مسار جديد من المواجهة.. لا قبول للأمريكي كمحتلّ لليمن
يمانيون – متابعات
تبرز المساعي الأمريكية في كُـلّ مرحلة من مراحل العدوان على بلادنا كأدَاة معرقلة لأي توجّـه للسلام، حتى وإن ظهرت أدواتها بقميص اللاهث نحو إنهاء الحرب، إلا أن المخطّطَ سرعان ما ينكشف، ليتجلى بكل وضوح أن الأمريكيين هم رأس الحربة في العدوان على بلادنا.
ومنذ بدء العدوان في 26 مارس 2015، كان قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، واضحًا في خطاباته، مؤكّـداً أن العدوان على بلادنا هو أمريكي بامتيَاز، فقد أعلنت الحرب من واشنطن، وخلال تعاقب رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية (أوباما، ترامب، بايدن) كان نهجهم واحداً، وأُسلُـوبهم واحداً، ومخطّطهم واحداً، وهو الوقوف مع خيار استمرار العدوان على اليمن، وعدم إعطاء الفرصة لرفع الحصار أَو إيقاف العمليات العسكرية العدوانية.
وخلال الأشهر الماضية، برز دور إيجابي لسلطنة عمان، حَيثُ توسطت للبحث عن الحلول وتفكيك ملفات الحرب، فبرزت مؤشرات إيجابية تنحو باتّجاه وقف العدوان ورفع الحصار، ومحاولة زحزحة الملف “الإنساني” بعد أن أكّـدت هذه الوساطة أن الجانب السعوديّ وافق على معالجة الملف الإنساني، وفي مقدمة ذلك صرف رواتب الموظفين، والسماح بدخول السفن إلى ميناء الحديدة بدون تفتيش، وإعادة فتح مطار صنعاء الدولي، وبالفعل حدثت “انفراجة” محدودة في هذا الجانب، لكن قائد الثورة أكّـد بأن ما حدث هو “خفض للتصعيد” وليس نهاية للحرب، داعياً في خطاب له بمناسبة الذكرى السنوية للشهيد القائد الشعب اليمني للحيطة والجهوزية الكاملة، فقد تعود الحرب في أية لحظة.
ويتضح أن الأمريكيين كانوا هو السبب وراء وضع العراقيل في عجلة السلام التي بدأت تمشي بخطى متثاقلة، فقد جاءت التدخلات والضغوط الأمريكية عبر سفيرها في واشنطن، لتعرقل أي توقيع من قبل العدوّ السعوديّ لأي اتّفاق يتضمن معالجة الملف الإنساني، الأمر الذي دفع السعوديّة للعودة إلى ممارسة أساليبها القذرة، والمماطلة، والتهرب من التزامات سابقة بوساطة عمانية.
هذه التدخلات والعرقلة الأمريكية قوبلت بسخط كبير من قبل الشعب اليمني الذي خرج، أمس الأول في مسيرات حاشدة في مختلف المحافظات اليمنية للتنديد والرفض القاطع لكل أشكال التدخلات الأمريكية في الشأن اليمني والعرقلة الحاصلة فيما يتعلق بالملفات الإنسانية والمطالب المحقة للشعب اليمني بما في ذلك مرتبات الموظفين المقطوعة من قبل تحالف العدوان الأمريكي السعوديّ.
وبالتوازي مع التنديد الشعبي الكبير، ندّد البرلمان اليمني في بيان صادر عنه، يوم أمس ما سماه بالدور الأمريكي القذر لعرقلة جهود السلام ومساعي الوساطة العمانية، مستهجنا استغلال تحالف العدوان لمعاناة الشعب اليمني بالالتفاف على مراحل الهدن المعلنة لإبقاء الوضع في حالة من اللا سلم واللا حرب، إضافة إلى عدم التعاطي الإيجابي مع الملف الإنساني.
ودعا نواب الشعب أنظمة تحالف العدوان بأخذ تحذيرات قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، والمجلس السياسي الأعلى على محمل الجد، مؤكّـدين أن عواقب تجاهل صبر ومعاناة الشعب اليمني ستكون وخيمة، خَاصَّة ما يتعلق منها بوقف العدوان ورفع الحصار وخروج القوات الأجنبية من اليمن، إضافة إلى تحمل كُـلّ الاستحقاقات المشروعة لشعبنا نتيجة العدوان والحصار وتداعياته الكارثية.
مخطّط غير مقبول
وبالنسبة للقيادة الثورية والسياسية والعسكرية في صنعاء، فَـإنَّ أصابع الاتّهام تتجه صوب “واشنطن”؛ باعتبارها المعرقل الأول للسلام، وهذه حقيقة لا تخفى على أحد، وقد أكّـدها قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، حين قال في خطابه الأخير بمناسبة الذكرى السنوية للرئيس الشهيد صالح الصماد: “إن الجانب الأمريكي يعمل على عرقلة الجهود العمانية في ثلاث نقاط أَسَاسية: أولها محاولته إبعاد التحالف عن أية التزامات تترتب على أي اتّفاق، وتبرئة السعوديّة من دورها المباشر كقائد للعدوان على الشعب اليمني، وكذلك رفض ربط صرف مرتبات موظفي الدولة بعائدات مبيعات النفط والغاز، بالإضافة إلى محاولته تحويل المسألة على أنها مسألة داخلية بحتة، ومحاولة تأجيل إخراج القوات الأجنبية المحتلّة”.
ولأن صنعاء تدرك خطورة هذا المخطّط الأمريكي، فقد أسمعته الجواب الذي لم يعجبه على الإطلاق، وهو الانطلاق نحو استراتيجية جديدة، وتصعيد جديد لن يتوقف هذه المرة إلا بالرحيل الكامل للقوات الأجنبية من اليمن، وهو خيار يدرك الأعداء مدى مصداقيته، وجديته، وهذا ما يجعل المواجهة في المرحلة المقبلة أكثر خطورة من سابقاتها؛ لأَنَّها ستنتقل من مواجهة “الأقزام” أدوات العدوان، إلى رأس الأفعى ذاته، وهو ما لا يريده الأمريكيون على الإطلاق.
وهنا يفضح قائد الثورة الأمريكيين مرة أُخرى، حَيثُ يؤكّـد لنا أن الأمريكيين يحاولون تصوير الوضع في اليمن بأنه مسألة داخلية بحتة، وأنهم بعيدون مما يحدث، ليؤكّـد لهم أن هذا لا يمكن القبول به أبداً.
ولا يمكن أن تتحول المسألة إلى مشكلة مع صغار المرتزِقة الذين ليسوا إلا مجندين مع تحالف العدوان، مؤكّـداً أنه: “لا يمكن أن يتحول دور من قدم نفسه منذ بداية العدوان بصفة قائد للحرب ومنفذ للعمليات الهجومية على بلدنا إلى مُجَـرّد وسيط”.
أما في ما يتعلق بالنقطة الثالثة، والمتعلقة في مسألة انسحاب القوات الأجنبية من بلادنا، فَـإنَّ الأمريكيين يسعون للبقاء لمدة أطول، يبقون لينهبوا ثروات الشعب وخيراته من النفط والغاز، والمعادن، والأسماك، وغيرها، يأخذون كُـلّ شيء من باطن الأرض، ويتركون للشعب اليمني الفتات، بل وصل بهم الحال إلى استعباد وامتهان كرامة الإنسان اليمني وخَاصَّة في المناطق الجنوبية والشرقية المحتلّة، وبناء السجون السرية، وتعذيب كُـلّ من يعترض أَو يفكر بالمعارضة، في مشاهد لا تفوح منها سوى رائحة الخسة والدناءة.
وفي هذا أَيْـضاً يرسل قائد الثورة رسالته بوضوح حين يقول: “الأمريكي يلعب لعبته في مسألة انسحاب القوات الأجنبية من البلد ويحاول أن تكون هذه الخطوة مؤجلة إلى أجل غير مسمى”، مشدّدًا بأنه “لا يمكن أن نقبل باستمرار الاحتلال ووجود القوات الأجنبية في بلدنا وهذه مسألة جوهرية بالنسبة لنا، موضحًا أننا “سنستمر في كُـلّ الخيارات بكل الجهود في كُـلّ المجالات لنيل الحرية الكاملة والاستقلال التام وتطهير كُـلّ أرجاء وطننا من كُـلّ احتلال أجنبي”.
ولا يغفل قائد الثورة الجوانب الإنساني التي يساوم عليها العدوان، وفي مقدمة ذلك صرف رواتب الموظفين، وهنا يخاطب الشعب اليمني، ويوضح لهم بأن السبب الرئيس في انقطاع هذه المستحقات المشروعة هو هذا العدوان الذي يحتل وينهب الثروة الوطنية، ويتحكم بها، ويحرم الشعب منها منذ 8 سنوات، والتي كان بالإمْكَان أن يتوفر لشعبنا من الثروة النفطية مبالغ كبيرة جِـدًّا وإيراداتها وكان يمكن أن يحصل عبرها شعبنا مرتبات 8 سنوات إضافة للخدمات.
ويقول قائد الثورة في هذه الجزئية: “لا يمكن أن يتنصل التحالف بقيادته المعروفة الرسمية المعلنة عن أية التزامات تتعلق بأية اتّفاقات أَو تفاهمات، متبعاً بقوله: “لسنا سُذًّجًا أَو أغبياءً ولا يمكن أن نعفي تحالف العدوان من التزامات هي عليه أَسَاساً وهي استحقاقات مشروعة لشعبنا”، مُشيراً إلى ضرورة أن يعلم الأمريكي والبريطاني وليعرف السعوديّ والإماراتي أن عليهم تحمل التزاماتهم والاستحقاقات المشروعة لشعبنا.
أمريكا والسلام المتناقض
ويتضح بجلاء بعد خطابين هامين لقائد الثورة الدور الأمريكي الخبيث في اليمن، فسلوكه عدواني مُستمرّ على بلادنا، وتحَرّكاته في باب المندب، وقبالة السواحل اليمنية، وبناء القواعد العسكرية في محافظتي حضرموت والمهرة، وفي جزيرتي ميون وسقطرى، هو بمثابة احتلال مكشوف لا يمكن للشعب اليمني السكوت عليه، كما أن هناك مؤامرات مهولة وتحَرّكات خطيرة وبهندسة أمريكية بريطانية، في تحول جديد للصراع، وبأساليب جديدة في تكريس واضح لاستمرار العدوان والحصار على اليمن، كُـلّ اليمن، مع تعنت وإصرار أمريكي غربي في فرض حالة اللا سلم واللا حرب وعمل دؤوب في بناء مشاريع الاحتلال، وهذا ما هو حاصل على الواقع، وبلا أفق واضح للحل، وقطع الطريق على أية تحَرّكات أَو جهود تسهم في تحقيق السلام.
ومن الملاحظ من خلال ما تسير عليه تلك السياسات فَـإنَّ واشنطن تنظر للسلام في اليمن كخطر حقيقي يهدّد وجودها الاستعماري في اليمن، لا سِـيَّـما مع نجاح صنعاء وتمسكها بالمطالب المحقة على طاولة المفاوضات وبعد نجاحها أَيْـضاً على مختلف الميادين والأصعدة، وهذا الأمر ما دفع الطرف الآخر في محاولات متكرّرة للتصعيد من خلال التحَرّكات العسكرية في السواحل والجزر اليمنية.
وبهذا فَـإنَّ صنعاء تؤكّـد رفضها للاحتلال بكل أشكاله، كما أنها لن تقبل بالحلول المجحفة والمهدّدة باستقرار وحرية البلاد بشكل عام، وما شروطها ومطالبها التي تتمسك بها وتصر عليها إلَّا حقوق مشروعة لا بد منها.
وفي الأخير سيبقى تحالف العدوان هو المتحمل للمسؤولية تجاه مستحقات الشعب اليمني مهما حاول التنصل والمماطلة، فتهديد وتحذير قائد الثورة مع إرادَة الشعب اليمني كفيلة بالوصول إلى الأهداف والمطالب المحقة بكل أشكال الطرق المناسبة والأساليب المشروعة والمتاحة.
المصدر: صحيفة المسيرة