موقع بريطاني يكشف سر التوتر بين السعودية ومصر
يمانيون../
أشار موقع “ميدل إيست مونيتور” البريطاني إلى أنَّ التكهنات حول أزمة بين السعودية ومصر تزايدت مؤخرًا، موضحًا أن هذا التوترات طفت على السطح خلال الأزمة الاقتصادية الخطيرة في مصر منذ الحرب الروسية الأوكرانية قبل عام تقريبًا.
وقال الموقع إنه وفقًا للبنك المركزي المصري في عام 2019، قدمت السعودية ودول الخليج للنظام المصري أكثر من 90 مليار دولار منذ استيلاء الجيش على السلطة في صيف 2013.
وقد تفاخر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مرارًا وتكرارًا بشأن “المساعدات السخية” الخليجية لنظامه وأثر المساعدات على مصر “التي كانت ستنهار لولاها”.
وبحسب الموقع، فإنه مع ذلك، دعا صندوق النقد الدولي في أوائل شهر كانون الثاني/يناير دول الخليج إلى الوفاء بـ “تعهداتها الاستثمارية” لمصر في الوقت المحدد حتى تتمكن من تغطية ديونها الخارجية في السنوات المقبلة.
ولفت إلى أنَّ المسؤولين في السعودية والكويت التزموا الصمت حيال بيان صندوق النقد الدولي، الذي جاء بمثابة صدمة لمصر، في حين لم تكن المصادر غير الرسمية متحفظة للغاية.
ووفقًا للموقع، فإن أمين مجلس الأمة الكويتي أسامة الشاهين طالب حكومته بعدم الامتثال لمطالب صندوق النقد الدولي لتمويل مصر، وشدد على أن “الكويت أحق بأموالها”.
أبواق السعودية تهاجم مصر
كما أنه في السعودية، استجاب كاتبان معروفان بعلاقاتهما الوثيقة بالديوان الملكي، وهما تركي الحمد وخالد الدخيل، لطلب صندوق النقد الدولي، حيث عرف الحمد محليًا بأنه المتحدث الإعلامي للعائلة الحاكمة السعودية، وأعرب عن اعتراضات السعودية على سيطرة الجيش على الاقتصاد المصري.
وأشار الأكاديمي السعودي في سلسلة تغريدات إلى أنَّه في مصر “تمرّ جميع المشاريع الآن عبر مؤسسات تسيطر عليها القوات المسلحة، ويستفيد منها أصحاب النفوذ داخلها، على حساب القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني”.
وأضاف أن شيخوخة البيروقراطية المصرية تقاوم التغيير وتشكل حجر عثرة أمام الاستثمار الاقتصادي الناجح سواء الداخلي أو الخارجي على الرغم من أن مصر كنز من الفرص الاستثمارية.
علاوة على ذلك، رأى الحمد أنَّ هناك ثقافة شعبية خاضعة في مصر حيث ينتظر الجميع أن يأتي كل شيء من القمة مع غياب شبه كامل لمبادرة مجتمعية مستقلة.
كما انتقد الأكاديمي والكاتب السعودي خالد الدخيل هيمنة الجيش المصري على الاقتصاد “منذ عام 1952”.
مصر تتفاجأ بمطالبة الرياض بسداد ديونها القديمة
وأشار الموقع إلى تداول معلومات تفيد أن القاهرة فوجئت بمطالبة الرياض بسداد الديون القديمة المستحقة على مصر لشركة “أرامكو” السعودية للنفط والمتعلقة بشحنات النفط قبل نحو خمس سنوات كان نظام السيسي يعتقد أن النفط منحة لا يمكن سدادها.
كما لفت الموقع إلى تغيب السعودية والكويت عن القمة التي استضافتها الإمارات في 19 كانون الثاني/يناير، والتقى خلالها السيسي بأمير قطر وملك البحرين وسلطان عمان وملك الأردن لبحث المساعدة الاقتصادية المحتملة لبلاده.
السعودية لن تقدّم مزيدًا من المساعدات للحلفاء
ولفت الموقع إلى أنه وقبل ساعات من القمة، قال وزير المالية السعودي محمد الجدعان لمنتدى “دافوس” الاقتصادي إن بلاده ترفض دفع المزيد من المساعدات أو المنح المالية إلى حلفائها، دون أن تنفذ تلك الدول “إصلاحات” اقتصادية.
عناوين التوتر بين السعودية ومصر
وتتصدّر 3 ملفات رئيسية بورصة القراءات المتباينة لتفسير هذا التوتر الذي تفوح روائحه دون ضجيج رسمي، أولها: الاستثمارات السعودية في مصر، التي أثرت بشكل كبير في مستوى العلاقات بين البلدين خلال الأيام الأخيرة، فالمملكة ترغب في توسيع نفوذها الاستثماري داخل السوق المصري، عبر مسارين: الاستثمار المباشر والاستحواذ على أصول وممتلكات الدولة، لكن وفق شروط خاصة بها، سواء في حجم التغلغل الرأسي وقاعدته التوسعية.
الرياض ووفق السياسة التي تتبعها القاهرة خلال الأشهر الماضية في ضوء “وثيقة سياسة ملكية الدولة” تريد شراء العديد من الأصول، وفي مجالات معينة، بما يعزز نفوذها داخل مصر من جانب، ويدر أرباح عليها من جانب آخر، وهو ربما ما لم يجد قبولًا من السلطات المصرية لا سيما المؤسسة العسكرية التي تتحفظ نسبيًا عن إستراتيجية المملكة في الاستثمار التي تعتمد على شراء الكيانات الرابحة بالفعل ومن ثم تحقيق الأرباح السريعة وتحويل عوائدها للخارج، ما يفقد الاقتصاد المصري المكاسب المتوقعة.
وهنا تستشعر الرياض أن هناك وصاية حكومية عليها في خريطة استثماراتها في مصر، وهو ما يفسر عدم ضخ السعودية إلا أقل من مليار ونصف دولار فقط في السوق المصري رغم تعهدها بضخ 10 مليارات دولار وفق الاتفاقية الموقعة بين البلدين التي أقرها مجلس الشيوخ السعودي في نيسان/أبريل 2022.
ثانيًا: ملف تيران وصنافير، وهو الملف الأكثر حساسية في مسار العلاقات بين البلدين خلال العامين الماضيين تحديدًا، في ضوء الجدل الذي يخيم على الشارع المصري منذ إبرام اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية في 2018، فهناك فرق شاسع بين المزاج العام الشعبي المصري والتوجه السلطوي الرسمي بشأن هذا الملف الذي حسمه السيسي والبرلمان لصالح المملكة.
وتلكؤ الجانب المصري في تسليم الجزيرتين رغم إنهاء كل الإجراءات القانونية والإدارية كان مثار تساؤل لدى الشارع السعودي، فيما تعللت القاهرة بالجزء المقتطع من المعونة الأمريكية والبالغ 130 مليون دولار بسبب وضع حقوق الإنسان، مشترطة أن تفرج واشنطن عنه نظير تسليم الجزيرتين، بجانب بعض المسائل الفنية، وهو السبب المعلن بحسب موقع “AXOIS” الأمريكي الذي نقل عن مسؤولين صهاينة قولهم إن مصر بدأت في الأسابيع الأخيرة تتقدم بتحفظات على بنود في الاتفاق، معظمها فنية، ومنها تركيب كاميرات في الجزر التي تتعلق بها الاتفاقية، فيما يفترض أن تستعين القوة متعددة الجنسيات الموجودة بالجزيرتين بتلك الكاميرات لمراقبة النشاط الجاري فيهما، وكذلك في مضيق تيران، بعد مغادرة الجزيرتين، فيما يذهب آخرون الى أن الأمر أكبر من مجرّد الـ130 مليون دولار، وكاميرات المراقبة، إذ كانت تعول السلطات المصرية على المملكة في إنقاذها من الأزمة الاقتصادية الحاليّة بالمنح والمساعدات المستمرة، التي أصبحت الملف الثالث في توتير العلاقات بين البلدين.
ثالثًا: يتعلق بالمنح والمساعدات السعودية، في وقتٍ تعيش مصر هذه الأيام أزمة اقتصادية طاحنة، جانب منها بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية والجانب الأكثر حضورًا جراء السياسات المتبعة التي حولت القاهرة إلى واحدة من أكثر بلدان العالم استدانة، إذ تبلغ حجم ديونها الخارجية فقط حاجز الـ154 مليار دولار، بخلاف خدمة الدين التي تستنزف الجزء الأكبر من الموازنة العامة للدولة حتى 2030.
الوضع تفاقم مع الحرب الروسية الأوكرانية التي اندلعت في شباط/فبراير 2022 وأحدثت هزة في السوق العالمية كانت نتيجتها خروج أكثر من 20 مليار دولار من الأموال الساخنة من السوق المصرية في آذار/مارس العام الماضي، وهنا عوّل النظام المصري على حلفائه الخليجيين في انتشاله من هذا الوحل والعبور إلى برّ الأمان، لكنه فوجئ بتلكؤ الرياض في تنفيذ تعهداتها السابقة بضخ 15 مليار دولار لمصر (منها 5 مليارات دولار وديعة في البنك المركزي المصري كانت المملكة قد جددتها في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي و10 مليارات دولار استثمارات يفترض أن تضخهم السعودية في السوق المصري من خلال شراء أملاك الدولة وحصص من شركات القطاع الخاص).
وفي تلك الاجواء الضبابية، من الصعب التكهن بمستقبل العلاقات المصرية السعودية، فالواضح حتى اللحظة أنَّ الجدوى الاقتصادية باتت تتفوّق على الاعتبارات السياسية فيما يخص ملف المنح والمساعدات والاستثمارات، ما يعني أن المملكة ستمارس مزيدًا من الضغوط على مصر لتلبية طلباتها وشروطها الاستثمارية وهو ما قد يعرض العلاقات الثنائية للمزيد من الضغوط.