تقرير _ عبدالرحمن عبدالله :
لا تزال الهدنة الإنسانية في اليمن تراوح مكانها جراء تعنت تحالف العدوان في تنفيذ الالتزامات التي تضمنتها بنود الهدنة والمتعلقة بمطار صنعاء وموانئ الحديدة، مع استمراره في محاولة تشتيت الالتزامات والنكوص عنها بخلق عراقيل تتعلق بالجوازات، علاوة على استمراره في قرصنة سفن الوقود واحتجازها وبشكل مستمر.
وحتى اليوم لم ينفذ تحالف العدوان بند فتح مطار صنعاء على الإطلاق، محاولا الهروب من التنفيذ بإطلاق دعايات حول الجوازات الصادرة عن المركز الرئيسي لجوازات الجمهورية اليمنية في العاصمة صنعاء.
وابتدع التحالف العدواني قضية الجوازات كذريعة ضمن التعقيدات التي يسوقها في سبيل النكوص عن بنود الهدنة، فيما يواصل احتجاز سفن الوقود المتجهة إلى ميناء الحديدة متبعا طريقة التقطير في تنفيذ الالتزامات التي تفرضها الهدنة فيما يتعلق بميناء الحديدة.
ومع استمرار العدوان في رفض تنفيذ بنود الهدنة أثار مرتزقته الحديث المكثف حول وثائق السفر والجوازات الصادرة عن المراكز الرئيسية في العاصمة صنعاء وفي المحافظات التي لا تخضع لسيطرتهم، وهي قضية لها خلفياتها وأبعادها التي تتعلق بسعي المليشيات من المرتزقة إلى التنكيل بالمواطنين في اليمن وتحويل إصدارات الوثائق والجوازات إلى سمسرة وتجارة يجنون من ورائها الأموال.
ففي ديسمبر من العام 2017 أصدر قيادي في المليشيات العميلة يصف نفسه «بوزير الداخلية» تعميما لقادة المليشيات العميلة نفسها في المنافذ بتوقيف كل المسافرين الذين يحملون وثائق سفر صادرة عن المراكز الرئيسية في العاصمة صنعاء، أو في المحافظات التي لا تخضع لسيطرة المرتزقة.
تقضي الهدنة الإنسانية التي بدأ سريانها في الثاني من إبريل الفائت وتنتهي نهاية الشهر الحالي، بفتح مطار صنعاء أمام رحلتين أسبوعيا، غير أنه وبعد مضي الفترة الأطول من الهدنة والاتفاق ما زال العدوان السعودي يرفض تنفيذ البند، ويروج عبر أبواقه وإعلامه ومرتزقته بأن الجوازات اليمنية الصادرة عن المراكز الرئيسية في العاصمة صنعاء ليست مقبولة في الخارج وأن على المواطنين الراغبين في السفر عبر مطار صنعاء التوجه إلى عدن أولا لاستصدار جوازات ووثائق سفر منها أو من أي محافظة خاضعة لسيطرتهم.
باستثناء دولتي العدوان (السعودية والإمارات)، تتعامل كل مطارات العالم بالوثائق والجوازات الصادرة عن المركز الرئيسي للإصدار الآلي في صنعاء وكذلك الجوازات الصادرة عن المركز الرئيسي لمصلحة الجوازات، ورغم ذلك تقوم المليشيات العميلة التابعة للسعودية والإمارات باحتجاز كل المواطنين اليمنيين الذين يحملون وثائق سفر من المراكز التي لا تخضع لسيطرتهم ، ويقومون بحبسهم وخطفهم، وهذا الأمر يحدث في كل المنافذ البرية والبحرية والجوية التي يسيطر عليها مرتزقة السعودية والإمارات.
على المواطنين أن يعانوا ليجني كبار المرتزقة الأموال من الاتجار بالجوازات ووثائق السفر !!
تتفاقم معاناة اليمنيين بسبب إغلاق مطار صنعاء، وخصوصا المرضى غير القادرين على التنقل برا إلى عدن أو سيئون للسفر عبر الرحلات الجوية، وتمثل الهدنة الأممية التي أقرت في بنودها فتح مطار صنعاء للرحلات الجوية بواقع رحلتين كل أسبوع أملا لأكثر من 230 ألف مريض بحاجة للسفر، غير أن الأمل تبخر حينما رفضت دول العدوان ومرتزقتها تنفيذ هذا البند ، وأشهرت ذريعة أن يحصل المسافر على تأشيرات ووثائق سفر من المناطق التي تقع تحت سيطرتهم.
نور الدين البروي، من أبناء محافظة ذمار وسط اليمن، مع إصابته بسوائل في الدماغ وفشل محاولته في السفر للعلاج في مصر نتيجة إغلاق مطار صنعاء، وجد في الهدنة أملا سرعان ما تبخر حينما رفض العدوان تنفيذ التزاماته، ووجد في استخراج وثيقة سفر من عدن صعوبات وعوائق وأموالا جعلته يتابع حالته الصحية في مستشفيات العاصمة صنعاء.
البروي واحد من بين 220 ألف مريض مُنعوا من السفر لتلقي العلاج في الخارج لعدم حصولهم على جوازات صادرة من مناطق سيطرة العدوان ومرتزقته وإغلاق مطار صنعاء ولانعدام وجود دفاتر الجوازات في تلك المناطق، بحسب الدكتور يوسف الحاضري – الناطق الرسمي باسم وزارة الصحة اليمنية – الذي أكد لـ “الثورة” أن من بينهم نحو 32 ألف مريض توفوا لعدم قدرتهم على السفر وغالبيتهم مرضى بالسرطان والثلاسيميا (فقر الدم الأبيض المتوسط) ومن المرضى من هم بحاجة إلى زراعة الكلى أو العمليات الكبرى التي لا تتوفر في اليمن”.
المرتزقة .. سماسرة الجوازات
وفقاً لتقرير مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي (منظمة مجتمع مدني متخصصة في الدراسات الإعلامية المتعلقة بالمسائل الاقتصادية) الصادر في سبتمبر من عام 2017، فإن “ظاهرة السمسرة بجوازات السفر الصادرة عن عدن الخاضعة لسيطرة المرتزقة انتشرت بشكل كبير، في مقابل مبالغ تتراوح ما بين 80 ألف ريال و170 ألف ريال (310 دولارات) والتي تعد مبالغ باهظة في بلد يرزح 85 % من إجمالي سكانه البالغ 27 مليون نسمة تحت خط الفقر”.
يسعى المرتزقة إلى إلغاء الوثائق الرسمية الصادرة عن مركز الإصدار الآلي ومصلحة الهجرة والجوازات، لما يوفر لهم مبالغ مالية، ولذا قاموا بإصدار قرار مزعوم بإلغاء الوثائق الصادرة عن المراكز الرئيسية في صنعاء وفروعها في المحافظات الحرة التي لا تخضع لسيطرتهم، واتخذوا القرار وسيلة لابتزاز المواطنين وجني المبالغ المالية وحولوا الحصول على الوثائق الرسمية وجوازات السفر إلى تجارة مربحة.
تقول مصادر إن قيادات المرتزقة يتقاسمون المبالغ الباهظة من وراء تلك التجارة مع بعضهم، أوضح رئيس مصلحة الهجرة والجوازات والجنسية في صنعاء في تصريح سابق – لـ “الثورة”، أن “استخراج الجوازات في تلك المناطق يتم بطرق غير قانونية، حيث يتم إرسال صور الشخص عن طريق “الواتس أب” ، وتحويل المبلغ الذي يتقاضاه المرتزقة عن طريق شركات الصرافة ، فيما لا يتم أخذ البصمة السباعية للمستفيد، وهو ما يعد مخالفة قانونية بقواعد القانون الدولي الخاصة بمنظمة الأيكاو للطيران المدني.
واعتبرها سابقة خطيرة من نوعها في استخراج الجوازات ووثائق السفر في العالم بأسره”، وهو ما أثبته معد التحقيق في تواصله مع هيفاء التي طلبت منه إرسال بياناته عن طريق الإنترنت وإرسال المبلغ المطلوب.
لا جواز إلا بمائة ألف ريال
أكدت مصادر للثورة أن سمسرة المرتزقة في الجوازات والاتجار بها لا يقتصر على مارب وعدن فقط، بل إن هناك سماسرة في السفارات اليمنية الخاضعة لسيطرة المرتزقة تعمل على بيع الجنسية لأشخاص من فئات البدون وجنسيات أجنبية أخرى.
وتؤكد المصادر منح جوازات يمنية لقيادات في القاعدة وداعش من بلدان أجنبية، وكشفت عن وجود مافيا وعصابات تقوم ببيع الهوية اليمنية لأشخاص غير يمنيين ينتمون للقاعدة وداعش، مضيفا أنه “تم كشف حالات كثيرة.
وتشير إلى أن المرتزقة يبيعون الجوازات في السفارات الخارجية لليمن بمبالغ تصل إلى 5.5 ملايين ريال يمني (عشرة آلاف دولار).
وهو ما يعني انتهاكا لـ”المادة 154 من القانون رقم (12) لسنة 1994” والتي تنص: “يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات كل من عرض على موظف عام عطية أو مزية أو وعدا بها لأداء عمل، أو للامتناع عن عمل إخلالا بواجبات وظيفته ولم تقبل منه، أما إذا كان العمل أو الامتناع حقا فيعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة، أو بالغرامة”.
متاجرة بمعاناة المواطنين
اتسعت ظاهرة السمسرة بجوازات السفر عبر المراكز التي يسيطر عليها مرتزقة العدوان، مقابل الإمعان في التنكيل بالمواطنين الذين يحملون وثائق سفر وجوازات صادرة عن المراكز الرئيسية في العاصمة صنعاء.
يتقاضى المرتزقة مقابل كل جواز مبالغ تتراوح ما بين 80 ألف ريال و170 ألف ريال (310 دولارات) وهي مبالغ يجنيها كبار المرتزقة، ويتعامل سماسرة الجوازات مع وكلاء وسماسرة، أو مكاتب سمسرة تعامل بشكل جماعي، وبكمية تجارية أحيانا تستقبل طلبات المواطنين فترسلها إلى المرتزقة في عدن.
تسببت عملية السمسرة والاتجار بالجوازات التي يمارسها مرتزقة العدوان، في حرمان مئات الآلاف من اليمنيين من الحصول على الجواز، ومن أبرزهم المرضى، بما فيهم أولئك الذين يحاولون السفر عبر مطار عدن، عليهم أولا أن يقطعوا جوازات من عدن مقابل مبالغ مالية باهظة يتم دفعها إلى مرتزقة العدوان.
سفر محفوف بالمخاطر
يقول أحد مسؤولي وزارة الصحة في صنعاء: “إن السفر عن طريق المناطق الخاضعة لسيطرة المرتزقة ينطوي على مخاطر كبيرة تصل حد الاعتقال والإخفاء القسري والقتل دون مبرر، مشيراً إلى أن أربعة من أصل 10 مرضى يتوفون في الرحلة البرية نتيجة عرقلتهم في نقاط المرتزقة”.
في وقت سابق قُتل الطالب السنباني خلال عودته من الدراسة في أمريكا في إحدى نقاط المرتزقة بمحافظة لحج، قبله قتل المواطن مراد الإرياني، من أبناء محافظة إب في نقطة ينصبها المرتزقة على الطريق العام بمارب التي تشهد اشتباكات بين مليشيات الارتزاق، نتيجة طلقة من عيار ناري متوسط يرجح أنه قناصة اخترقت رأسه فيما أصيب مرافقه بجراح بالغة.
يقول عبدالله الإرياني: إن مراد هو أحد ضحايا إغلاق مطار صنعاء وإنه ليس محسوبا على أي طرف بل هو رجل تربوي وتاجر بسيط لا ناقة له ولا جمل في الحرب، كان ينوي السفر لتلقي العلاج في القاهرة، بينما يقول الدكتور الحاضري: إن عملية استهداف الإرياني ليست عن طريق رصاصة طائشة بل استهداف متعمد رغم أنه يتحرك تحركاً مدنياً وعلى سيارة مدنية، ولم يتم إخراج جثته إلا بعد مرور 12 ساعة.
في اليوم التالي لجريمة مقتل الإرياني قُتل الشيخ سعيد الرميلي مع مرافقه بعد تعرض سيارته لإطلاق نار غزير من قبل عناصر حزب الإصلاح في مدينة مارب، بحسب مصادر محلية في المحافظة والتي أكدت أن الرميلي قُتل مع مرافقه الشخصي فيما أصيبت زوجته وابنه وحفيده بجراح متوسطة، وأشارت المصادر إلى أن المليشيات استهدفت سيارة الشيخ وهاجمتها بصورة مفاجئة وصادمة بالرصاص، بينما كان في طريقه إلى مدينة سيئون للمغادرة إلى جمهورية مصر لتلقي العلاج.
وفي سياق اختطاف اليمنيين اعتقلت مليشيات حزب الإصلاح في الـ 27 من أبريل 2017 البروفيسور مصطفى المتوكل (62 سنة) في نقطة الفلج بمحافظة مارب بعد إخراجه عنوة من باص النقل الجماعي الذي كان على متنه، أثناء عودته من مؤتمر علمي حول الاستثمار في المملكة المغربية، ليس لأي سبب سوى أن نسبه ينحدر إلى الهاشمية، بحسب تصريح زوجته الدكتورة إلهام محمد عبدالملك المتوكل.
مصادر في سجون مارب التي يديرها حزب الإصلاح التابع للعدوان أشارت إلى أن “جميع من كانوا مع المتوكل داخل السجن قالوا إنه بقي 18 يوماً، وفي اليوم الـ 19 أعطوه صابونة وبدلة جديدة وطلبوا منه الاغتسال قبل إطلاق سراحه ومن ذلك الحين لم ترد أي أخبار عن الدكتور”، الذي تؤكد زوجته أن الإصلاح وحكومة المرتزقة باعوه للسعودية بطريقة انتقامية على درجة غير مسبوقة من الانحطاط.
حاولت “الثورة” الاتصال بمدير مصلحة السجون في مارب قبل أشهر من نشر هذا التحقيق لإعطائه فرصة للرد على هذه المعلومات لكن لا أحد من الأرقام التي تواصلنا بها أجاب عن أي استفسار، وفي محاولات لاحقة للاتصال بوزارة داخلية المرتزقة فضّل المعنيون بالإجابة تجاهلنا.
الموت أهون من المعاناة
يفضل الكثير من المرضى اليمنيين ممن هم بحاجة للسفر إلى الخارج البقاء في صنعاء متنقّلين بين المستشفيات التي لم تستطع تخفيف ولو جزء يسير من معاناتهم لعدم توفر الإمكانيات المناسبة واللازمة لذلك، بدلاً من السفر عن طريق المناطق التي يسيطر عليها المرتزقة خوفاً من أن يلقوا مصيراً شبيها بمصير الدكتور المتوكل أو السنباني الذي قتلوه في إحدى نقاطهم.
يسعى مرتزقة العدوان إلى التنكيل بالمواطنين من خلال الاتجار بالجوازات والوثائق عبر المراكز التي يسيطرون عليها ومنها عدن ومارب وسيئون، في سبيل ذلك يحولون منح الجوازات وتجديدها إلى تجارة مربحة لقادة المليشيات العميلة التابعة للعدوان.
أجرت الثورة تحقيقا سابقا حول سمسرة المرتزقة بالجوازات والوثائق، وأجرى معد التحقيق اتصالاً هاتفياً بأحد موظفي فرع الجوازات في عدن لاستفساره عن إمكانية حصوله على جواز متعذراً أنه خريج من الثانوية العامة وينوي السفر لإكمال دراسته في الخارج فأخبره الموظف الذي طلب عدم الكشف عن هويته أن ذلك ليس إلا للمواطنين من المناطق التي تحت سيطرة العدوان ومرتزقته وليست للقادمين من المحافظات الشمالية خوفا من أن يكونوا من “أنصار الله” ، وفي الختام طلب منه مبلغا ماليا لإكمال المهمة يصل إلى مائة ألف ريال.
الموظفُ نفسه أخبر معدَ التحقيق أن هناك سماسرة على علاقة بقيادة المرتزقة يطلبون هذه المبالغ، ويمكن الحصول على جواز سفر عن طريقهم، ومن بين أولئك السماسرة “هيفاء” التي طلبت 130 ألف ريال يمني (270 دولاراً) لقاء جواز سفر يتسلمه خلال أسبوعين فقط، وهو مبلغ يفوق السعر الرسمي للجواز في صنعاء 20 مرة.
يتضح بأن الهدف من إبقاء مطار صنعاء مغلقا رغم الهدنة التي تضمنت بنودا خاصة تقضي بفتحه أمام رحلتين كل أسبوع، هو حصول مرتزقة السعودية والإمارات على الأرباح وجني الأموال من وراء معاناة المواطنين اليمنيين، ومن خلال الاتجار في وثائق السفر والجوازات.
ويتضح بأنه ليس لدى تحالف العدوان ومرتزقته أي بوادر تسهم في التخفيف من معاناة اليمنيين، ولديهم الإصرار على المتاجرة والسمسرة في معاناتهم، ومضاعفة الأخطار المحدقة بهم، ليحصلوا من وراء ذلك على الأموال والأرباح والأرصدة.
وحتى الأمم المتحدة التي تقف اليوم عاجزة عن اتخاذ أي قرار إزاء عدم تنفيذ الهدنة الإنسانية، ليست مستعدة لأن تكشف هذه الحقائق، إذ يعمل مبعوثها وفق أجندات العدوان ومرتزقته.