هل يكون الشتاء ساخناً في اليمن
يمانيون – متابعات
نعتقد أنَّ الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والسعودية والإمارات – من منظور براغماتي – ستكون خلال المرحلة المقبلة أكثر حرصاً على التهدئة.
على الرغم من تبادل الوفود بين صنعاء والرياض نهاية تشرين الأول/أكتوبر الماضي، فإنَّ الجمود لا يزال مهيمناً على المشهد السياسي، فليس واضحاً حتى اللحظة ما آلت إليه الأمور خلال الشهرين الماضيين.
وفيما تتمسَّك صنعاء بمطلب تسخير إيرادات النفط لمصلحة المرتبات والخدمات لكلّ الموظفين وكلّ اليمنيين من دون استثناء، فإنَّ قوى العدوان ترفض ذلك، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا التي تصدرت المشهد في الآونة الأخيرة، سواء عبر السفراء والوفود العسكرية أو عبر المبعوث الأميركي تيم ليندر كينغ.
ومن يتفحَّص تصريحاتهم خلال الشهرين الماضيين، يجد أنهم الأكثر قلقاً والأكثر حنقاً من معادلة “حماية الثروة النفطية” التي فرضتها القوات المسلحة اليمنية بعد منع تهريب النفط عبر ميناءي “الضبة” و” قنا” في محافظتي حضرموت وشبوة، لأن العمليات أثبتت فاعليتها بشكل ملموس في تجفيف منابع إيرادات حكومة المرتزقة، وتكبيل أيادي الشركات الأجنبية ودول العدوان، ومنعها من نهب الثروة اليمنية، الأمر الذي يهدد حكومة المرتزقة بالانهيار.
ومن أجل تفادي انهيارها، لاحظنا كيف هرع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وصندوق النقد العربي لمنحها قروضاً غير قانونية بضوء أخضر أميركي بريطاني، مع أنَّ ما قُدم للمرتزقة من أموال لا يعدو كونه “وصفة مؤقتة” وحلّاً مرحلياً لا يحمل أي مقومات للاستمرارية والبقاء.
مخاوف مشتركة مع اضطراب أسواق الطاقة
ثمة مخاوف أميركية سعودية مشتركة من توسع شعاع العمليات العسكرية في سياق الضغط لتسخير إيرادات النفط والغاز في مصلحة المرتبات والخدمات لكل اليمنيين من دون استثناء.
ولا شك في أن الخشية الأميركية الأوروبية الخليجية ستتصاعد اليوم أكثر من أي وقت مضى، في ظل اتجاه أسواق الطاقة نحو مزيد من الاضطراب، بعد وضع الغرب سقفاً لسعر البرميل الخام من النفط الروسي وتلويح موسكو بخفض إنتاجها.
وما يزيد الخشية أكثر هو توسع شعاع العمليات اليمنية باتجاه موانئ دول العدوان ومنابع الطاقة فيها، إضافةً إلى خطوط الطاقة، لكونها البديل الذي يراهن عليه الغرب في حال خفض الروسي صادراته النفطية مع حلول الشتاء الموعود بأسوأ أزمة طاقة في أوروبا.
هذا الأمر غير مستبعد، إذ سبق أن أعلن المتحدث باسم القوات المسلحة العميد يحيى سريع مطلع تشرين الأول/أكتوبر الماضي أن “القوات المسلحة قادرة على حرمان السعودي والإماراتي من مواردهما إذا أصرا على حرمان شعبنا اليمني من موارده”.
أمام هذه المعطيات، نعتقد أنَّ الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والسعودية والإمارات- من منظور براغماتي – ستكون خلال المرحلة المقبلة أكثر حرصاً على التهدئة لضمان سلامة مصادر الطاقة ومنابعها وخطوطها، وخصوصاً في منطقتنا، خوفاً من أي عمليات استراتيجية يمنية، وليس حرصاً على السلام وحباً به، بخلاف العنتريات التي أطلقها ليندركينغ عقب لقائه نائب وزير الخارجية العماني، إذ هدّد بـ “حرب مدمرة” إذا لم يتوقف ما وصفه بـ “الاستفزازات”.
صنعاء: “التتويه” لا يجدي
ويبدو أنَّ رباعية العدوان تراهن على مسألة الوقت لتجاوز الشتاء، لكن هذا الأمر لم يعد مقبولاً، فصنعاء لا تحتمل مزيداً من التسويف والترحيل للملفات الإنسانية الملحة، وفي مقدمتها المرتبات وفك الحصار بشكل كامل، وهذا ما لمح إليه عضو المجلس السياسي الأعلى محمد علي الحوثي، حين قال إن “التتويه لا يمكن أن يحصن المعتدين، وإن رهانات دول العدوان على الوقت لا تفيد، وأقرب الحلول هو فقط تنفيذ ما هو معلن كحق لا يمكن التنازل عنه”.
ويبدو أن هذا الموقف يحمل رسائل ضمنية لأطراف المناقشات المستمرة منذ نهاية الهدنة، وللوسطاء الإقليميين أيضاً، بأن صنعاء لن تسمح بالمماطلة والتأجيل واللعب على عنصر الوقت.
سلوك واشنطن يهدد الأمن البحري
إنَّ الاستنفار الأميركي في البحر الأحمر والبحر العربي وعزم البحرية الأميركية على نشر أكثر من 100 سفينة مسيّرة في مياه المنطقة الإستراتيجية بحلول العام المقبل، وفق ما أعلنه قائد الأسطول الخامس الأميركي، بذريعة “تعزيز الأمن البحري وبناء هياكل أمنية للأمن البحري”، ليس مؤشر قوة، بل مؤشر قلق وخوف.
في المقابل، استنكرت صنعاء الاستنفار الأميركي، على لسان نائب وزير الخارجية حسين العزي، الذي اعتبر أن “سلوك أميركا في البحر الأحمر ووجودها في مياهنا اليمنية عمل غير قانوني وبلطجة وقحة من شأنها أن تستفز 40 مليون يمني”، وحثّ واشنطن “على احترام القوانين الدولية والامتناع التام عن تهديد الملاحة والوقف الفوري لكل ممارساتها التي قد تعرض السلم والأمن الدوليين للخطر”.
في كلّ المقاييس والمعطيات، فإنَّ المماطلة في صرف المرتبات والإصرار على إفشال مساعي السلام سيكون لهما تداعيات كارثية، كما لمح الرئيس مهدي المشاط في خطاب الاستقلال في 30 تشرين الثاني/نوفمبر، ما يوحي بأنّ المعادلة قد تتجاوز حدود اليمن، وقد لا تكون موانئ العدوان ومنشآته النفطية بمأمن من صواريخ اليمن ومسيراته، ما لم تفضِ النقاشات غير المعلنة إلى تنفيذ الاستحقاقات اليمنية التي لا تحتمل مزيداً من التأجيل ولا تقبل النقاش، وسننتظر ما ستؤول إليه الأمور، أم أن الشتاء سيكون أكثر.
الميادين نت / علي ظافر