يَوْمُ التَّوَلِّيْ..شعيرة إيمانية تلزمنا السلوك السوي ..
بقلم/ نجيب باشا
إن لله أياماً مقدسة، بفعل ما جاء فيها من أوامر ونواه إلهية، تنير طريق المؤمنين، وتحفظ استمرارية رشدهم وهداهم، وتؤمن لهم طريق السلامة المنهجية لدينهم الحق، وتنأى بهم عن سُبل الانحرافات الخاطئة، التي اعترت المسيرة الإسلامية، بفعل الناكثين بالعهد، والخارجين على الدين، والدخلاء على الطريق الإسلامي الحق، من عشاق السلطات، وخصوم المنهج القرآني، ومناوئي أئمة الهدى وورثة القرآن، المتكهلين معاناة الحفاظ على المنهج المحمدي السوي، منذ يوم انقلاب المتربصين على أعقابهم، وحتى يومنا هذا.
حيث قال الله تعالى فيهم:
(وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ۚ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا ۗ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ)..
وبرغم تلك الانقلابات المنهجية، التي قدمت الدين تقديماً مشوهاً، يخدم شهواتهم السلطوية، ويخدم كذلك أعداء الأمة من اليهود والمشركين، إلاّ أنهم -كما اخبرنا الله تعالى- انقلبوا على أنفسهم، ولم يضروا الله في شيء، فقد حفظ الله دينه بالشاكرين من أمته، العاملين بمنة المنهج القويم، منذ انتقال المصطفى صلوات الله عليه وعلى آله، بدءاً من تولي الوصي على المنهج، والمستأمنين عليه من العترة الشريفة، وأنصارهم من عامة المسلمين وخواصهم، حتى يرث الله الأرض ومن عليها.. صلوات الله عليهم بما صبروا وصابروا وجاهدوا، وتكهلوا المشقات والعداوات، والمحاربة لهم ولذويهم ومحبيهم وأنصارهم، وبما استشهدوا من أجله، تعبداً لله تعالى، وتوحيداً لذاته.
لذلك، فقد أهّل الله تعالى ذلك اليوم ليصبح يوماً من أيامه، نحتفي به لإيقاظ الذاكرة الإسلامية من سبات التجهيل والتدجين والتدجيل، وللتذكير بأهمية ذلك اليوم، لما فيه من تحديدٍ وتصويب لتوجه أُمة بكاملها.
فإن سألوك: كيف تتولى (الإمام علي عليه السلام)، وتسعد وتحتفي بيوم توليه؟!!
فقل لهم: أعلن موالاتي له فرحاً وسعادةً بما آتانا الله ورسوله من فضله، فألتزم سلوكه، وأتعشق مواقفه، وأتمثل طريقته كحقيقة في القلب والجنان، سلوكاً بالجوارح، وثقافةً في الأذهان..
لا لقلقةً باللسان، وهذياناً بين الأنام، حتى يُقال: كان فلان وفلان من أعظم أنصار الإمام عليه السلام.
لقد بلَغَ الأمرُ بالإمام أن طلق الدنيا ثلاثاً، زُهداً فيها، وإدراكاً لأحابيلها، وتجنباً لمفاتنها التي أرْدَتْ بها الواصلين، وأزهقت ببهارجها همم السالكين، فهل منا من خاصم الدنيا ولو مجرد خصام، وسار مُتَأسِّياً بأخلاق الوصي، مستمتسكاً وعاملاً بإرثه النبوي.
لقد كان الإمام علي عليه السلام لايبيت ليلة واحدة في مسكنه الرث، حتى يتفقد رعيته-من بَعُدَ منهم أو قَرُب-َ، فيواسي محتاجهم، ويؤنِس مستوحشهم، ويعطي يتيمهم، ويرفق بعديمهم، ويدعو لضالهم.
فهل امتلكنا ذلك القدر من الإيمان، فنصنع ما كان يصنعه عليه السلام؟!!..
لقد كان الإمام علي عليه السلام يبيت لَيْلَهُ ذاكرًا لله، باكياً من خشيته، يقلب حاله في أحوال رعيته، إن كان جاهلاً عَلّمَهْ، وإن كان معوزاً أعطاه من مال بيت المسلمين، وإن كان ضالاً هداه، وإن كان مغرراً به أرشده، وإن كان ظالماً رَدّهْ، وإن كان مظلوماً أنصفه، وإن كان مستضعفاً قواه وآزره..
فهل آمنا بتلك القيم، وهل تجسدت فينا سلوكاً صادقاً نمارسه في حياتنا؟!!..
هل تمثلنا سلوكه في مقارعة الطغاة، وجهاده ضد البغاة، واستئصاله شوكة النفاق؟!!..
وهل اقتدينا بمجاهدته في الحفاظ على استقامة المنهج، من إدخالات علماء البلاط السلطوي، وتخريصات فقهاء السوء، ونزوات حكام الضلال والفسق.
إنّ إحتفالنا بيوم الولاية الأغر، يجب أن يسبقه، وأن يتخلله ويعقبه استنهاظٌ للهمم، لتسير على منهج الإمام..
وهو أيضاً يومٌ يجب أن نستهجن فيه طغيان أنفسنا في مراتع اللذات، فنزمُّها عن تَجَمُّحِها في المغريات والتوافه، ونمنعها عن الظلم، ونقبضها عن محارم الناس وحقوقهم، ونُرَغبها بالحق وأهله، ونُكَرِّه إليها الطغيان وأربابه، ونستنهضها من أوحال سفاسف الدنيا الدنيّة، لترقى من الدُّنَى والتدني.
إننا بحاجة ماسة أن لا يأتي يوم التكليف النبوي من المصطفى الأول والنبي الخاتم، لسيدنا الإمام علي وصي الأمة وخليفة خاتم الأنبياء والمرسلين، إلاّ وقد عرفنا أن الولاية أمرٌ من الله، وإرثٌ عن رسوله، وتكليفٌ لوليِّه، وأتباعٌ من أمته..
شريطة أن تكون كل تلك القناعات سلوكاً، عن يقين عايَنّاه، وامتثالا لأوامرَ إلهية نبوية، لَبّيْناها طاعةً لله ورسوله، فيصبح الاحتفاء بيومٍ أغَرٍّ ٍ كهذا، هو أيضاً إحياءً لشعيرة من شعائر الله، نتعبد فيه الله، ونطيع رسوله سيدنا محمد صلى الله عليه وآله، مبايعة وتولياً لأخيه وباب مدينة علمه، عن اتباع مِنّا، لا تحايلاً وانتفاعاً، ولا مكايدةً على أحد وارتفاعاً، ولا تعالياً على الغير، أو استكبارا وضير؛ حتى يستأنس بنا غيرُنا، ويركن إلى سلامة نهجنا من هم دوننا، فتتسالم القلوب، وتأتلف الأرواح، وينهزم البُغاة، وتُستأصل شوكة الطغاة، ويظهر دين الله على كل دين..
حينئذٍ، لن يبقى بعد الحق إلاّ الضلال، ولا بعد الفجر إلاّ الظلام، ولا بعد الحُجّةِ إلاّ الإنكار، ونعوذ بالله من مكر الله.
والله ورسوله والذين آمنوا يهدون إلى سواء السبيل.