من البيوت إلى العراء.. السوريون لاجئون في وطنهم بعد الزلزال
الزلزال الذي ضرب سوريا، مؤخراً، دقّ ناقوس الخطر في المناطق التي توجد فيها أبنية متصدعة من جراء الحرب، مثل مدينة حلب وريفها وريف اللاذقية.
“أنا عايشة، ومعي 6 أشخاص تحت التراب ما بعرف إذا عايشين أو ميتين”، “طلعت جيب خبز ورجعت عالبيت لقيت مرتي وولادي تحت الأرض وماني قدران ساعدون بشي”، “شعرت أن الأرض تتحرك تحت قدميّ، كلّ ما استطعت فعله هو الهرب من المنزل مع زوجتي وابنتي الصغيرة سريعاً خوفاً من انهيار محتمل للمبنى”، هي بعض من القصص المأساوية التي عاشتها محافظات حلب واللاذقية وحماه شمال سوريا، بعد الزلزال الكبير الذي ضرب منطقة غازي عنتاب عند الحدود السورية- التركية، وصلت هزاته الارتدادية إلى مدن الجنوب السوري، فيما آثاره الإنسانية لن تُمحى من ذاكرة السوريين خلال وقتٍ قريب.
“الكارثة كانت كبيرة بشكلٍ لا يوصف في حلب؛ لا يمكن الحديث عن حالة إنسانية مؤثرة بعينها، فكل شيء كان موجعاً للغاية”، يقول مصدر في مديرية صحة حلب للميادين نت تعليقاً على الأحداث المؤلمة التي شهدتها المحافظة عقب وقوع الزلزال.
ويقول المصدر: “المأساة الأكبر داخل أحياء المدينة حالياً، هي سماع صرخات الموجودين تحت الأنقاض، ففي تلك اللحظات الصعبة لا يمكنني تخيل شعورهم وخوفهم وصعوبة العمل من أجل إنقاذهم، هذه لحظات لن أنساها أبداً”.
خطة وطنية شاملة لمواجهة الكارثة
الرئيس السوري، بشار الأسد، ترأس اجتماعاً طارئاً لمجلس الوزراء، صباح الإثنين، لبحث تداعيات الزلزال الذي ضرب البلاد، وبناءً على الواقع الراهن، تمّ وضع خطة تحرك طارئة على المستوى الوطني تقودها غرفة عمليات مركزية تعمل على مدار الساعة، بالإضافة إلى فرق ميدانية على الأرض.
كما تم استنفار الوزارات والمؤسسات والجهات المعنية كافة، وتجنيد الفرق والإمكانات لدى الدفاع المدني والإطفاء والصحة وشركات الإنشاءات العامة وفروعها في المحافظات، والمؤسسات الخدمية ومديريات الخدمات العامة للقيام بعمليات إنقاذ الأرواح وإزالة الأنقاض.
إضافة إلى تأمين الرعاية الصحية العاجلة لكل المصابين في مختلف المحافظات، واستنفار كل الكوادر الطبية في وزارات الصحة والدفاع والتعليم العالي، وتأمين أماكن الإيواء والغذاء للمتضررين بشكل عاجل، وتأمين المشتقات النفطية لتزويد العمليات الفنية الطارئة في المحافظات المتضررة.
البروفيسور نضال جوني، رئيس قسم علم الزلازل سابقاً، كشف للميادين نت إن الزلزال الذي حدث صبيحة يوم الإثنين كان قوياً جداً، إذ وصلت شدته إلى 7.8 درجات على مقياس ريختر، وموقعه في غازي عنتاب على الفالق الأناضولي، ولحقته مجموعة هزات ارتدادية، لكن الهزة الأساسية أدت إلى دمار في منطقة واسعة شملت مناطق تركية وإقليم لواء إسكندرون ومحافظة حلب وإدلب والساحل السوري.
وتابع جوني، أن سوريا تقع في منطقة نشطة زلزالياً، وعبر التاريخ كان هناك عشرات الزلازل التاريخية، وقد تجاوز العدد 100 زلزال مدمر، لكن لم يكن هناك استعدادات عند الأهالي في سوريا أو توعية أو معرفة بكيفية التصرف والإجراءات المتبعة في مثل هذه الحالة، وهذا ما أدى إلى حالة من الخوف والفوضى، وأدى إلى وقوع المآسي في مناطق سورية مختلفة.
حلب الأكثر تضرراً
مصدر في الدفاع المدني في محافظة حلب أكد للميادين نت سقوط أكثر من 70 بناء في المحافظة، فيما تستمر عمليات إزالة الأنقاض في الأحياء المختلفة، وفي كل وقت إما يتم العثور على جثة جديدة أو ناجٍ جديد، لكن المشاهد مروّعة بشكلٍ لا يوصف.
معاون وزير الصحة السوري، أحمد ضميرية، قال للميادين نت: “في كلّ لحظة، يوجد حالة إنسانية جارحة في المحافظات المتضررة من جراء الزلزال، سواء في حلب أو حماه أو اللاذقية”.
وذكر ضميرية إحدى الحالات المؤثرة خلال المأساة التي شهدتها محافظة حلب، وهي لطفل نائم في سريره، استيقظ ليجد نفسه في العراء، وبقي تائهاً لساعات، وجرت محاولات عديدة للتعرف إليه، قبل أن يتم العثور على أهله بعد جهد مضنٍ من قبل اللجان الشعبية والمؤسسات الإنسانية.
وفي حلب أيضاً، تحدّث معاون وزير الصحة السوري عن إحدى الحالات المؤثرة، وهي لمطران لبناني موجود في حلب منذ فترة الحرب، وفي تلك الأيام، خسر عينه وبُترت يده من جراء إصابته بقذيفة من قبل الجماعات المسلحة، لكن القدر اختاره اليوم، حيث بقي لساعات تحت الأنقاض، وتوفي أثناء إسعافه إلى المستشفى بعد انتشاله.
معاون وزير الصحة السوري أكد أن هناك عملية استنفار كامل لإزالة الأنقاض في مختلف المحافظات المتضررة، لكن كمية الأمطار التي تتساقط حالياً في الشمال السوري تعيق عمل فرق الإنقاذ، خاصّة وأن كميات الأنقاض مهولة بشكلٍ مخيف، لكن رغم ذلك، يؤكد ضميرية أن جميع الموجودين يحاولون فعل ما بوسعهم لإنقاذ من هم تحت الأنقاض، “حتى لو كلفهم الأمر أن يحملوا التراب برموش أعينهم”.
في بانياس بريف محافظة طرطوس على الساحل السوري، عمد مجلس المدينة إلى اتخاذ خطوات احترازية عاجلة، عبر إزالة مجموعة من الأبنية المتصدعة من جرّاء الزلزال، وإفراغ سكان بعض المنازل القابلة للسقوط إذا ضرب زلزال آخر أو هزة ارتدادية عنيفة المنطقة.
أهالي اللاذقية في الملاجئ
من جانبه، محافظ اللاذقية، عامر هلال، قال للميادين نت إن المحافظة تعرّضت لزلزال شديد في ساعات الفجر الأولى من يوم الإثنين، ومنذ ذلك الوقت، تم توجيه فرق الإنقاذ من دفاع مدني وإطفاء، بالإضافة إلى وحدات من الجيش السوري والقوات المسلحة والأجهزة الأمنية، للعمل على تقديم الدعم الكامل للمتضررين من جرّاء الزلزال.
وأكد المحافظ أن عدد الضحايا بلغ في حصيلة أولية 265 حالة وفاة ونحو 700 إصابة، وما زالت فرق الإنقاذ مستمرة بعمليات إزالة الأنقاض للبحث عن ناجين، حيث أقامت المحافظة مراكز إيواء في مدينة جبلة بريف اللاذقية، ومراكز أخرى في المحافظة لاستقبال الأشخاص الذين فقدوا منازلهم.
وأشار المحافظ إلى إيواء أكثر من 110 أشخاص في صالة مدينة الأسد الرياضية، كما تم إيواء 250 شخصاً بينهم نساء وأطفال في جامعة الشام الخاصة، وفي نادي قوات ضباط القوات المسلحة. مشيراً إلى أن حجم الأضرار المادية بلغ 102 منزل وبناء.
وفيما تتواصل عمليات إزالة الأنقاض في محافظة اللاذقية، لم يكن أمام الأهالي أي خيار سوى النزول إلى الملاجئ في كثير من الأحياء، فيما قرر آخرون التوجه إلى القرى الجبلية، خوفاً من أيّ هزات ارتدادية قوية جديدة، لكن المشهد الأكثر تأثيراً هو توجه عدد كبير من العائلات إلى الحدائق العامة، رغم الهطل الكثيف للأمطار الذي تشهده المحافظة خلال الوقت الحالي.
الرعب الذي يسيطر على السوريين في الوقت الحالي لا يقتصر على المناطق المنكوبة والمتضررة من جرّاء الزلزال، بل وصل الخوف إلى مختلف المحافظات والمدن السورية، فيما تضج مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة بأخبار الزلزال والوفيات والإصابات وصور الناجين والمفقودين، إضافة إلى التعليمات الواجب اتباعها عند حدوث هزات ارتدادية جديدة.
إن الزلزال الذي ضرب سوريا، مؤخراً، دقّ ناقوس الخطر في المناطق التي توجد فيها أبنية متصدّعة من جراء الحرب، مثل مدينة حلب وريفها وريف اللاذقية، وهذا الأمر بحاجة إلى خطة وطنية شاملة لمعالجة تلك الآثار التي من الممكن أن تتحول إلى كارثة إنسانية في حال حدوث زلزال جديد، وهذه الخطة يجب أن تترافق مع دعم دولي لجهود الحكومة السورية، وخاصّة ما يتعلق برفع الحصار عن الدولة السورية خلال وقت قريب.
المصدر/ الميادين/