هل ستصدق السعودية هذه المرة في حلّ ملف الأسرى مع صنعاء؟
يمانيون– متابعات:
وقعت كل من صنعاء والرياض على القائمة النهائية للأسرى قبيل مغادرة وفديهما إلى بلديهما، بعد زيارات متبادلة استغرقت 4 أيام، تمكّنا خلالها من تصحيح بيانات الأسرى وحل الكثير من الإشكاليات بهذا الخصوص، على أمل إبرام صفقة تبادل شاملة على قاعدة الكل في مقابل الكل.
وفيما امتنع الطرف السعودي عن الإدلاء بأي تصريح عن نتائج الزيارة حتى كتابة هذا المقال، اعتبر رئيس اللجنة الوطنية لشؤون الأسرى في صنعاء عبد القادر المرتضى أنها أثمرت “نتائج إيجابية حلت جزءاً كبيراً من الإشكاليات المتعلقة بملف الأسرى وبالقوائم ما بيننا وبين الجانب السعودي”، مستدركاً بالقول إنَّ “هناك عوائق وإشكاليات قائمة مع أطراف المرتزقة اليمنيين.. وإن الجانب السعودي تعهّد العمل على حلها”. وبانتظار حل جميع الإشكالات، يبقى ملف الأسرى معلقاً بين مؤشرات التفاؤل ومخاوف الإخفاق مجدداً.
وحتى لا نبالغ في التشاؤم، سنتوقف عند ما حققته الزيارات المتبادلة بين صنعاء والرياض من مؤشرات إيجابية فيما يخص ملف الأسرى على النحو الآتي:
1 – الزيارة هي الأولى في نوعها. وقد مثلت مفاجأة وبارقة أمل في آن لحلحلة أعقد الملفات الإنسانية.
2 – أعطت جواً من الإيجابية بعيد انتهاء الهدنة وانسداد الأفق السياسي.
3 – أعادت ملف الأسرى إلى الواجهة بعد جمود استمر لسنوات منذ اتفاق السويد.
4 – حلت الكثير من الإشكاليات المتعلقة بملف الأسرى والقائمات والكشوف بين صنعاء والرياض.
5 – تعهدت الرياض، على لسان المتحدث العسكري باسم التحالف تركي المالكي، “الاستمرار في بذل كلِّ الجهود لعودة جميع أسرى الحرب من الطرفين وإنهاء هذا الملف”.
6 – فريق الرياض تعهد حل العوائق والإشكالات التي لا تزال قائمة بين صنعاء وأطراف المرتزقة في الساحل ومأرب والمحافظات الجنوبية فيما يخص ملف الأسرى.
لكن في المقابل هناك مخاوف من أن تكون الزيارات تكتيكاً سعودياً لإضفاء جو من الإيجابية في ظل فشل التمديد وتصلب المواقف حيال بقية الملفات الإنسانية (المرتبات والميناء ومطار صنعاء) من دون تقدم، كما أنه لا يمكن الوثوق بالتزام الرياض كل ما أطلقته من تعهدات لحلحلة الملف، سواء من جهتها أو من جهة المرتزقة الذين تعهدت إقناعهم أو بالأحرى إلزامهم بتجاوز الإشكاليات مع صنعاء بخصوص الملف، ما لم تقدم خطوات عملية ملموسة.
وثمة ما يبرر هذه المخاوف، إذ لم يتحدث التحالف في بيان إعلان الزيارة، لا من قريب ولا من بعيد، عما إذا كان المرتزقة طرفاً في الصفقة أم لا، كما أن التحالف في البيان نفسه قارب ملف الأسرى الإنساني من زاوية سياسية، واعتبر أن الزيارة جاءت كـ”مبادرة حسن نيات ضمن جهود بناء الثقة لتمديد الهدنة باليمن”، بخلاف مقاربة صنعاء التي أكدت أن الزيارة جاءت ترجمة “لآلية التحقق من الكشوف التي تم التوافق عليها في جولة عمّان الأخيرة”، ونفت علاقة الزيارات المتبادلة “بأي نقاش أو حوار سياسي آخر”. وبعيداً من ذلك، فقد انقسم الرأي العام اليمني بين مستاء من الخطوة ومتفائل بها.
الرأي العام بين مستاء ومتفائل
في المزاج العام، عبّر بعض اليمنيين عن استيائهم من السماح لوفد سعودي يمثل دولة معتدية بزيارة العاصمة صنعاء، وإن كانت تحت العنوان الإنساني، لكنها في المقابل أعطت بارقة أمل لدى غالبية أبناء الشعب اليمني، وقوبلت بكثير من التمنيات بأن تتكلل بالنجاح في حل ملف من أعقد ملفات الحرب.
وقد دفعت البعض إلى الذهاب بعيداً والإفراط في التفاؤل والاستنتاج بأن الوصول إلى ملف الأسرى يقدم مؤشراً إيجابياً على حسم بقية الملفات، أو على الأقل تجاوز بعض الملفات الخلافية نتيجة الوساطات والاتصالات المكثفة وغير المعلنة التي أعقبت انتهاء الهدنة، غير أن الأمور لا تؤخذ بهذه البساطة، إذ إن العبرة بالخواتيم، وعلينا أن ننتظر ما يثبت حسن نيات الطرف الآخر بالمبادرة عملياً إلى الإفراج عن كل الأسرى لدى كل الأطراف الداخلية والخارجية، وتجاوز العقدة التي كانت سبباً جوهرياً في تعثر هذا الملف، وهي غياب القرار الموحد لدى معسكر العدوان (الإمارات والسعودية ومرتزقتهم) والتصرف بلا مسؤولية مع أسرى قاتلوا في صفوفهم في جبهات الحدود، وهم بالآلاف، وتم التنكر لهم وإنكار أنهم أسرى حرب.
العدوان والمرتزقة: من يملك القرار؟
ما يستحقّ التوقف عنده هنا أن الرياض باتت تتفاوض مباشرة مع صنعاء، وهذا يمكن قراءته من ناحيتين: إما أن الجميع، ونقصد هنا الإمارات وكل فصائل المرتزقة، فوضوا السعودية باتخاذ القرار بالنيابة عنهم، باعتبارها “قائدة التحالف العربي”، كما يصفونها ويسبحون بحمدها ليلاً نهاراً، وإما أن جميع المرتزقة في الساحل ومأرب والمحافظات الجنوبية بلا قرار أصلاً، ولا تعيرهم الرياض وزناً وقيمة، وهي من تقرر عنهم!
هذا السؤال جوهري نظراً إلى تداعياته على الملف برمته، لأن صنعاء لن تقبل بالتبادل الجزئي، وهي تتمسك بمبدأ الكل في مقابل الكل، والنظام السعودي ملزم بإيجاد حل لهذه المشكلة حتى يجتاز اختبار صدق النيات بسلام ويقدم خطوة عملية لبناء الثقة، بما ينعكس على بقية الملفات إيجابياً، وإلا فإن تصريحاته تبقى خنفشارية لا معنى لها.
في الخلاصة، لا يمكن إصدار حكم مسبق فيما إذا كانت الصفقة ستتم أم لا، لكن هناك تفاؤل حذر، لكون الزيارات المتبادلة استبقت جلسة مجلس الأمن التحريضية على اليمن، وجاءت بعد زيارات مكوكية للممثل الأممي هانس غراندبرغ والمبعوث الأميركي تيم ليندر كينغ، بهدف تمديد الهدنة، وإن كان التراشق الأميركي السعودي على خلفية قرار “أوبك بلس” خفض صادرات النفط، فإن المؤمل هو أن تكون الرياض سيدة نفسها، وأن تقرر بعيداً من الإملاءات الأميركية، وتبذل كل الجهود لحلّ ملف الأسرى وبقية الملفات، وتخرج من ورطتها الاستراتيجية في اليمن، فهذا ما يخدم أمنها وأمن اليمن والمنطقة، إن كانت تملك الجرأة وتملك هامشاً من القرار خارج الملعب الأميركي.
أما صنعاء، فإنها تملك قرارها بنفسها، وكما هي جاهزة لاستئناف عملياتها في العمق الاستراتيجي لدول العدوان، فإنها جاهزة للسلام الحقيقي المشرف والعادل، وتبدي حرصها على حل ملف الأسرى كملف إنساني ملحّ. وقد قدمت في سبيل ذلك 10 مبادرات منذ العام 2019، وتقدمت إلى الأمم المتحدة في نيسان/أبريل بمبادرة الإفراج المتبادل عن 200 أسير من كل طرف في مطلع العام قبيل حلول عيد الفطر المبارك، كمقدمة لحلّ هذا الملف كلياً. وقد أفرجت عما يزيد على ألف أسير، من بينهم أطفال صغار، كبادرة حسن نية.
في المقابل، لم يتعاطَ تحالف العدوان بإيجابية مع كل قدمته صنعاء من مبادرات حسن نية، بل إن تحالف العدوان عمد إلى قصف أماكن تضم أسرى قاتلوا معها، وإحداثياتها موجودة لدى الأمم المتحدة. وبناء على هذا، لن نفرط في التفاؤل حتى تقدم الرياض على خطوة عملية تثبت حسن نياتها، وهي اليوم على المحك، فهل تصدق هذه المرة؟
المصدر: الميادين نت – علي ظافر