هَذَا نِدَاءٌ إلَى النَّاس جَمِيْعَاً! (الحلقة الثانية)
عبدالرحمن الأهنومي
«حَتى يَكُوْنُ الجَمِيِْعُ عَلىْ بَيّنَةٍ مِنْ الأَمْرِ»
لم يكن العدوان على اليمن سعودياً إماراتياً أمريكياً بريطانياً صهيونيا، فحسب، بل هو عدوان عالمي تشارك فيه أنظمة الخليج ودول الغرب وإسرائيل ودول وأنظمة وجيوش عربية وغربية أخرى معلنة وغير معلنة، الحرب الإجرامية الوحشية التي كان مُقدّراً لها أن تستمرّ أسابيع فقط، تدخل قريبا عامها التاسع بفعل صمود وشجاعة وابتكار وثبات الشعب اليمني وتضحياته وصبره وإيمانه القوي بالله، وبحكمة قائده السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي.
انكسر العدوان وفشل في إخضاع الشعب اليمني بالحرب الوحشية المروعة التي يشنها والحصار الشامل الذي يستخدمه على الغذاء والوقود والدواء، يدرك العدوان أن المخططات التي ينفذها في المهرة وسقطرى وحضرموت وفي المناطق المحتلة الأخرى على كف عفريت، فهو يدرك أن قوة يمنية متعاظمة ومتصاعدة ستطاله وستفرض عليه معادلات رادعة إلى عمقه وستدحره من الأراضي والجزر والمياه .
تنخر الصراعات صفوف تحالف العدوان الذي يعاني من تصدُّعات واهتزازات عنيفة، واحتراب ومعارك مشتعلة بين مرتزقته الذين باتوا في مهب الريح يذهبون إلى غير وجهة كـ”القرود على جدر مقشامة”، كما في المثل، في المقابل عزز الشعب اليمني قواته بالتصنيع والتدريب والتأهيل وحقق تطورات كبيرة بعدما خاض ملحمة هي أشبه بالمعجزات في ميدان الحرب وفي معادلات المعركة.
لقد كان الهدف من الحرب الأمريكية السعودية الإماراتية إخضاع واحتلال اليمن، ونهب ثرواته، وتقسيمه بين المتحالفين، لكن المفاجآت اليمنية قلبت معادلات الحرب والمواجهة، وكان الهدف أيضا إسقاط اليمن لكي يكون اليمن ضمن خارطة التطبيع الخيانية مع الصهاينة، بتطويع الشعب اليمني ليصبح ضمن قطيع المطبعين، وليس صدفة أن الدول التي تحالفت في الحرب على اليمن كالمغرب والسودان والبحرين ودويلة الإمارات هي من وقعت اتفاقيات تطبيع وخيانة مع الصهاينة، ذلك أن تحالف الحرب على اليمن هو تحالف التطبيع مع الصهاينة.
لكن ثمانية أعوام – وعلى مشارف بداية العام التاسع من الحرب الوحشية – والشعب اليمني أقوى وأصلب وأكثر عزماً وتماسكاً، في مواقفه وفي مواجهته على رغم الحرب الأمريكية الوحشية والمركبة، إذ يترافق مع القصف والقتل اليومي والحصار والتجويع بروباغندا إعلامية ودعائية غير مسبوقة، في الفضائيات والإذاعات وفي الميديا وفي الصحف والمنصات الإخبارية، وفي وسائل التواصل الاجتماعي بشكل أخص، وقد كشف الأكاديمي البريطاني، مارك أوين جونز، بعد دراسة دقيقة قبل أشهر، عن نشاط هائل لجيش إلكتروني تابع للسعودية والإمارات.
مع مرور الوقت على طول سنوات المواجهة الثمان التي واجهت فيها دول العدوان ضربات عسكرية يمنية قاتلة، كان العدوان – الذي ظنها حربا خاطفة لا تستغرق أكثر من شهرين- يسعى إلى إيجاد وسائل تمكّنه من تكبيل وتطويق الشعب اليمني والحد من آثار قدراته المتصاعدة، راهن قادة العدوان «الأميركيون» على الحصار فشددوا من الخناق على الوقود والغذاء والأدوية، واستطاع الشعب اليمني تقويض الخطة الأمريكية بالضربات الصاروخية والجوية على دبي وأبو ظبي وخزانات أرامكو، وبدا للأمريكيين والخليجيين والغربيين وحتى الصهاينة أن من شأن تشديد الحصار دفع القيادة اليمنية ليس إلى عمليات عسكرية جديدة، بل إلى إشعال حرب مفاجآت كبرى وشاملة، ومع التأكد من فشل الرهان على حرب التجويع والحصار، سارعوا إلى الهدنة.
ضربات كسر الحصار وقبلها ضربات إعصار اليمن بداية هذا العام الذي يطوي أيامه الأخيرة، فرضت معادلات على العدو، وفرضت استحقاقات وحقوقاً عليه لا بد أن يدفعها العدوان اليوم وبشكل عاجل: صرف المرتبات، رفع الحصار الشامل وبدون انتقاص أو اجتزاء، سحب الجيوش وإنهاء الحرب، عدم التدخل في سيادة اليمن، لكن تحالف العدوان وبقيادة أمريكا يريد أن يبقى اليمني منهوبا بلا رواتب محاصرا من البر والجو والبحر، ويريد أن تبقى المحافظات الشرقية والجنوبية والسواحل تحت الاحتلال.
عُرضَ على الشعب اليمني وقف الحرب مقابل قبوله بشروط العدوان لكنه رفض قبل صرف المرتبات ورفع الحصار الوحشي عن المطارات والموانئ، ودون أي قيود ولا إجراءات، وفرض معادلة حماية الثروة والسيادة عليها، كما استطاع – بعون الله – بناء قوة تمكنه من فرض السيادة على كل شبر يمني في كامل جغرافيا الجمهورية اليمنية.
مع بداية الهدنة التي دخلت الثاني من أبريل هذا العام، انتقل التحالف العدواني بقيادة أمريكا إلى خطة بديلة «حرب القوة الناعمة» الأكثر غموضا والأشد تأثيرا وفتكا، بإدخال الشعب اليمني في متاهات وإثارات داخلية، بهدف صرف اليمنيين عن المعركة المصيرية وتوجيههم إلى الداخل لتقويض معادلة الصمود والتماسك، تقوم هذه الحرب على الأكاذيب والشائعات والإثارات للإشكاليات والتهييج تحت عناوين كثيرة، وجُهِّزت ماكينات إعلامية وأمنية ضخمة وهائلة ورُصدت موارد مالية هائلة لإدارة هذه المعركة وتوجيهها، وقام ببناء شبكات دعائية تحريضية وجند لها أعداداً كبيرة من المحبطين والمنتفعين والعملاء أيضا داخل اليمن، إضافة إلى المرتزقة في الخارج.
وترافق ذلك مع تبني العدوان مخططات أمنية إجرامية، من خلال بناء شبكات إرهابية كُلفت بأدوار معينة في العاصمة صنعاء والمحافظات الحرة، كما قام بتوظيف القضايا الجنائية في سياق هدف كسر الصورة الذهنية والواقعية المستقرة وتقويضها، ولتغذية الدعايات التي يطلقها يوميا.
الصورة واضحة للنشاط الدعائي الذي يعمل عليه العدوان اليوم، وفي المقالة القادمة سنوضح بتفصيل أكثر، وليس هناك التباس اليوم أننا أمام فصل جديد من المواجهة المفتوحة مع تحالف العدوان الأمريكي الصهيوني الغربي الخليجي، ومع حالة المراوحة التي يمارسها تحالف العدوان برسم الإدارة الأمريكية يجهز العدوان لتصعيد عسكري في جبهات حربية محددة، وبخطة عمل دعائية منسقة وممنهجة، يعمل عليها منذ فترة، والمطلوب هو كشفها ومواجهتها إعلاميا وتبيينها والوعي بطبيعتها، وإجرائيا بمعاقبة من يتورط فيها من اليمنيين واتخاذ ما يلزم بشأنهم، فليس اليمن رخيصا إلى هذا الحد الذي يجعل هذا الناشط أو ذلك الكاتب أو ذلك الشخص أو اليوتيوبرز أن يتجند للعدوان ويعمل يوميا ضمن خلاياه، ويحتمي بادعاء الوطنية والحرص وبالحديث عن الجبهات ومواجهة العدوان.
سنكمل حديثنا غدا.