هل تقترب صنعاء من فرض معادلة بحرية جديدة ؟
يمانيون – متابعات
تتصاعد الأحداث والمستجدات على الساحة اليمنية خلال الآونة الأخيرة، أكثر من أي وقت مضى، مع إستمرار قوى التحالف السعودي الإماراتي في المماطلة بتنفيذ أي إجراءات حقيقية إنسانية سبق وأن نصت الهدن السابقة عليها، وتنصلها من دفع المرتبات، ورفضها رفع الحصار، تزامناً مع تحركاتها الواسعة في المناطق البحرية الإستراتيجية لليمن، في وقت يبدو أن صبر صنعاء يكاد ينفذ، ما قد ينذر بعودة الحرب.. ولكن أي سيناريوهات متوقعة للحرب القادمة؟ وأي تداعيات لها على التحالف وفصائله؟!.
العودة إلى الحرب هذه المرة، لن تكون ضمن نطاق حدودها الجغرافية السابقة وبالتأكيد لن تكون ضمن قواعد الإشتباك السابقة، لأسباب كثيرة وعلى رأسها إنهيار منظومة التحالف السعودي الإماراتي كتحالف دولي بعد الخسائر المتراكمة للعام الثامن على التوالي، وشعور المجتمع الدولي بالسئم من التغطية عن الفشل المتواصل لهذا التحالف الذي تسبب في أسوأ أزمة إنسانية في العالم، إلى جانب تفكك الأدوات المحلية للتحالف وعجز الأخير عن إدارة التناقضات القائمة داخل أروقة فصائله.
الأهم من ذلك في هذا السياق، هو تصاعد القوة العسكرية لقوات صنعاء، وتنامي قدراتها الحربية بشكل كبير خلال الفترة الماضية، بعد ما رأيناه من عروض مهيبة واستعراض لصواريخ ومسيرات وتقنيات جديدة مذهلة أثبتت فعاليتها في حسم المعركة لصالحها، ناهيك عن ما تخفيه صنعاء من مفاجآت في هذا الإطار كما عودتنا دائما؛ ما يعني أننا سنكون أمام خيارات عسكرية مفتوحة لأي إستئناف للحرب، وهي خيارات ستختار صنعاء توقيتها ومكانها المناسبين بكل تأكيد.
تحذير قوات صنعاء في البيان المشترك الأخير لوزير الدفاع اللواء الركن محمد العاطفي ورئيس هيئة الأركان العامة اللواء الركن محمد الغماري، قوى التحالف من أن المعركة القادمة ستكون محرقة لهم في البر والبحر والجو في حال لم يلتقط التحالف الفرصة لجهود السلام المبذولة؛ يعكس تماماً مدى جهوزية صنعاء لأي معركة قادمة، وهو استعداد يوحي أيضاً بإمتلاكها خيارات مفتوحة على مسرح العمليات.. إذن، فنحن أمام معركة قادمة لا محالة في ظل هذا التعنت الفاضح لقوى التحالف، ولكن أي مسرح متوقع لهذه المعركة ؟!.
من خلال المستجدات والمتغيرات السياسية والعسكرية في المشهد اليمني، فإن الأرجح أن المعركة القادمة ستكون معركة بحرية، خصوصاً مع تصاعد التحركات العسكرية الأجنبية في المياة الإقليمية اليمنية والجزر والسواحل الحيوية للبلاد، في ظل مساعي القوى الغربية المساندة للتحالف وعلى رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وكيان الإحتلال، للحفاظ على مصالحها وأطماعها في المواقع الإستراتيجية اليمنية، وأبرزها مضيق باب المندب؛ بعد تأكيد خسارة التحالف في الداخل اليمني وإقتراب رحيله من البلد.
من الواضح، أن صنعاء قد استعدت جيداً لمثل هذه المعركة، وهذا ما بدا جلياً ليس فقط من خلال العمليات النوعية التي نفذتها خلال الفترة الماضية في عمق البحر الأحمر، وأبرزها الإستيلاء على سفينة شحن عسكرية إماراتية وحملها إلى سواحل الحديدة بما فيها من معدات عسكرية ضخمة، وكذلك العرض العسكري المهيب لقواتها في مدينة الحديدة الساحلية، وتحضيرها لأول مؤتمر للأمن البحري في البلاد، وإنما أيضاً لرسائلها البحرية الدقيقة والمتواصلة، وكشفها عن أسلحة بحرية متطورة، قادرة على قلب الطاولة رأساً على عقب، حسب خبراء عسكريين.
صنعاء اختارت أيضا الساحل الغربي، لتحتفل هذا العام بذكرى الإستقلال من المستعمر البريطاني، وتوجه رسائلها الإستراتيجية لقوى التحالف، وتجدد التأكيد على حماية الجمهورية اليمنية شمالاً وجنوباً، وأنها مثلما حققت معادلة تأميم الثروات السيادية النفطية، قادرة على فرض معادلات جديدة لتأميم البحر. طوال الفترة الماضية من عمر حرب التحالف على اليمن، أدارت صنعاء المواجهة البحرية بحنكة سياسية وعسكرية كبيرة أثبتت قدرتها على حماية مجالها البحري مع تأمينها لحركة الملاحة التجارية الدولية، وهو ما أصاب قوى التحالف بالجنون، ويدفعها مراراً وتكراراً للحديث عن مزاعم “تهديدات” لطرق الملاحة في البحر الأحمر، للتغطية عن تحركاتها.
ولكن صنعاء كانت حاسمة في هذا الأمر من خلال تحذيراتها المتواصلة لقوى التحالف، والتي كانت آخرها على لسان وزير دفاعها ورئيس هيئة الأركان في بيانهما المشترك، والذي أشار إلى أن ” أي محاولات لقوى التحالف تصوير الوضع في مياهنا الإقليمية والدولية بأنه غير آمن لإيجاد المبررات لاستدعاء قواتهم لاحتلال أرضنا وجزرنا وإيجاد موطئ قدم للكيان الصهيوني في جزرنا وسواحلنا، فإنهم واهمون”، مؤكداً أن “يمن اليوم ليس يمن الأمس فلدينا من القدرات والإمكانات ما نستطيع حماية حدودنا وثرواتنا ومياهنا الإقليمية”.
على أية حال، فإن كل المعطيات والمتغيرات السابقة، تؤكد أن صنعاء هي صاحبة الكلمة الفصل في أي معركة قادمة سواء بحرية أو جوية أو برية نظراً لكل الحقائق والوقائع المنظورة على الواقع، وعلى ذلك فإنها مؤهلة لحسم معركة البحر بعناية فائقة، وأشد فتكاً على قوى التحالف، كما أكد رئيس الإستخبارات العسكرية في صنعاء اللواء عبدالله الحاكم، في حين لن تكتب هذه المعركة نهاية حرب التحالف على اليمن وحسب، بل ستقطع اليد الصهيو_أمريكية من أهم المناطق الإستراتيجية في العالم.
حلمي الكمالي