شذرات المسك من مبادئ وقيم وآثار الشهداء ..
شذرات تفوح وتلوح في الآفاق تعلو كعلو النجوم في سماء ليلة مقمرة، مبادئ وقيم وآثار الشهداء، لا يحتويها الوصف والكلمات ويملأ معناها المفردات، بل يجسدها العهد والوفاء منا نحن أهل الثرى لأهل الثريا بأننا سارون على نهجهم ومقتدون بهم ما دمنا أحياء .
الاندفاع والإقبال على الله، لا يتقنه ويجيده ويعتاد عليه ويعرف به، إلا من هم في خط الهداية سائرين ومتولين لأعلام الهدى (عليهم السلام)، يستنشقون عبق الجنة من منهجية القرآن ويتسابقون للأعمال التي فيها لله رضى، لا يفرقون بين توجيه ولا يتساءلون عن الأسباب مسلمين تسليما مطلقا، يتوقون للقاء الله، ترافقهم الملائكة في أعمالهم وتحركاتهم، ينظرون إلى المستكبرين نظرة الأوهن، فيجرعونهم ويلات الخوف والذلة والعذاب، يقتدون بالحسين (عليه السلام) في الصبر والاستبسال والإقدام في مواجهة قوى الشرك والضلال، فيصطفيهم الله بعناية يقربهم إليه عندما تزكو نفوسهم وليس الاختيار والارتقاء بسهولة.
فالطريق إلى عالم الشهداء ليس بالأمر السهل فتعتبر أعلى مراتب الإيمان والتي تعتبر نتيجة للإيمان الصادق ويمنحها الله لخاصة أوليائه للذين اختبرهم في كافة مجالات الحياة (المادية والمعنوية والإيمانية والجهادية …الخ) من الاختبارات أو الابتلاءات فكانت النتيجة الحتمية هي الفوز والفلاح والنجاح فباعوا أنفسهم لله، فاشتراهم فكانت المكافآة أو النتيجة هي المرتبة العالية في الآخرة (الجنة) نعيما دائما مع الأنبياء والأولياء والصادقين.
وهم يتحركون في مطبات هذه الحياة تعترضهم الإمكانيات المادية بكافة أنواعها من الملذات، بيوت والبعض مزارع والبعض يمتلك ثروة كبيرة وقد تعرض له إمكانيات مادية ولكن الشهيد اختار أن يكون هو لبنة في ميدان الإسلام الشامخ، لم يأبهوا لأي أطماع مادية أو أطماع معنوية مكانة رفيعة أو مسؤول أو وجاهة أو كرسي (منصب) أو أي أهواء نفسية كان كرسيهم المترس وعطرهم البارود وأعينهم مفتحة نحو العدو يذيقون أعداء الله أشد أنواع العذاب والتنكيل في الدنيا، متوكلين على الله في كل أعمالهم وتحركاتهم وأنظارهم وآهاتهم وجروحهم، ملأ ما عند الله جدران قلوبهم واستحوذ رضا الله والدفاع عن حرم الله ورسالة الله عقولهم وفكرهم، فلم يأبهوا لأي عدو واجهوا عدو الله والمدد الإلهي إلى جوارهم فعرفوا الله وملائكته حق المعرفة، وعود الله وآياته ترافقهم في كل تحركاتهم وأعمالهم، تركوا كل شيء وراء ظهورهم منطلقين للذود عن حرم الله ومواجهة أعداء الله وأعداء الرسالات الإلهية.
فالشهداء ينطلقون من وعي بواقع هذه الحياة، وحقيقة هذه الحياة، وظروف هذه الحياة، ويرون أن حساب الشهادة حساباً ضمن حسابات الربح، وليس ضمن اعتبارات أو حسابات الخسارة، وأنه أداءٌ وتضحية واعية ورابحة وفائزة، نتيجتها الفوز العظيم، ومردودها الإيجابي في الحياة عظيم جدًّا في الدنيا نفسها، الشهداء بصمودهم وتضحياتهم يقدمون لمن خلفهم من أممهم، من أقوامهم، من شعوبهم، يساعدون على تعزيز الأمن والاستقرار والحماية والدفاع، ويدفعون عنهم الكثير من الشر، الكثير من الظلم، الكثير من الاضطهاد، من الاستعباد.
فكانت النتيجة هي العالم العجيب الذي أعده الله للمؤمنين الصادقين مع الله، يقول قائد الثورة سماحة سيدي عبد الملك بدر الدين الحوثي (يحفظه الله)، (عندما نأتي إلى القرآن الكريم، نجد التعبيرات القرآنية تعبيرات حكيمة وهادية، وتقدم لنا- كذلك- المدلول الصحيح والتعريف الصحيح، ومع إحاطة المسألة هذه بالتعظيم والتقديس والتبجيل الكبير، يقول الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى-: {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ}[البقرة من الآية154]، ويقول -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى-: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ}[آل عمران من الآية: 169-171].
الشهادة الحقة، الشهادة التي ارتبط بها الوعد الإلهي بالحياة الكريمة عند الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- والزلفى لديه، وأن يحظى الإنسان في تلك الحياة برعاية إلهية خاصة وعظيمة، حيث يحلُّ الشهيد ضيفاً في رعاية الله، في كرامة الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- محفوفاً بهذه العناية الإلهية، في ظل انتقالٍ إلى حياة حقيقية مؤكدة، أُكِدت في النصين القرآنيين، وإن كانت غير الحياة المألوفة في واقعنا، ولا نعرف التفاصيل الكثيرة عن هذه الحياة إلا بحدود ما قُدِّمَ في القرآن الكريم، أو أُثِر عن الرسول -صلوات الله عليه وعلى آله- هذه الحياة ينتقل الإنسان فيها إلى حالةٍ من الاطمئنان التام، والأمن، والاستقرار النفسي، والاستبشار بجنة الخلد التي هي ما بعد مرحلة القيامة والحساب، يعني: ليست الحالة انتقالا إلى جنة الخلد، ينتقل الشهيد إليها مثلاً، التي يمكن أو يفترض الانتقال إليها بالنسبة للمؤمنين والموعودين بها، ممن يرضى الله سعيهم في هذه الحياة، ويرضى عملهم، ويتقبل إيمانهم، والتي هي ما بعد قيام القيامة، هذه مسألة أخرى، الشهيد يحظى ما قبل ذلك بحياة لها شكلها الآخر في ظل رعاية إلهية مؤكدة عظيمة، في ظل ضيافة الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- مستبشراً وفرحاً برزق الله، {بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}، يتنعمون حقيقةً، الله أعلم عن تفاصيل هذا النعيم، عن تفاصيل هذه الحياة، عن كيفية هذه الحياة.
حملوا القرآن منهجاً، ومسلمين لأعلام الهدى (عليهم السلام) توجيهاً, اجتازوا الجبال والتلال مطهرين لتراب اليمن من دنس المرتزقة والمنافقين الذين باعوا اليمن بثمن بخس، يزهقون الباطل ويقيمون الحق، تنفسوا عبق الحرية، لا يخافون في الله لومة لائم، قدواتهم عظماء، وخطواتهم ببصيرة .
تجردوا عن كل أهواء وملذات وشهوات ورغبات وأطماع الدنيا، طالبين رضا الله، وتأييده وعونه، فهانت عليهم الدنيا، ونالوا من الله النعيم الدائم والمقام العظيم الذي لا يساوي لحظة واحدة في الدنيا، منذ الحظة الأولى لفراق الدنيا، أحياء عند الله يرزقون، هذا وعد من الله لمن استقام وقدم موقفا وتحركا موالياً لله ولرسوله وللإمام علي (عليه السلام ) ولأعلام آل البيت، ومعادياً لأعداء الله أعداء الإمام علي (عليه السلام)، فطوبى لمن سار سيرتهم واقتفى آثارهم وتجرد عن الدنيا وباع نفسه لله بثمن غال جداً يفوق كل تصورات العقول وتفكير أولي الألباب.
نسأل الله أن يختم أعمالنا بالشهادة في سبيله.