“الصفعة الأقوى للمارينز ” كيف رحل آخر جندي أمريكي من صنعاء ؟
يمانيون – متابعات
لم تتوقع الولايات المتحدة الأمريكية أن تتلقى صفعةً قويةً في أي دولة عربية تبسط فيها نفوذها القوي والمؤثر كتلك التي تلقتها في اليمن، وتحديداً في العاصمة صنعاء التي كانت قد جعلتها مسرحاً مفتوحاً لقوات المارينز التابعة لها، إلى درجة أن تلك القوات كانت تسرح وتمرح مدججةً بأسلحتها جيئةً وذهاباً في العاصمة اليمنية كما لو كانت إحدى المدن الأمريكية، ولم يكن ليحدث ذلك إلى بضوء أخضر وموافقة النظام السابق، الذي تكشف أنه لم يكن سوى جهاز تابع للسفارة والخارجية الأمريكية، واقتصر دوره حينها على تمرير الوجود العسكري الأمريكي وتبريره بواجهات تضليلية كان أبرزها التعاون المشترك في ما أُطلق عليه حينها مكافحة الإرهاب.
كان الحادي عشر من فبراير عام 2015م، يوماً فارقاً في تاريخ النفوذ الأمريكي في اليمن، حيث حسمت صنعاء أمر تدخل الولايات المتحدة المباشر وغير المباشر في الشأن اليمني، خصوصاً في الشئون العسكرية والأمنية، ولم يكن مقبولاً على الإطلاق خصوصاً بعدما وصل إلى حد الوجود العسكري الذي مثَّل انتهاكاً فجاً ووقحاً للسيادة اليمنية، لكن صنعاء قررت في أن يكون الـ 11 من فبراير من عام 2015م اليوم الأخير للقوات الأمريكية في العاصمة اليمنية، فقد طردت قوات المارينز وأجبرتهم على ترك أسلحتهم وغادروا بمذلة وخيبة أمل ما كانت لتخطر في بالهم، نتيجة ما كانوا قد بسطوه من نفوذهم وسيطرتهم التي أحكموها على النظام في ذلك الحين، والذي كان مطواعاً حريصاً على أن يتحركوا بحرية تامة ويفعلوا ما بدا لهم.
وشهد فناء السفارة الأمريكية في صنعاء محرقة مُذلة ومخزية لأسلحة جنود المارينز الحديثة التي كانوا يتباهون بها في تحركاتهم داخل العاصمة، حيث أتلفها الجنود المطرودون لأن سلطات صنعاء أجبرتهم حينها على التخلي عنها، كما كانوا مجبرين على ترك عرباتهم المدرعة وما تبقى داخلها من أسلحة في المطار، حسب شهود عيان أكدوا إتلاف الأسلحة ومعدات التجسس، كما أفاد آخرون من موظفي مطار صنعاء الدولي بأنهم شاهدوا ولأول مرة جنود المارينز وهم يهرعون إلى سلم الطائرة بدون أسلحة، ووجوههم مغشية بالمذلة والانكسار، بعدما ظلوا لسنوات يأتون ويذهبون مدججين بالأسلحة ولا يواجهون أي اعتراض، وبعد مغادرتهم بتلك الطريقة المهينة ولأول مرة منذ بدء علاقاتهم مع النظام السابق؛ لم يمضِ سوى ما يقارب شهراً حتى أُعلنت الحرب على اليمن من داخل العاصمة الأمريكية واشنطن، وحتى اللحظة لم تضع الحرب أوزارها، ولم ينسَ الأمريكيون الذين يقودونها فعلياً الصفعة المؤلمة والخسارة الفادحة لنفوذهم في اليمن.
وكانت الولايات المتحدة الأمريكية، قد تمكنت من بسط نفوذها في اليمن بمساعدة وتواطؤ النظام السابق، وأكثر من أي وقت مضى وضعت في عام 2003م خططاً ماكرة لتدمير القدرات العسكرية اليمنية، خصوصاً أسلحة الدفاع الجوي، وتلقى نظام صالح في عام 2005م توجيهات صارمة من الإدارة الأمريكية بالتخلص من ترسانة الأسلحة التي تملكها اليمن، تحت مبرر أن ذلك الكم الهائل من العتاد العسكري أصبح قديماً ولا حاجة للبلاد به، بالإضافة إلى أن واشنطن أبدت حينها مخاوف من وصول تلك الأسلحة إلى يد العناصر المتطرفة، التي كانت في الأساس المبرر الأول لتمرير تواجد القوات الأمريكية في اليمن، وشرعنةً لاتفاقاتها مع النظام وتغطيةً على انتهاك السيادة الوطنية، وتقديم ذلك كعمل وطني ظاهره مصلحة البلاد وباطنه الدمار ومصادرة السيادة والاستقلال.
ورغم أن نظام صالح بادر إلى الاستجابة الفورية إلا أن الإدارة الأمريكية لم تكن مطمئنة لتنفيذ المخطط إلا بإشرافها مباشرةً على إتلاف الأسلحة، وبالفعل تم تدمير منظومة الدفاع الجوي اليمنية، واستمر عشر سنوات ما بين 2005م و2011م، بدءاً بعملية الإتلاف التي تمت في محافظة مارب بإشراف وكيل جهاز الأمن القومي سابقاً، عمار محمد صالح، وهو نجل شقيق الرئيس الأسبق والذي تم تعيينه في ذلك المنصب خصيصاً للإشراف على مسلسل تدمير المنظومة الجوية الدفاعية، وطبعاً بموافقة الرئيس الذي كان القائد الأعلى للقوات المسلحة، وللتأكد من تدمير منظومة صواريخ سام المضادة للطيران تم الإتلاف بالحضور المباشر لخبراء أمريكيين وفي مُقَدَّمِهم مسؤولة مكتب إزالة الأسلحة في وزارة الخارجية الأمريكية، وقبل ذلك وبعده نفذ النظام السابق مع الأمريكيين عدداً من عمليات تدمير القدرات العسكرية اليمنية، وكان من ضمنها العمليات الغامضة لسقوط عدد من الطائرات الحربية واغتيال الكثير من الطيارين، ولم تتخذ الإدارة الأمريكية قرار الحرب على اليمن إلا بعدما أصبح عاجزاً كلياً عن صد أي هجوم جوي، وعلى مدى الأعوام الثمانية الماضية منذ بدء الحرب والأجواء اليمنية مستباحة أمام طيران التحالف، الذي لم يترك شيئاً بطول البلاد وعرضها إلا وصب عليه كل أحقاده ومؤامراته.
إبراهيم القانص