البنود الخمسة.. مبادرة أمريكية لحماية حليفتها السعودية !
( الولايات المتحدة الأمريكية تتمتع بعلاقات ودية وثيقة مع الحكومة السعودية .. وإن خير ما تخدم به مصلحة الشعب اليمني هو خروج القوات العسكرية الأجنبية وإنهاء التدخل الخارجي من اليمن).
جزء من بيان اصدرته وزارة الخارجية الأمريكية في واشنطن بعد تعرض حدود السعودية لضربات جوية من صنعاء .
تنديد واشنطن
مع قيام الطائرات الحربية المصرية بغارات جوية ضد القواعد الملكية على الحدود الجنوبية للسعودية وقصف مدن نجران وجيزان وإزاء تلك الهجمات من الجانب المصري ضد المناطق الحدودية اصدرت وزارة الخارجية الأمريكية بيانا جاء فيه : ( إن الولايات المتحدة الأمريكية تتمتع بعلاقات ودية ووثيقة مع الحكومة السعودية وتظل الولايات المتحدة مقتنعة بوصفها غير متحيزة لجميع الحكومات صاحبة الشأن وإن خير ما تخدم به مصلحة الشعب اليمني هو خروج القوات العسكرية الأجنبية وإنهاء التدخل الخارجي من اليمن ) . وعقب ذلك البيان عملت السعودية آنذاك انشاء حلف عسكري مع الأردن في 5 نوفمبر 1962م وقطعت علاقاتها الدبلوماسية مع مصر في 7 نوفمبر 1962م .
مقترح كينيدي
أثار التدخل العسكري المصري في اليمن مخاوف واشنطن فبادرت بمحاولات لاحتواء الأزمة اليمنية بالطرق السلمية إذ بذلت الولايات المتحدة الأمريكية جهودا مكثفة لإيجاد تسوية بين الأطراف المعنية ولا سيما إن موقفها حرج بين النظام الجمهوري بصنعاء الذي أعلنت اعترافها به في 19 ديسمبر 1962م من ناحية والسعودية التي تربطها بها مصالح حيوية حين حاولت إيقاف الصراع والحرب الدائرة في اليمن .
حيث تبنى الرئيس الأمريكي جون كينيدي (1961- 1963م) احتواء الحرب وحصرها داخل الحدود اليمنية لأن انتشارها قد يعرض المصالح الأمريكية النفطية في الجزيرة العربية لاسيما في السعودية للخطر .لذا بعث رسالة للرئيس جمال عبدالناصر (… إنني شديد القلق من أن يؤدي الصراع على اليمن إلى تعريض استقرار المنطقة للخطر وبناء على ذلك أناشد زعماء الدول المشتركة في هذا الصراع الآن ان يفكروا في المخاطر الكبرى التي يمكن أن تحصل … وإنني موجه رسائل مماثلة إلى جلالة الملك حسين والأمير فيصل والرئيس عبدالله السلال ) .
تضمن الاقتراح الأمريكي إنهاء المساعدات الخارجية للأطراف المتصارعة في اليمن وانسحاب القوات العسكرية المصرية من المناطق الحدودية مع السعودية وعلى مراحل .
وافق الرئيس جمال عبدالناصر على المقترح الأمريكي لفض النزاع الدائر في اليمن وأكد إن الغرض من ارسال القوات المسلحة المصرية لليمن كان لوقف أي غزو لليمن وإنه لا يستطيع ان يقف مكتوف الأيدي وهو يرى الثورة اليمنية تضرب من قبل الرجعية العربية . فضلا عن موافقة اليمن على المقترح الأمريكي لأنها كانت ترغب بالحصول على اعتراف السعودية بالنظام الجمهوري و إبعاد أسرة حميد الدين.
رفض الرياض
في حين رفض الاقتراح مبدئيا الأمير فيصل وبعد أن تعهدت امريكا للسعودية بتقديم الدعم العسكري والمساعدة على تطوير نظامها الدفاعي الجوي إلى الحد الذي يجعلها قادرة على الدفاع عن نظامها عندها وافقت السعودية على المقترحات الأمريكية .
اقليميا دفعت عوامل كثيرة لقبول السعودية باتفاقية فض الاشتباك منها حصول أحداث سياسية وقعت بالمنطقة العربية كانت لصالح الرئيس جمال فانقلاب 8 فبراير 1963م في العراق وانقلاب 8 مارس 1963م في سوريا جعل الطريق ممهدا لعبد الناصر لاستعادة مكانته كقائد للحركة القومية . وكذلك رأت مصر إن الازمة اليمنية من الصعب حلها عسكريا لتشابك احداثها .
بدأت الاتصالات بين الأمين العام للأمم المتحدة وممثلي الأطراف المعنية فيها وبين السفراء الأمريكيين في مصر والسعودية وبين الحكومتين المصرية والسعودية فضلا عن استمرار المراسلات بين الرئيس كنيدي والرئيس عبدالناصر تم توصل إلى اتفاقية فض الاشتباك.
البنود الخمسة
أعلن يونانت الأمين العام للأمم المتحدة في 29 إبريل 1963م . اتفاقية فض الاشتباك حيث تضمنت الاتفاقية خمسة بنود : تتوقف السعودية عن مساعدة الملكيين ومنعها من استخدام اراضيها كمراكز لمهاجمة اليمن .
والتزام مصر بالبدء بالانسحاب من اليمن على مراحل وفي أسرع وقت ممكن . وقبول مصر بعدم اتخاذ إجراءات عقابية ضد الملكيين بسبب أية مقاومة بدرت منهم قبل فض الاشتباك. وتتوقف القوات المصرية عن القيام بأي هجوم عسكري ضد الأراضي السعودية.
وإنشاء منطقة منزوعة السلاح على جانبي الحدود بين اليمن والسعودية لمسافة عشرين كم على كل جانب يعمل فيها مراقبون محايدون للتأكد من احترام شروط فض الاشتباك وعدم وجود أي مساندة للملكيين من الجانب السعودي فضلا عن التأكد من انسحاب القوات العسكرية المصرية بمعداتها وطائراتها العسكرية من مطارات اليمن وموانئه .
لجنة مراقبة
أثمرت جهود الوساطة التي قامت بها الولايات والأمم المتحدة عن مباشرة لجنة المراقبة اليمنية التابعة للأمم المتحدة عملها على الحدود اليمنية – السعودية برئاسة ( كارن فون هون) رئيس لجنة اركان القوات التابعة للأمم المتحدة إذ تشاور مع الحكومات المعنية مصر والسعودية بشأن عمل لجنة المراقبة المكونة من مئتين من المراقبين وقد وافقت السعودية على تمويل لجنة المراقبة الدولية .
فيما سحبت مصر قرابة 6700 من جنود وضباط قواتها المسلحة الموجودة في اليمن خلال وجود لجنة المراقبة الدولية بين الحدود اليمنية – السعودية وقد اعلنت مصر عدم التزام الجانب السعودي الذي استمر بتزويد الملكيين بالأسلحة والمعدات العسكرية .
وبرغم فشل الجهود الأمريكية لحل النزاع اليمني إلا إنها حققت هدفها من تلك الجهود في حصر الصراع داخل الحدود اليمنية فضلا عن استطاعتها من تقوية الدفاعات السعودية لمواجهة أي تهديد يضر بمصالحها النفطية في السعودية من قبل الجانب المصري.
التخوف السعودي
سارعت السعودية منذ اليوم الأول للثورة اليمنية لمساندة القوات الملكية لاستعادة السلطة . وتخوفت الرياض من تطور وضع اليمن من خلال قيام النظام الجمهوري وتحول اليمن إلى قوة مؤثرة في شبة الجزيرة العربية ولا سيما إذا استطاعت ثورة 26سبتمبر في شمال اليمن دعم الثوار في جنوب اليمن لطرد الاستعمار الإنجليزي . ومن ثم تحقيق وحدة اليمن بدولة واحدة الأمر الذي سيجعل اليمن اكبر قوة سياسيا وعسكريا واقتصاديا في الجزيرة العربية وندا قويا للرياض الأمر الذي سوف يقود صنعاء الى مطالبة الرياض بالأراضي اليمنية التي احتلتها بعد حرب سنة 1934م واهمها مدينتا نجران وجيزان ومنطقة عسير.
*26 سبتمبر نت – علي الشراعي