الحربُ النفسية ودعاياتُها الهدامة.. (التشخيص والعلاج)
عبد القوي السباعي
كانت الحربُ النفسية وسيلةً من وسائل الحرب والقتال يستخدمها القادة العسكريون أثناء الحرب فقط، لكنها اليوم أصبحت مستقلة عن العمل العسكري، بل أصبح العمل العسكري فيها عنصراً ووسيلةً من وسائل الحرب النفسية؛ لأَنَّ الحرب والقتال يستهدف في الأول والأخير، هدم معنويات الخصم وإلحاق الهزيمة النفسية به ودفعه إلى الاستسلام والخضوع.
ولأن الدعاية هي ذلك النشاط أَو الفن الذي يحمل الجمهور المستهدف على أن يسلك مسلكاً معيناً ما كان أن يسلكه لولا هذا الفن وهذا النشاط، لهذا تعتبر وسيلة من وسائل الحرب النفسية التي يشنها العدوّ، بل ومن أخطر الأسلحة التي اعتمدت عليها دول الهيمنة والاستغلال على مدى قرون من الزمن، وكم مرت علينا شواهد حيّة لتلك الدعايات السوداوية المضللة والتي رافقت غزو كثير من الشعوب بدءًا بالحرب العالمية الأولى والثانية، وانتهاءً باحتلال أفغانستان والعراق وغيرها.
ولكي ندرك أهميّة الدعاية وفعاليتها في الحروب ينبغي أن نسجل ونذكّر بقدار اهتمام الدول بها، فمثلاً: ألمانيا أنفقت خلال الحرب العالمية الثانية على الدعاية بسخاءٍ غريب، إذ بلغت ميزانية وزارة الدعاية الألمانية عشرين مليون جنيه في تلك الفترة، الأمر الذي دفع بالدكتور “يالمار شاخت” بتقديم الاستقالة من منصبه كمديرٍ لبنك ألمانيا احتجاجاً على سياسة وزير الدعاية الجنرال “جوزيف جوبلز”، الذي كاد أن ينفق كُـلّ ما لدى البنك من الذهب، وذلك مقابل نشره للدعاية بين خصوم ألمانيا، فما كان من “أدولف هتلر” إلا أن قال كلمته المشهورة: “لتبقى دعاية جوبلز وليمضي ذهب شاخت إلى الجحيم”، ولهذه الأهميّة آثر هتلر دعاية جوبلز على ذهب شاخت.
إن الحرب النفسية والدعائية وحرب الأعصاب التي تبناها هتلر في تلك الفترة حطمت الكثير من الدول والبلدان لدرجة أنه استطاع إخضاع ثلثي القارة الأُورُوبية تحت سيطرته، إلى أن تمكّن اليهود من الحدّ من تأثيراتها وأبدعوا في مواجهة الألمان بنفس السلاح الدعائي، حَيثُ كانت مزاعم “محرقة الهولوكوست” عنوان المرحلة، وأضافوا على دعاياتهم طابوراً خامساً من الداخل، حتى أسقطوا هتلر وانتصروا عليه.
وهكذا نشاهد في العصر الحديث أن قوى الهيمنة العالمية (الصهيو أمريكية) اتقنت ولا تزال للكثير من الفنون في مجال الحرب النفسية والدعائية وحرب الأعصاب، وبات من المفيد جِـدًّا التنبيه على الأضرار البالغة والناتجة عنها بشكلٍ عام، والتي تلحق الضرر الكبير بالشعب وبتماسك جبهته الداخلية وبالقوة العسكرية لأية دولةٍ مستهدفة، جراء تلك الدعايات التي يطلقها الخصوم سواءً من الخارج أَو من الداخل، بقصد تشتيت الأفكار وتسميم الوعي وتشويه الحقائق وتزييف الوقائع، وبالتالي انخفاض الروح المعنوية المقاومة للعدو، وانعدام الثقة بإحراز النصر.
اليوم ونتيجةً للتطور الهائل في تكنلوجيا الإعلام والاتصال الجماهيري عُمُـومًا من قنوات فضائية ومواقع إلكترونية، سهل أبجديات العمل في مجال الدعائي والحرب النفسية بشكلٍ كبير، الأمر الذي يستدعي أخذ الحيطة والحذر من تأثيرات الدعايات المعادية، بل ومن كُـلّ وسائل وأساليب الحرب النفسية عُمُـومًا، والعمل بكل قوة على إعطاء الشعب حصانة ومناعة ضدها.
وعليه.. يتوقف مواجهة الحرب النفسية والدعائية، وكبح اندفاعاتها ومعالجة تأثيراتها في المقام الأول، على ثقافة الشعب ونباهة أفراده، ووعي وبصيرة جنوده، وحكمة القادة ورجال الحكومة في الأمور السياسية، وعلى مدى التحلي بالإيمان في عدالة القضية التي نقاتل ونجاهد، ونصبر ونصابر في سبيلها، ومدى الثقة في النفس والسلاح والقيادة التي ستصل بنا إلى تحقيق النصر المؤزر بإذن الله تعالى، والعاقبة للمتقين.