السيد عبدالملك: ثماني رسائل و”فرصة أخيرة” لدول العدوان
يمانيون – متابعات
بعد قرابة خمسة أشهر من المفاوضات، ومن دون نتائج عملية ملموسة، قدّم السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي ما يمكن توصيفها بـ “الفرصة الأخيرة” لدول العدوان والوسيط العماني، بأن سيرك المفاوضات الطويل لا يمكن أن يستمر إلى ما لا نهاية من دون حل الملف الإنساني أولاً وقبل كل شيء.
جاء ذلك ضمن خطاب استمر لساعين إلا ثلث تحدث فيه عن الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي في ذكرى استشهاده، وفند فيه العناوين الأميركية الزائفة، واستعرض أساليب استهدافها أمتنا، كما شَرَّح مظاهر الصراع الحضاري ضد أمتنا، وكيف ينبغي مواجهة ذلك.
ضمن هذا الخطاب خصص السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي ثماني دقائق، رسم فيها معادلات وملامح المرحلة المقبلة بعد ثماني سنوات من الحرب وقدّم الفرصة الأخيرة لدول العدوان.
وفي الدقائق الثماني ما قبل الأخيرة من الخطاب، وجّه السيد عبد الملك، ثماني رسائل جمعت ما بين التوضيح وتبديد الغموض حول مسار المفاوضات، وتشخيص المرحلة في اليمن، والشكر لسلطنة عمان، التحذير والنصح، والتلويح، الطمأنة، والدعوة إلى اليقظة والجاهزية والاستنفار الشعبي تحسّباً لما هو مقبل. كاشفاً لأول مرة عن نوعية السلاح الذي استخدمته القوات المسلحة في عملية حماية الثروة في حضرموت.
في رسالته الأولى، بدّد السيد عبد الملك حالة الغموض الحاصلة عن مسار المفاوضات الثنائية المعقدة بين صنعاء والرياض وأوضح أنه “ليس هناك اتفاق هدنة” خلال الأشهر التي أعقبت نهاية الهدنة في الثاني من تشرين الثاني/أكتوبر 2022، وأنّ “المرحلة مرحلة حرب” رغم ما سادها من “انفراجة إنسانية بسيطة في الحصار، وخفض للتصعيد العسكري المتبادل”.
أما الرسالة الثانية فكانت رسالة شكر للوساطة العمانية، ومنحهم الفرصة الكافية في نجاح مساعيهم، كما قدّر لهم تعاملهم مع الشعب اليمني بمبدأ حسن الجوار.
في المقابل وجه السيد عبد الملك في رسالته الثالثة النصح والتحذير معاً لدول العدوان، بأنّ “صبرنا سينفد إذا لم تبادروا للتفاهم الجاد والعملي في الملف الإنساني والمعيشي”، ملوّحاً في رسالته الرابعة، بـ “خيارات ضاغطة” في حال نفد الوقت من دون التفاهم العملي على استحقاقات الشعب وحقوقه في ثروته من النفط والغاز وغيرها.
معززاً ذلك بخامسة وسادسة جدّد فيهما أنه “لا يمكن القبول بحرمان شعبنا من ثروته الوطنية في الاستحقاقات المتعلقة بالمرتبات والخدمات العامة … وأنه لا يمكن أن نتجاهل الملف الإنساني ولن نسكت عليه ولن نضيّع هذه الأولوية لحساب أي أولوية أخرى”، مشترطًا ذلك باعتبار “أن الملف الإنساني هو مفتاح السلام، وأن غاية السلام هي: “إنهاء العدوان والحصار والاحتلال”.
وأمام مساعي قوى العدوان لتبريد عزيمة الشعب، وإلهائه وإشغاله بقضايا هامشية، في مقابل تحركاتها المشبوهة، عسكرتها للميلشيات، وتشكيلها تحت مسميات من قبيل “درع الوطن وغيرها” نبّه السيد الحوثي إلى ضرورة ” اليقظة ورفع الجاهزية تحسباً لأي احتمالات مقبلة قد يكون من بينها عودة التصعيد والحرب العسكرية.
من خلال هذه النقاط الثماني يمكن استنتاج عدة أمور في غاية الأهمية وهي على النحو التالي:
أولاً: أن هذه الرسائل قد تكون بمثابة الفرصة الأخيرة لدول العدوان، من رجل القول والفعل بعيداً عن المناورة واللعب بالوقت؛ لأنها جاءت لأول مرة منذ ما يقارب خمسة أشهر خلت من المفاوضات الثنائية بين صنعاء والرياض سواء في صنعاء أو مسقط، على لسان رجل قول وفعل وصاحب قرار (السيد عبد الملك بدر الدن الحوثي).
ثانياً: تفويتاً للفرصة على النظام السعودي الذي يحاول أن يقدّم نفسه وسيطاً لا طرفاً في المفاوضات، وقد جاء شكر السيد لسلطنة عمان، لتأكيد أن المفاوضات بين الرياض وصنعاء بوساطة عمانية بالدرجة الأولى.
ثالثاً: قطعاً للطريق على أي مساع أميركية سعودية أممية، لجرجرة النقاشات إلى أي ملفات أخرى قبل البت في الملف الإنساني وحسمه، ويتضح ذلك من خلال التركيز على أولوية الملف الإنساني باعتباره “مفتاح الحل”، وليس الحل كله.
صنعاء تفاوض من موقع قوة لا من موقع ضعف، ولا تزال في يدها “خيارات ضاغطة” على دول العدوان، والأبعد من ذلك استعدادها “للحضور العسكري إلى جانب الفلسطينيين بحسب المقتضيات والأحداث”.
كما أن رسائل التحذير والنصح، كانت حاسمة بأن على دول الدول العدوان أن تلغي من قاموسها الدبلوماسي التسويف والرهان على عنصر الوقت، وأن تبادر فوراً إلى استغلال الفرصة الأخيرة بحسم الملفات والاستحقاقات الإنسانية التي لا تقبل التنازل والمساومة بسرعة، وإلّا فإن أولوياتها الاقتصادية ستكون في مهب العاصفة اليمنية.
وفي موازاة هذه الرسائل الحاسمة لدول العدوان، قدّم السيد عبد الملك رسائل طمأنة للشعب، تبدّد أي شكوك قد تتسلل إلى ذهن أي مواطن يمني بأن القيادة والوفد الوطني المفاوض لا يمكن أن يفرّطوا مطلقاً في تضحيات الشعب، والثوابت الوطنية التي اعتبرها السيد “خطوطاً حمراء”، وهي السيادة والاستقلال والوحدة والكرامة والحقوق. بدليل إشارته أيضاً إلى أن هذه الاستحقاقات (المرتبات والحصار على الميناء والمطار وغيرها) ليست سوى مفتاح للسلام لغايات إنسانية، لا غاية من السلام، وأن غايات السلام التي تنشدها صنعاء هي بالضرورة: “إنهاء العدوان والحصار والاحتلال، من دون القبول بالواقع العسكري الحالي، الذي يراد من خلال تقسيم اليمن وتشطيره”.
ختاماً وختامه مسك، أن الخطاب والرسائل كانت موجّهة بدرجة أولى إلى دول العدوان باعتبارها صاحبة قرار الحرب والسلم، وباعتبارها من تملك الأسلحة والطائرات التي قتلت اليمنيين، وفتكت بهم ودمّرت بلادهم، وأيضاً هي (دول العدوان) من تملك القطع البحرية العسكرية لحصار اليمن، وبالتالي لا يمكن الدخول في “سيرك مفاوضات” لا أول له ولا آخر مع من لا يملك أي قرار (المرتزقة)، تحت أي مسمى كانوا، لأنهم في الأول والأخير مجرد عمال تستخدمهم دول العدوان لتحقيق أهدافها ومطامعها، ولا يمكن القبول لأميركا والسعودية والإمارات، أن تدفع بهم إلى طاولة المفاوضات، وتنسلّ من تبعات الحرب وما جنته بحق اليمن واليمنيين على مدى ثماني سنوات، من دون أن تدفع الثمن باهظاً.
علي ظافر