ثورة قُدَّت من روح الشعب
عبد الكريم الوشلي
من أهم المحدِّدات الأساسية لثورة21سبتمبر.. أنها ثورة «الشعب» اليمني، بكل ما يتصل به من سمات الإباء والحرية والكرامة والعراقة.. وكل ما يكتنز في روحه وثقافته وجوهره الحضاري من ثراء قيمي وأخلاقي وإيماني عالٍ وفريد، وليست ثورةَ «نخبة»ٍ حزبية أو عسكرية منقلبة على وضع سياسي معين.. كما هو حال معظم «الثورات» التي سبقتها..
ولذلك كانت مستوعبة لكل ما في تطلعات الشعب اليمني من اتساع وعمق، وكل ما انطوى عليه حلم اليمنيين الذين عانوا الكثير الجم تحت رحى الأوضاع المفرطة القساوة.. حلمُهم المشروع في الحرية واستعادة القرار المستلب والخروج من شرنقة التبعية لقوى الهيمنة الدولية والإقليمية، والانعتاق من طاحونة الفساد والاستبداد والاستئثار بمقدراتهم وخيراتهم المنهوبة.. وكانت، كذلك، تصويبا وتصحيحا لمسار ما سبقها من حركات وانقلابات و”ثورات”..
شكل البعد التحرري العقائدي القرآني لثورة الـ21من سبتمبر، وارتكازُها على عناصر موضوعية أساسية تؤمِّن لها رافعة النجاح في الوصول إلى الأهداف الكبرى في التحرر والاستقلال والنهوض الحقيقي بالشعب والوطن، ومن بين تلك العناصر والمقومات الالتفاف الشعبي منقطع النظير، والقيادةُ القرآنية الشجاعة والنزيهة والمقتدرة.. شكل هذا البعد الجوهري رعبا حقيقيا لقوى الاستغلال والظلم والهيمنة والعدوان العالمية، وعلى رأسها أمريكا وبريطانيا والكيان الصهيوني.. حيث لم تتباطأ في شن عدوانها البربري المستمر منذ أكثر من سبع سنوات، مستعينة بأدواتها في الإقليم، وفي صدارتهم نظاما بني سعود وأولاد زايد، وبذا توفر لهذا العدوان الغاشم والحصار الإجرامي الموازي له غطاءٌ تنفيذي وتمويلي ظن المعتدون أنه كفيل بتحقيق أهدافهم الشيطانية في ثني الشعب اليمني وقيادته المؤمنة عن المسار الثوري التحرري الناهض والفتي، فكانت النتيجةُ الخيبةَ والخسران لعدوانهم وحصارهم، والسقوطَ المدوي لرهانهم الأسود في إعادة اليمن إلى ظلمات هيمنتهم ووصايتهم بعد تمزيقه وتفتيته تحت يافطاتهم وعناوينهم المضلِّلة كـ”الأقلمة” و”الفدرلة” و”الدولة الإتحادية” وغيرِها من التعريفات وخطاطيف الوعي المموَّهة الماكرة..!
لقد مثلت هذه الثورة العظيمة المباركة، بأهدافها وأبعادها الاستراتيجية، ضربةً قاصمة لمشاريع التجزئة والتمزيق الأمريكية الغربية الصهيونية الخطيرة في المنطقة.. وبوابةَ عبورٍ واسعةً لتطلعات الشعب اليمني وشعوب منطقتنا المظلومة.. نحو مستقبل الخلاص من براثن المعاناة الطويلة بين مخالب الأعداء وذئابهم الخادمة لهم في الداخل الإقليمي والدواخل القُطرية والمحلية..
ومن الإنصاف، لدى رصد حوامل اليقين والثقة في وصول بدر التمام الثوري هذا إلى دائرة اكتماله، الإشارةُ إلى بعضٍ مُهمٍّ من فواعل عنفوانه واشتداد عوده وجِدّية وعده الميمون لشعبنا وشعوب أمتنا..
لاسيما الاحتشاد الشعبي الجماهيري حول موكبه الزاحف نحو مأمول الجميع ومستقر حُلمهم وتطلعهم.. ويبدو دور القبائل اليمنية واضحا ومحوريا في هذا الأفق.. إذ شكل هذا الدور رافدا أساسيا لطاقة الفعل الثوري منذ طوره الجنيني، مرورا بشتى مراحل المخاض والولادة واشتداد العود والمراس والاقتدار، المتواليةِ صعودا حتى اليوم..
وها نحن نرى اليوم ما يشرح صدر كل يمني حر وكلِّ أحرار الأمة والعالم.. من ثمار هذه الثورة المجيدة المباركة، ومحاصيلِها اليانعة في الوعي والضمير والميدان.. ونرمق بملء العين عظمة الانتصارات التي قهرت الأعداء وأوصدت الطريق أمام مختلف أشكال عدوانهم الظلامي الحاقد.. وليس ما شاهدناه مؤخرا وخلال الهدنة المؤقتة من عروض عسكرية مهيبة، وتجليات للروح اليمنية المجاهدة والصامدة والمثابرة.. إلا الشيءَ اليسير من عوائد الجهاد والصبر والإصرار على مجابهة التحديات والأخطار مهما كانت جسامتها، والسيرِ على هذا الدرب النيِّر المبارك تحت راية ثورة الواحد والعشرين من سبتمبر ومسيرتها التحررية النهضوية القرآنية المباركة..