أطفال اليمن المصابون بالسرطان ضحايا جرعات ملوثة بتواطؤ مع تحالف العدوان والمهرّبين
يمانيون../
خمس سنوات أو أكثر والطفل إسماعيل الخولاني ابن الاثنتي عشرة سنة، مع 2000 طفل آخرين يتداوون في مركز وحدة اللوكيميا الخاصة بمستشفى الكويت ومركز الأورام في صنعاء، ويواصلون نضالهم بمؤازرة أسرهم في حربهم على المرض الخبيث، السرطان، قبل أن يتسلّل إليهم عدو من نوع آخر فتاك، اخترق أجسادهم الغضة متمثّلاً في حقنة دواء، فقتل بعضهم ونجا آخرون.
الطفل إسماعيل الخولاني، كان إحدى ضحايا الجرعة القاتلة تلك، بعد أن كان قد تماثل للشفاء، وينتظر جرعته الأخيرة ليبدأ حياته الطبيعية، لكن أعداء الحياة وتجار الموت جعلوها جرعة لموته.
يوم الفاجعة
يوم الخميس 13 أكتوبر/تشرين الأول الجاري أعلنت وزارة الصحة في بيانها الرسمي الصادر، وفاة 10 أطفال، وأن عشرين طفلاً آخرين يرقدون في العناية المركزة نتيجة حقنهم يومي 24 و25 من أيلول/سبتمبر الماضي بجرعة من دواء (ميثوتركسيت) المنتهي الصلاحية، في وحدة لوكيميا الأطفال بمستشفى الكويت في العاصمة اليمنية صنعاء.
وبحسب بيان الوزارة فإن العقار كان قد نفد من مخازن الوزارة، وطلبت الوزارة كميات منه، لكن حصل أن عُرقل وصول الكمية المطلوبة بسبب تعقيدات في دخول الدواء فرضها الحصار.
والد أحد الأطفال الضحايا الإعلامي عبد الفتاح حيدرة، قال: “إن الجرعة لم تكن متوافرة في مستشفى الكويت في ذلك اليوم، فاضطر إلى شراء جرعة الدواء مع بقية أولياء الأطفال المصابين، من إحدى الصيدليات المجاورة، ليتضح فيما بعد أنه دواء مهرب وتعرض للحرارة، ما أدى إلى تغيّر مكوّناته وتحوّلها إلى سم قاتل، وكانت ابنته إحدى ضحاياه”.
جرعة الموت
دواء (ميثوتركسيت Methotrexate) التابع للشركة الهندية سيلون لاب (celon lab) ليس له وكيل رسمي في اليمن، ومنذ سنوات، وهذا الدواء يُدخل بصورة غير قانونية عبر المهربين.
يقول استشاري طب الحالات الحرجة والعناية المركزة، الدكتور وهاج المقطري إن “عقار الميثوتريكسيت (Methotrexate) الملوث الذي تسبب بموت الأطفال في مستشفى الكويت أدخل تهريباً ولم يمرّ عبر الهيئة العليا للدواء لفحص سلامته”.
وأظهرت نتائج الفحوص أن العقار ملوّث بنوع من أنواع البكتيريا الخبيثة، والمحير أن تتلوّث الفيالات بهذه البكتيريا، ما يعني أن العقار لم يكن فاقداً لمفعوله وصلاحيته وحسب، بل كان ملوّثاً أيضاً ببكتيريا خبيثة.
وكشفت وحدة التقصي العلمي في المجلة الطبية معلومات جديدة تثبت أن الشركة الهندية سيلون لاب (celon lab) ) المصنعة لدواء (methotrexate) الذي تسبب بوفاة العشرات من الأطفال اليمنيين المصابين بالسرطان، كما ذكرت وسائل إعلام، بعد حقنهم، سبق أن تورّطت في إنتاج أدوية غير مطابقة للمواصفات، ما دفع بلد المنشأ إلى منع تداول واستخدام أصنافها في السوق الهندية.
وتوصلت وحدة التقصي العلمي (SIU) من خلال بحث وتواصل إلى أنه في عام 2017 اكتشفت تغييرات في لون الصنف (Dobutamine Injection) المستخدم في علاج الصدمة القلبية وفشل القلب الحاد، في ثلاثة مستشفيات مختلفة في ولاية ماديا براديش الهندية، ونتيجة لذلك وضعت الشركة في القائمة السوداء لعدم تحقيق الجودة.
ويثبت حيدرة بشهادة أن أربع تشغيلات جرى فحصها بعد أن أعطيت للمصابين، أن 4 أطفال لم يصابوا، لأن لدى أحد الآباء جرعة أحضرها معه من مصر، ولم يصب الأطفال الأربعة الذين حقنوا من الجرعة المصرية.
وبحسب تقرير لمنظمة الصحة العالمية، فإن ما نسبته 40% من الأدوية المهربة لا يحتوي على المادة الفعالة، إلى جانب أن هذه الأدوية غير مضمونة الصلاحية المكتوب عليها، إضافة إلى أن ظروف التخزين والنقل الخاطئة التي لا تراعي حساسية المواد بأنواعها المختلفة يمكن أن تؤثر سلباً في هذه الأدوية، وقد ينجم عنها تالياً إلحاق الأذى والضرر بالمرضى.
طريق الموت
يُعد مركز علاج لوكيميا الأطفال في صنعاء الوحيد في اليمن من حيث التخصص. وبغياب الدعم الحكومي يبقى المركز بحاجة ماسة إلى الإمدادات الطبية، إذ إن ما يتوافر لدى المركز حالياً لا يغطي سوى جزء قليل من احتياجات المرضى.
وبحسب الناطق الرسمي في وزارة الصّحة الدكتور أنيس الأصبحي فإن “مركز علاج اللوكيميا والأورام في صنعاء يعاني ضغطاً هائلاً يتخطى قدراته وإمكانياته لكونه المركز الوحيد المتخصّص في اليمن، وهناك ألفا طفل مصاب باللوكيميا، ويزداد العدد على نحو كبير، خصوصاً في المناطق التي استهدفتها دول العدوان بأسلحة محرمة”.
ويقول حيدرة: “إن دواء سرطان الدم (اللوكيما) يُدخل إلى اليمن عبر مسارين مختلفين، الأول عن طريق يوسف يعقوب أو بكري الصباري، وهما تاجرا أدوية ومهربان محترفان منذ النظام السابق، والمسار الثاني هو الصيدليات التي تتعامل بأدوية الأورام وتقوم بتهريبها عن طريق تجار الشنطة والمسافرين ما بين الدول”.
ويضيف أن تجار مافيا العقاقير يستغلون فرصة غياب صنف حيوي معين لتهريبه عبر المنافذ المختلفة واحتكار السوق لكونه غير متوافر.
من المسؤول؟
يفيد مواطنون من مصادر الحدث، بأن الصيدليات المتهمة بتهريب الدواء الملوّث هي صيدليات يوسف يعقوب العريقي وهي صيدليات (أمان)، وهي نفسها التي قصدتها فرق الفحص التابعة للهيئة الدوائية، جرى استغلال إدخال الدواء الملوث لأنه علاج وجرعة تعطى في وقت واحد، ومن هنا دخل العدو في مخططه الإجرامي.
واستناداً إلى تقرير وزارة الصحة فإن هذه التشغيلات الملوثة، دخلت صنعاء عبر المهرب من مطار عدن، بطريقة السرقة، أي بتسهيل دخولها بالسرقة، وذلك لمنع تسجيلها أو أخذ الحيطة والحذر منها، ونقلت إلى صنعاء من منطقة الراهدة تعز، وبتقصير وإهمال هيئة الأدوية بصنعاء قام المهرب بدس الدواء بين أدوية أخرى وطلب تصريحاً بإدخال الدواء، وقامت الهيئة بمنحه تصريح الدخول وإخراج الشحنة باسم يوسف يعقوب من نقطه الراهدة بتعز.
ويدعم حيدرة رواية وزارة الصحة التي وجّهت أصابع الاتهام إلى دول تحال فالعدوان، متهمة إياها بارتكاب هذه الجريمة عمداً، برواية تدلّل على أن العدو هو من قام بتلويث الدواء في مكان تصنيعه في الهند لاستهداف أطفال اليمن كلهم، حيث هناك تشغيلات من الدواء نفسه أرسلت بالسرقة أيضاً إلى حضرموت، وهنا طفلان مصابان في حضرموت.
حلول
وزير الصحة د. طه المتوكل وفي زيارته لمستشفى الكويت للاطلاع على حال الأطفال الضحايا، أكد أن الوزارة فور تلقيها بلاغ وحدة أورام الدم في مستشفى الكويت بأمانة العاصمة بحدوث مضاعفات بين عدد من حالات سرطان الدم “اللوكيميا”، قدمت الرعاية الطبيّة اللازمة والشاملة، وشكّلت فريقاً للتحقق والاستجابة من الجهات المعنيّة، وفي مقدّمها رئيس وأعضاء المجلس الطبي، ومختصون من وزارة الصحّة، والهيئة العليا للأدوية، والمركز الوطني لعلاج الأورام، واستشاريون ذوو اختصاص بالأورام وطب الأطفال.
وقامت وزارة الصحة، وبتوجيه من النائب العام، بإحالة ملف القضية والتقرير النهائي إلى النيابة العامّة، لاستكمال التحقيق، واتّخاذ الإجراءات القانونيّة الرادعة.