المسلمون.. وأحداث 11سبتمبر
|أحمد يحيى الديلمي
بالأمس القريب أحيت أمريكا ما تعتبرها ذكرى أليمة ، وهي كذلك في نظرنا من الناحية الإنسانية ، لكنها تظل خاضعة للكثير من علامات الاستفهام ، إن كانت أمريكا الجريحة التي أظهر جرحها في تلك الفترة بوش الابن هي التي دبرت العملية وجعلتها مدخلا لتحقيق الكثير من الرغبات الخبيثة ، وهي عادة معروفة عن أمريكا فلقد ضحت بأكثر من 20 ألف جندي في خليج الخنازير لكي تتخلص من عار الهزيمة أمام كوبا، وقد تحققت بعض المكاسب مثل احتلال أفغانستان والعراق وإخضاع الكثير من الدول العربية للإرادة الأمريكية المباشرة بعد التأثير على الإرادة الذاتية الخاصة لكل دولة من الدول وإلحاقها بقرار البيت الأبيض شاءت أم أبت.
وهكذا حولت المسرح العربي والإسلامي إلى ميادين للمبارزة والصراع البيني لتستفيد هي من تحقيق ما تطمح إليه ، بعد الأحداث مباشرة ظهر بوش الابن كالثعلب الجريح يتغطرس وقال بأن الحرب الصليبية باتت على الأبواب ، لكن من جاء بعده ظل على نفس المنوال وإن كان قد حسَّن التوجه بعبارات أخف لتصبح هي المدخل للسيطرة على القرار العربي والإسلامي بل واحتواء الأموال العربية بالإكراه نزولاً عند توصية جيمس كلهان وزير الخارجية البريطانية الأسبق، فلقد قال عقب انتصار أكتوبر 1973م أن أوروبا وأمريكا معرضتان للمخاطر الكبيرة إن هي سكتت على الطفرة الكبيرة في سوق النفط، مشيراً إلى أنها ستحول قادة منطقة الخليج بالذات إلى أسود فعلية يتنمرون على القرار الأوروبي والأمريكي ، مطالباً هذه الدول اتخاذ الحيطة والحذر والعمل على إلحاق الدول العربية والخليجية بالذات بصيغة الرغبة الأوروبية والأمريكية.
وهذا ما حدث بالفعل، فلقد تحولت دول الخليج إلى مجرد أدوات تستخدمها أمريكيا متى شاءت لاستهداف أي دولة عربية شقيقة كما حدث في العراق وسوريا وليبيا ويحدث الآن في اليمن ، وها هو المشهد ما يزال ماثلاً والسعودية تنفق مئات المليارات من الدولارات في سبيل الخلاص من محور المقاومة بعد أن أوجدت بريطانيا الكيانات الهزيلة بعد أن غادرت الأرض العربية ، لتثبت أن تلابيب القرار لا زال بيدها تتحكم فيها كيفما شاءت، وهذه هي النكبة الكبرى لأن العرب ومن لف لفيفهم من دول الخليج خضعوا وخنعوا لهذه الإرادة بعد أن تم اتهام الإسلام برعاية الإرهاب واعتباره مصدرا فكريا لتغذية عقول الجماعات الإرهابية ، فهذه بريطانيا هي التي دعمت نظام آل سعود وجعلت الوهابية وسيلة ليتحكم هذا النظام في مصير أكبر مساحة جغرافية من الجزيرة العربية ، وهي التي أنشأت ورعت حركة الإخوان المسلمين حتى ظهرت للوجود وأصبحت مصدر الفزع والخوف للدول العربية والإسلامية ، وهي للآن من تضع الخرائط والمخططات للأمريكان التي تمكنهم من السيطرة على ما يُسمى بدول الشرق الأوسط.
وهذه التسمية من حيث الأساس كانت إحدى أدوات تغيير الخارطة السياسية بدلاً من الوطن العربي الواحد والدول الإسلامية المتقاربة تمهيداً لإدخال دولة الكيان الصهيوني في الخارطة واعتبارها أساس التأثير في هذه المنطقة ، وهي على مشارف تحقيق هذه الرغبة بعد أن سارعت الكثير من الدول العربية إلى التطبيع مع دولة هذا الكيان بفعل الضغط الأمريكي الكبير الذي حرف بوصلة الصراع من تل أبيب إلى طهران وأصبحت طهران هي العدو التاريخي بحسب الخطاب الأمريكي والبريطاني ، وتسليم الدول العربية بالذات الخليجية بهذه الفكرة وهي الآن لا تزال تمارس كل أعمال الضغط والحرب النفسية والإعلامية ضد دولة إيران من أجل ضمان الحماية والنجاة من شرورها تبعاً للفكرة التي ترسخت في أذهان قادة هذه الدول فكلهم استسلموا للفكرة وباتوا في سباق محموم على التقارب مع دولة الكيان الصهيوني والرغبة في الظفر بحمايتها من المد الإيراني ، طبعاً إذا أردنا أن نفند هذه العملية بتفاصيلها الكاملة سيطول الموضوع ولن تحتويه هذه المساحة لكني أعتبرها مجرد مؤشرات سيتم توضيحها أكثر في مناسبة قادمة إن شاء الله ، وأختم هذا الكلام بتحذير أمريكا من أن السيادة لا تدوم والغطرسة لا تؤدي إلى دوام الحال بل تعجِّل بزواله وهذه مجرد نصيحة ، والله من وراء القصد ..