبة أنّ اليمن ليس حديقة خلفية لأحد، فاستجابة دول العدوان للمطالب العادلة والمحقة للشعب اليمني وفي مقدمتها القضايا الإنسانية ورفع الحصار وإعادة الإعمار، هي المدخل المنطقي والوحيد لإعادة تطبيع العلاقات بين اليمن والسعودية وعلى أساس الندية والمصالح المشتركة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.
سمية رقة/ الميادين نت