قوة الشرعية وشرعية القوة
بقلم – عبد العزيز البغدادي
ترتبط الشرعية والمشروعية في القانون والسياسة بحق الشعوب في الحكم وتقرير مصيرها ارتباطاً وثيقاً ، وهو حقٌ ثابتٌ في العرف والأخلاق والدين مثلما هو ثابتٌ في القانون والسياسة قبل تفاقم التلاعب بكل هذه المبادئ وكل القيم ومحاولة اختطافها عن طريق السطو على السلطة باستخدام الكثير من المغالطات والاستيلاء عليها بإلباس الحق بالباطل وتكريس بعض المفاهيم حول طبيعة علاقة السلطة بالقوة والمعرفة لتكون الغلبة طبقاً لهذه المفاهيم إما للقوة الغاشمة وحدها أو بتجنيد القوة في خدمة الحق الإلهي المزعوم ، وهذا واقع تأريخي عانت منه ولا تزال كثير من الشعوب الواقعة تحت ربقة التجهيل والإرهاب بكل صوره وأشكاله ، وتلعب فيه المغالطات السياسية والدينية والأمية بكل أنواعها وتفاصيلها دوراً خطيراً لتتحول إلى مسلمات ، ومن أبرز الأعمال الفكرية التي استخدمت في تكريسه كتابان مهمان من كتب الفكر وعلم الاجتماع السياسي :
(1) – كتاب: مقدمة ابن خلدون في علم الاجتماع السياسي الذي يتناول آلية قيام الدول وتكونها والمراحل والظروف التي تمر بها من ميلادها حتى موتها، وهي ذات المراحل التي يمر بها أي كائن حي، أي أنه كتاب أتى على ذكر عوامل القوة والضعف والانهيار التام لأي دولة القائمة على حكم الفرد ، وأهمية تكوين من يشكلون أداة الحاكم في بسط نفوذه – ومؤلف هذا الكتاب هو عبد الرحمن ابن خلدون الحضرمي اليمني الأصل – ولد في تونس في27/ أيار 1332م وفيها شب وترعرع وتخرج من جامعة الزيتونة وقد ألف الكتاب في 1377م كمقدمة لكتاب :(العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر) وتوفي ابن خلدون بمصر في 17/ مارس 1406.
(2) – أما الكتاب الثاني فإنه (الأمير) وهو رسالة بحثية في الفقه السياسي مؤلفه نيكولو ميكا فيلي عام 1513 ومنذ ظهر الكتاب في القرن السادس عشر صار مثار جدل فرأى الكثير من علماء الأخلاق خاصة في فرنسا وبريطانيا أن الكتاب يخدم الطغاة الأشرار ، وهي وجهة نظر استنباطية ، ويتحدث الكتاب عن واقع الحياة السياسية في إيطاليا حين تأليفه ، والسباق بين المتسلطين على مواقع السلطة بأي وسيلة أو ثمن ولو باستخدام وسائل قذرة ولهذا ارتبط اسم الكاتب بمقولة : (الغاية تبرر الوسيلة) التي جرى و يجري تداولها بشكل واسع منسوبة إليه بالقول مبدأ ميكا فيلي أو الميكافيللية وهذا تحوير وتحريف معنوي يوحي بأن المؤلف هو صاحب المبدأ ، والحقيقة أن كتاب (الأمير) توصيف نقل فيه ميكا فيلي واقع الفساد السياسي والأخلاقي الذي عاشه المجتمع الإيطالي في الفترة التي تناولها الكتاب ، وليس نظرية تدعو إلى تجريد السياسة عن الأخلاق ، ولكنه نقل إلى قارئه ذلك الواقع كما هو وبعين ناقدة فاحصة لا بعين المعجب المتبني لما نقل لأنه واقع مرفوض من كل من يأمل أن تكون السياسة أداة فاعلة في تحويل مكارم الأخلاق إلى واقع معاش في الحياة السياسية يسود فيه الأمن والسلام كل العالم بتهذيب سلوك الجامحين والجانحين من عشاق الحكم والسلطة مستخدمي كافة أشكال المغالطات سواء باسم الدين أو المصلحة المجردة الهادفة إلى سلب الشعوب حقها الطبيعي في العيش بحرية وكرامة واحترام.
الكتابان إذاً وكما هو واضح استُخدما في سياق الشرعنة لسيادة القوة وهو واقع تأريخي لم يتغير كثيراً عن واقع اليوم سوى في نوع القوة، فبدلاً من السيف الذي كان في ما مضى (في حده الحد بين الجَدِّ واللعبِ) أصبح زر السلاح النووي في عصر النور هذا وثورة المعلومات رهن إشارة أي حاكم معتوه يمكنه تدمير العالم أو أي مدينة أو دولة فيه بضغطة زر، أي أن عبقرية الإنسان ما تزال الخادم المطيع لنزوات الحكام بأمرهم وطوع أمراضهم النفسية !
ليس في الأرض متسع للبكاء
الخرافة تحكم أرجاءها
والمدى يتخثر
تنمو الرذيلة بين أضلعهم
لا فرق بين تسابيحهم ومسابحهم