تقرير _ وديع العبسي :
عززت الأمم المتحدة خلال اليومين الماضيين من تصدير نفسها كمتعاطفة مع القضايا الإنسانية وذات العلاقة المباشرة بحياة سكان العالم من الفئات الفقيرة.
فأطلقت رسائلها المعبرة عن هذه الحالة الادعائية التي تتلبسها، مع مناشدات بتعزيز العمل الجماعي خدمة للبشرية وإنقاذ حياة الملايين من الجوع والفقر.
يوم أمس استنهضت الأمم المتحدة الهمم بمناسبة (اليوم العالمي للقضاء على الفقر)، وأسهبت في رسالتها للعالم عن الحديث عن الكرامة الإنسانية المضمونة مع التخلص من الفقر، وأوجزت مضمون مساقات العمل خلال المرحلة القادمة في الشعار الذي حددته للاحتفاء بالمناسبة وهو «الكرامة للجميع»، وهو التوجه الذي حددته العام الماضي للعمل عليه خلال (2022 – 2023).
قالت الأمم المتحدة الأخرى: إن كرامة الإنسان ليست حقًا أصيلا وحسب، بل هي الأساس لكافة الحقوق الأساسية الأخرى. ولذا، فإن الكرامة ليست مفهوماً مجرداً: فهي حق إنساني لكل فرد على هذه البسيطة. واليوم، يعاني عديد من الذين يعايشون الفقر المزمن من الحرمان من كرامتهم وغياب احترامها.
وقالت تحت شعار «الكرامة للجميع» الأمم المتحدة تحيي اليوم الدولي للقضاء على الفقر»، وزادت الأمم المتحدة من حماستها بقولها: «لنجعل الفقر مجرد ذكرى في صفحات التاريخ.»
تعترف الأمم المتحدة بهذا الربط بين الكرامة والفقر بان الأخير سبب أساسي التي يمكن ان يتسبب في فقدان الكرامة، مع ذلك فان التفاتتها إلى المأساة اليمنية حيث تتزايد نسبة الفقر بسبب العدوان والحصار، بعيدة في منظورها عن هذا المفهوم.
وامس الأول، أيضا أعادت الأمم المتحدة للذهنية الدولية جوهر نشاطها، بالدفع نحو ضمان الغذاء للعالم، بمناسبة (يوم الأغذية العالمي).
وقالت «المتحدة» بالمناسبة: كلّنا مترابطون! من أغذيتنا إلى ثقافاتنا، ومن بيئاتنا إلى اقتصاداتنا …وغالبًا ما يؤدّي تغير المناخ والصراعات وانعدام المساواة إلى ترك مجموعات خلف الركب.
وأضافت في صيغة تعجبية استنكارية وليس استفهامية: هل تعلم أن ثلث الطعام يفقد أو يهدر قبل أن يصل إلى المستهلكين.
وقال أمينها «المفدى»: نحتفل به في لحظة عصيبة من منظور الأمن الغذائي العالمي «علينا أن نعمل معا للانتقال من ضيق اليأس إلى رحابة الأمل والعمل، وإنني أدعوكم لأن تكونوا عنصرا فاعلا في عملية التغيير».
تقول الأمم المتحدة وتصيغ العبارات «الرنانة»، فيما يناقض شعاراتها ممارستها السلبية في اليمني حيث تقود الملايين إلى حافة الفقر بفعل تقديم نفسها كوسيط محايد في قضية هي تعلم أنها إنسانية ومن حق اليمنيين، لا تأخذ من احد، ولا تنتقص من شأن احد.
تتعامى الأمم المتحدة بصورة مكشوفة عن فقرها -هي- للفعل الاستراتيجي الذي يحقق لشعوب العالم، العائدات المستدامة والاستقرار في مصادر العيش، تماما كما هو الحال في اليمن حيث يعيش الملايين في واقع مرير منذ ثمان سنوات جعلها تخرج ذات يوم مبكر من العدوان والحصار لتصرح بان اليمنيين يعيشون أسوأ كارثة إنسانية في العصر.
ومع هذا الحال الذي تؤطر من خلاله الأمم المتحدة حضورها السلبي المشوّه، تبرز أمريكا كبديل مؤثر في خلق الصراعات وإدارة مجرياتها، وامتهان الشعوب ومصادرة حقوقها.
ويبقى واقع ما يعيشه الشعب اليمني منذ ثمانية أعوام بسبب العدوان والحصار، شاهدا على كل هذا الانفصام في الشخصية للهيئات الدولية كما هي لأمريكا، البديل غير السوي وغير الأخلاقي في تعاملها مع دول العالم.
اليوم لم يعد بمقدور أحد أن يزايد أو يكابر أو يجادل في حقيقة أن أمريكا هي من تقف أمام صرف المرتبات وتمنع حصول اليمنيين على عائدات ثروتهم النفطية والغازية بل وتلعب دور المظلة الحامية لأعمال نهب وتهريب المواد النفطية اليمنية ضمن خطة محاصّة ومكافآت كمان كما يبدو لدول الصمت والدول المتماهية والمتواطئة في عملية تجويع الشعب اليمني، والذي من دلالاته هذا الصمت المطبق لحكومات هذه الدول إلا من بعض بيانات الدعوات لحل المشكلة.
أمريكا هي مربط الفرس في العدوان على اليمن وحصار شعبه، فهي صاحبة النفوذ الأقوى حتى على الهيئات الدولية التي يفترض بها أن تكون هيئات إنصاف كالأمم المتحدة ومجلس الأمن، إذ ارتبطت مصالحها بالخليج وثروة الخليج والذي حسب الدراسات الاستكشافية لا تبتعد عن عمليات النهب من المخزون الجوفي اليمني من هذه الثروات ولذلك فإنها لا تجد في اليمن عاملاً مساعداً على تمكينها من الحصول على حصتها بفعل البلطجة من هذه الثروات، فلا زالت أمريكا كما بدأت في أول تكوينها وقصة نشأتها، تعيش على حرمان الشعوب المستضعفة من خيرات، فتذهب إلى إشاعة التوترات في هذه المناطق فلما تسوق نفسها كراعية سلام لحل مشاكل هذه الشعوب وفي ابسط الحالات تنصب نفسها كحامية على مكامن الثروات بحجة الحفاظ عليها من الدخول في الصراعات، وهو ما قد يتم، إنما لضمان استمرار تدفقها لخزائنها هي وأتباعها من دول المحاصّة.
في المشكلة اليمنية تدرك أمريكا أن عمليات النهب لابد أن تستمر فإن لم يكن لها فعلى الأقل يوفر عليها عناء الصرف للدول المشاركة في عمليات الضغط والحصار والتواطؤ في العدوان على اليمن.
الاستعمار الأمريكي لا ينتهي وتبقى الدول «التوابع» خير داعم في هذه العمليات، فضلا عن كونهم جميعا يعلمون أن اليمن خاصة بقوته الناشئة بات يشكل تهديدا حقيقيا لكل تلك المؤتمرات والمخططات الرامية لنهبه والنيل من سيادته.
في آخر تحديث لجلسات مجلس الأمن الدولي، ارتبكت القيم الإنسانية التي تحملها واجهات الدول التي تسمي نفسها بالكبرى بفعل تلك الأطروحات الكاذبة حد الوقاحة وهي تقول بأشياء غير موضوعية ولا منطقية في محاولة لتحميل صنعاء مسؤولية عرقلة تمديد الهدنة.
وليس الأمر بحاجة إلى نباهة أو فطانة لندرك أننا بتنا في محل استهداف دول اعتادت على المتاجرة بدماء الشعوب ومعيشتهم، ففيما لم يأت من المجلس السياسي الأعلى وحكومة الإنقاذ أي إضافة إلى ما كانت طرحته منذ الاتفاق على الهدنة في نسختها، ظهر من جعلهم تحالف العدوان واجهة الفعل الدفاعي وواجهة المراوغة في موقف لا يحسدون وهم يروجون لتلك المطالب على أنها تعكس حالة من التعنت، وإنما الحقيقة هي في تعنت العدوان والأمم المتحدة ومجلس الأمن والاتحاد الأوروبي في الاعتراف بحق الشعب اليمني أن يحصل على حقوقه من ثروته، ودفاعهم عن استمرار حالة التجويع لليمنيين، وفعل النهب لثروتهم النفطية والغازية.
في جلسة مجلس الأمن ظهر جليا أننا أمام مجتمع دولي غير أخلاقي، يكيف شعاراته الإنسانية لاستثمار تجاري يتوافق مع مصالحه، فيكابر ويراوغ في ثوابت ليست بحاجة لتفسير، هم ببساطة يريدون من اليمنيين هدنة، ويريدون منهم أن يوافقوا على تمرير الهدنة مقابل ما تحدده لهم هذه الدول من امتيازات في المعيشة دون حتى أي ضمانات في تنفيذ ما يقترحونه هم.
العُريّ الذي ظهرت عليه دول مثل أمريكا وبريطانيا فضح نواياهم وزيفهم وخداعهم، خصوصا وأنهم لم يتمكنوا من إعطاء مبررات منطقية لمنع صرف المرتبات، ومصادرة حق الموظف اليمني في رتبه، بل وإعطاء هذه الدول لنفسها الحق في الحديث والتفاوض بالنيابة عمن تقول عنهم «شرعية»، والتدخل في أمور هي شأن داخلي.
وفق هذه المعطيات، يتضح أن أمريكا تدفع نحو عودة قذائف الموت وصوت الانفجارات وعويل الأطفال والنساء والتضييق على معيشة المواطن، ففي هذا كما يبدو، مصلحة أمريكية ملحة.