العدوان .. يحاول عبثاً أن يوقف عجلة الحياة في بلادنا بما فيها قطاع التعليم
تحقيق – أسماء حيدر البزاز
في البدء كانت الطالبة إيمان الأصبحي من مدرسة النهضة، تخاف من العودة إلى مدرستها بعد تواتر أخبار قصف المدارس من قبل العدوان.. لكن مع مرور الوقت تحول الخوف إلى عزيمة وإصرار على الالتحاق بالمدرسة .
تقول إيمان التي تبدو نحيفة وذات عيون خضراء: مع طول فترة العدوان أكسبنا الله مناعة التحدي والصمود لأننا مظلمون, وسننتصر حتماً.
وإيمان لا تنكر إصابة زميلاتها بصدمات عصبية نتيجة القصف العشوائي للطائرات في بادئ الأمر ووصول الخطر إلى منازلهن أحياناً .. لكنها اليوم تقول: المعنويات مرتفعة لديهن ويذهبن إلى المدرسة.
عزة العلم
الطالب محمد الصلوي، من مدرسة الشهيد الكبسي، يقاطع حديثنا في السياق مع زملائه بجرأة ويقول: الدراسة بالنسبة لنا نكون أو لا نكون ..
ويشير بسبابته إلى اتجاه تبة التلفزيون القريبة من المدرسة وهو يقول: اليوم ونحن ذاهبون إلى المدرسة الطائرات تقصف بشكل عنيف تبة التلفزيون إلا أننا لم نعد نخافها.
وتابع وهو يضحك: الطائرات أصبحت لدى غالبية الطلبة باباً للنكت والسخرية، بل يسارع البعض إلى التقاط صور القصف بتلفوناتهم المحمولة غير مكترثين.
غارات وعزائم
ومن جوار موقع تستهدفه طائرات العدوان بشكل شبه يومي وهو قاعدة الديلمي الجوية يؤكد الطالب محمد محمد عبده من مدرسة مشاعل الحرية أن مدرستهم تعرضت لأضرار مختلفة بسبب قربها من مكان القصف غير أن العملية التعليمية لم تتوقف فيها ولم نتغيب أبداً عن المدرسة ولم نعد نفزع أو نخاف من أي غارة.
يعي محمد رغم صغر سنه أن استمراره في العملية التعليمية رسالة لأقرانه في كل محافظات الجمهورية لأن العدوان يهدف إلى تدمير حاضر ومستقبل أجيال اليمن باستهدافه للمدراس.
حلقة نجاح
الطبة والمعلمون جميعهم شكلوا حلقة تكامل وصموداً وإرادة واحدة لإنجاح العملية التعليمية في اليمن، رغم كل التحديات والظروف القاهرة، وهذا ما تشير إليه التربوية إيمان ياسين، مشرفة بالمدرسة الماليزية وتختزله بالقول: الطلبة مواضبون والمدرسون حاضرون وكل شيء على ما يرام..
الدعم النفسي
وعلى الصعيد الموازي يبقى الدعم النفسي للطلبة أمراً في غاية الأهمية, وهنا تقول التربوية أمل حيدر من مدارس الرشيد: في هذه المرحلة بالذات كثفنا من الأنشطة والبرامج الخاصة بالدعم النفسي وهو البرنامج الذي زوّدتنا به وزارة التربية والتعليم وعمّمته على مختلف مدارس محافظات الجمهورية في تقديم الدعم النفسي للطلبة ورصد الحالات المرضية في الجانب النفسي ومناقشتها مع ذوي الاختصاص سواء من الناحية الاجتماعية أو النفسية وتشخيص الحالات.
وتستطرد: وجدنا بعض الطلاب قد تأثروا نفسياً من هذه الحرب ولاحظنا على بعضهم علامات التأثر ومن أبرزها الاكتئاب أو التبول اللاإرادي أو العزلة والانطواء والتغيب أو التراجع الدراسي، ولهذا نجلس مع الحالة ونخرجها من دائرة القلق والتوتر من خلال برامج نفسية متخصصة, وقد لمسنا نجاحاً كبيراً في هذا الجانب والحمد لله.
رسائل عظيمة
من جانبه يصف خالد الجمرة، أمين عام نقابة التربويين بأمانة العاصمة، حال العملية التعليمية وسيرها في مختلف مدارس أمانة العاصمة بالممتازة, سواء التزام الطلبة والحضور بكثافة، وكذا التزام المدرسين بالحضور وقال: نحن لا نعلم أبناءنا الطلاب قضية الثبات والصمود بل هم من يعلموننا ذلك من خلال إذاعاتهم المدرسية واحتفالاتهم التعليمية وكلها رسائل عظيمة تعبر عن مدى الوعي والثقة والقوة والتفاعل التي وصل إليها طلابنا الذين يثبتون كل يوم وطنيتهم وعزتهم بحضورهم إلى محافل التعليم رغم غارات الطائرات التي تمر من فوق رؤوسهم.
المجهود الحربي
وعن نماذج الصمود والتحدي وبلورة ذلك من خلال الطلبة يشيرالتربوي أحمد الفقيه، مدير مدرسة عمرو بن العاص، إلى ما يعتمل في مدرسته يومياً يقول: كل يوم في إذاعاتنا المدرسية يقدم أبناؤنا الطلبة كوكتيلاً وطنياً من دروس الصمود والقوة دون توجيه منا, متحدثين عن العدوان وجرائمه بحق هذا الشعب اليمني الأعزل وما سببه من قتل وتشريد للأبرياء واستهداف مختلف المنشآت التعليمية وكل مقدرات البلاد .. لافتاً إلى أن المدرسة تعد دورياً رياضياً عائده لصالح المجهود الحربي للجيش واللجان الشعبية. 118 مدرسة
وحسب تقرير لوزارة التربية والتعليم عن الأضرار التي لحقت بقطاع التعليم جراء العدوان السعودي الأمريكي الغاشم فإن أكثر من 118 مدرسة ومنشأة تعليمية موزعة على 11 محافظة تعرضت لأضرار بسبب العدوان.
كما تشير تقارير في الاتجاه ذاته إلى تضرر قطاع المناهج والتوجيه (الكنترول) في المبنى الأول والثاني الذي يتكون منهما، حيث يتكون المبنى الأول من خمسة طوابق فيما يتكون المبنى الثاني من 3 طوابق بالإضافة إلى تضرر 108 مدارس ومجتمعات تربوية وسبع منشآت تعليمية منها ثلاثة مكاتب تربية وتعليم بمحافظات (تعز، وعمران، وصعدة) وثلاثة معاهد تربوية ومعهدين عالي بمحافظة إب ومعهد تربوي بعمران ومركز محو أمية بصعدة. تعاطٍ مسئول
فيما أكد القائم باعمال وزير التربية والتعليم الدكتور عبدالله الحامدي أن التقارير تعكس نسبة بسيطة مما هو موجود على أرض الواقع نتيجة استمرار العدوان.
وقال: هذه التقارير لا تعكس حجم الأضرار التي تعرضت لها مدارسنا ومنشآتنا التعليمية بشكل دقيق, حيث وأنا على يقين أن العدد أكبر بكثير مما تم رصده..
وأرجع ذلك إلى عدم مقدرة الفرق الميدانية المركزية أو المحلية الوصول للمناطق الساخنة بسبب استمرار القصف الجوي فضلاً عن صعوبة الانتقال نظراً لانعدام المشتقات النفطية وشحة الموارد المالية نتيجة للحصار المفروض على بلادنا .
وأشار الدكتور الحامدي إلى تأثر العملية التعليمية بالعدوان السعودي .. مبيناً أن الدراسة توقفت في عدد من المحافظات خوفاً على سلامة الطلاب نتيجة تواصل قصف طيران العدوان السعودي وحرصاً من لوزارة على تجنب أي كارثة قد تلحق بحياة المئات من طلاب المدارس.
وأضاف: أكبر دليل على ذلك هو الدمار الذي لحق بالعديد من المدارس بأمانة العاصمة جراء استهداف الأحياء السكنية والمدارس التي نحمد الله عز وجل أننا علقنا الدراسة فيها وإلا لكانت هناك مجازر بالمئات في أوساط أبنائنا الطلاب.
واستنكر وزير التربية والتعليم استهداف العدوان للمنشآت التعليمية .. متسائلاً: ما الذي اقترفته مدارسنا ليتم استهدافها؟ هل لكونها أدوات بناء أجيال المستقبل التي نعلق عليها الآمال في تحقيق الغد الأفضل والرقي والتطور الذي ينشده كل أبناء وطننا الحبيب؟
ولفت الحامدي إلى أن العدوان لم يكتف بضرب مقدرات شعبنا وبنيته التحتية بل أصر إلا أن يستهدف مصادر الاشعاع التي ستنير طريق أجيال المستقبل وتسلحهم بالعلم والمعرفة للولولج بكل اقتدار إلى عصر المعلومة والتكنولوجيا, داعياً إلى وقف استهداف المنشآت التعليمية. الآثار السلبية
فيما اعتبر وكيل الوزارة لقطاع المشاريع والتجهيزات عبدالكريم الجنداري هذه الاحصائيات حصيلة مهمة استطاعت الوزارة التوصل إليها في ظل الظروف الراهنة التي تعيشها البلاد نتيجة استمرار العدوان الغاشم.
ويرى الوكيل الجنداري أن تحسن الاوضاع ووقف العدوان شرط مهم للوقوف على حجم الأضرار التي لحقت بالمدارس والمنشآت التعليمية من خلال نزول الفرق الميدانية المختصة من مهندسين وفنيين لرصدها وتقديرها في مختلف المناطق والمحافظات المستهدفة.
منوهاً بالآثار السلبية التي سترافق الطلاب لفترة طويلة ومنها عدم استكمالهم للمنهج الدراسي وانعكاسات ذلك على تحصيلهم العلمي, الأمر الذي سيحتم اعتماد برامج كبيرة ونوعية لمعالجتها.
ولا ينسى الجنداري الإشارة إلى الآثار النفسية التي ترتبت على قصف الأحياء السكنية والمدارس والمشاهد المروعة التي رصدها العديد من طلابنا من حالات قتل وتفحم للجثث نتيجة لضرب البيئة المحيطة بهم وهو ما يتناقض مع جهود الوزارة في غرس قيم المحبة والتسامح والإخاء والقبول بالآخر ونبذ العنف والتعصب الأمر الذي سيخلق حالة من الانفصام بين ما يتعلمه الطلاب وما يشاهدونه على أرض الواقع. الأضرار على المدى الطويل
موضحاً الأضرار بعيدة المدى والمتمثلة في إخراج نسبة لا يستهان بها من المدارس عن الجاهزية ما سيقلل نسبة الاستيعاب والالتحاق في أوساط الطلاب وانعكاسات ذلك على أي برامج قادمة نظراً للتركيز على إعادة إعمار وترميم الخراب الذي تسببه العدوان الأمر الذي سيخل بالخطط والبرامج التي أعدت لرفع نسبة الالتحاق والاستيعاب وتقليص الفجوة بين النوعين أو بين الريف والحضر.
وزاد بالقول مختتماً: إضافة إلى انعكاسات تردي الوضع الاقتصادي الذي سيزيد الأمر سوءاً حيث أن التعليم لن يصبح أولوية لدى غالبية الأسر في ضوء تدني حالتها المعيشية.