النظام الإماراتي وتجاوز المحرمات
يمانيون/ تقارير
خلال الأسابيع القليلة الماضية سجلت المقاومة الفلسطينية حضوراً لافتاً من خلال عدد من العمليات الفدائية الفردية النوعية داخل الكيان الصهيوني، وفي أكثر من منطقة جغرافية، وبأساليب متعددة، ذلك الحضور أكد على معادلة “توزان الرعب” مع الكيان الصهيوني رغم الفارق الكبير في القوة والإمكانيات التقليدية والمتقدمة.
استمرار العمليات الفدائية أثار الرعب داخل كيان الاحتلال، وهو ما لا يمكن إنكاره ولا إخفائه، ولكن ردة الفعل من قبل بعض الدول العربية تجاه تلك العمليات النوعية، آثار العديد من التساؤلات عن ما وراء تصديها وإدانتها المستمرة تجاه المقاومة الفلسطينية.
نعم نتحدث هنا عن ردة الفعل بعض الانظمة العربية ولاسيما النظام الحاكم في الإمارات تجاه المقاومة الفلسطينية عموماً، وعن العمليات الأخيرة تحديداً، وما كان مستغرباً في تلك الإدانات هو استمرار السقوط الإماراتي بصورة غريبة من خلال عدد من البيانات الصادرة عن الإمارات وسفارتها داخل عاصمة الكيان الصهيوني والتي استنكرت “الهجمات الإرهابية التي وقعت داخل دولة إسرائيل، ومقدمة تعازيها لأسر ضحايا هذا العمل المروع، كما تتمنى الشفاء العاجل لجميع المصابين”!.
مسلسل السقوط الإماراتي بقيادة محمد بن زايد تجاه مختلف القضايا العربية ولا سيما القضية الفلسطينية يبدو أنه مستمر إلى ما لا نهاية، ولنا في العدوان على اليمن والتدخل في ليبيا والسودان خير دليل على تجاوز كل الخطوط الحمراء تجاه ما كان من الثوابت، ذلك السقوط انتهج سياسة خارجية تتجاوز ما كان قائم في السياسة الخارجية للدولة والمرتكزة على إقامة علاقات سياسية متوازنة مع مختلف الدول، ولكن السنوات القليلة الماضية كانت شاهدة على مسار طويل من السياسات التصادمية في ظل حكم محمد بن زايد، دون اكتراث إن تلك السياسات قد تنعكس “في مرحلة ما” على استقرار الدولة الاتحادية (التي تتشكل من تحالف سبع إمارات في الخليج العربي)، ولم يكن مبالغاً وصف محمد بن زايد من قبل المعارضين الإماراتيين بأنه “متفلت الضوابط” من كل الالتزامات، والشواهد على ذلك لا حصر لها.
وعلى ما يبدو أن حسابات النظام في أبوظبي قد تجاوز التطبيع مع الكيان الصهيوني إلى ما هو أبعد من ذلك من خلال تجاوزه كل الثوابت والاولويات تجاه القضية الفلسطينية، اعتقادا منه أن ذلك سوف يساعده على تحقيق أوهامه.
يضاف إلى ما سبق يسعى النظام الإماراتي إلى أن يكون التطبيع مدخلاً إلى التحكم مستقبلاً في منطقة الشرق الأوسط ذات الأهمية الاستراتيجية الكبرى، لعلم محمد بن زايد أن المنطقة تستحوذ على أكبر مخزون احتياطي للنفط والغاز في العالم”، إضافة إلى أهميتها الكبرى في الميزان الاستراتيجي الدولي بما فيها القوى الدولية.
ولا يفوتنا التذكير أن نظام محمد بن زايد ومنذ نحو عقدين من الزمن لم يفوت الانخراط المباشر في الصراعات الملتهبة على الرغم من عدم وجود مصلحة استراتيجية للإمارات سوى الرغبة في خدمة الاجندات الدولية، ولا سيما الأمريكية في محاولة للظهور كحليف يمكن الاعتماد عليه في ملفات وقضايا المنطقة مستقبلاً.
وفي هذا الإطار يمكن تتبع أن تجاوز المحرمات من قبل النظام في أبوظبي قد سبق التطبيع العلني المباشر مع الكيان الصهيوني، خاصة بعد أن استطاع محمد بن زايد من الاستحواذ مع مرور الوقت على مفاصل الحكم داخل الدولة من خلال تهميش أبرز القيادات داخل إمارة أبوظبي وفي بقية الإمارات، وفي المقدمة محمد بن راشد آل مكتوم حاكم دبي ونائب رئيس الدولة ورئيس الوزراء، مستفيداً من حقيقة أن إمارة أبوظبي تشكل أكثر من ثلاثة أرباع المساحة الكلية للدولة وبمساحة تبلغ حوالي 67 ألف كيلو متر مربع من مجمل مساحة الدولة والبالغة 83 ألف كيلو متر مربع.
هذا الاستحواذ من قبل بن زايد على القرار الإماراتي في مختلف الملفات والقضايا الداخلية والخارجية، لم يأبه كثيراً أن نظام الحكم في الإمارات نظام وراثي وأن لكل إمارة من السبع الإمارات حاكم مستقل، وبأن السياسات العامة للدولة يتم وضعه من خلال المجلس الأعلى الذي يتشكل من حكام الإمارات السبع، ولكن الواقع يشير إلى أن محمد بن زايد “الحاكم الفعلي للدولة” قد تجاوز الدستور والتوافق من خلال فرض سياسات لا تتوافق بالضرورة مع مصلحة الدولة والشعب في الإمارات.
جدير بالذكر أن اصابة رئيس الدولة الشيخ خليفة بالمرض عام 2013 وعجزة عن إدارة شؤون البلد ساهم في استحواذ ولي عهد إمارة أبوظبي محمد بن زايد على السلطة كلياً داخل الإمارة وفرضه بالتالي السيطرة المطلقة على مفاصل الدولة، خاصة بعد أن استطاع تقويض سلطة محمد بن راشد آل مكتوم في مرحلة سابقة، لاسيما بعد فشل حكومة دبي في تجاوز الأزمة المالية عام 2008 وعدم قدرتها على الإيفاء بالتزاماتها المالية، ولم يكن أمام دبي ومحمد بن راشد سوى طلب العون من حكومة أبوظبي ومحمد بن زايد، للخروج من الأزمة الخانقة، وهو ما كان من خلال تقديم أبوظبي 20 مليار دولار لسداد الديون المترتبة على حكومة دبي.
ومع مرور الوقت بدا واضحاً أن سلطة اتخاذ القرار لم تعد كما كان وأصبح بن زايد صاحب القرار الأول على مستوى الدولة دون منازع من بقية حكام الإمارات، تلك السيطرة من قبل نظام محمد بن زايد على المستوى الداخلي، ساهمت في انتهاج النظام سياسة خارجية مغايرة عن ما كان عليه الوضع في السابق من “سياسة خارجية ثنائية ومتعددة الأطراف ترتكز فيها على إقامة علاقات طبيعية مع دول الخليج والدول العربية والإسلامية ومختلف دول العالم، على قاعدة الاحترام المتبادل والالتزام بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأية دولة”.
المتغيرات داخل الإمارات بقيادة بن زايد سرعت في إظهار رغبته الجامحة في الصعود بالإمارات كلاعب أساسي في الشرق الأوسط والابتعاد عن الدور التقليدي منذ إنشاء الدولة الاتحادية، وإن كان ذلك لا يتوافق مع ثوابت الشعب الإماراتي، ولأجل ذلك، كان إعلان النظام الحاكم في أبوظبي التطبيع مع الكيان الصهيوني من خلال إقامة العلاقات الدبلوماسية الكاملة، اعتقاداً من محمد بن زايد أن الهرولة نحو التطبيع العلني سوف يسهم في المحصلة النهائية في تحقيق طموحاته.
وفي المجمل يكفي الإشارة أن تاريخ العلاقات ما بين الإمارات والكيان الصهيوني قد سبق ذلك بعقود من الزمن، حيث كان التطبيع في البدايات الأولى يرتكز على الجوانب الأمنية وتبعه في مراحل تالية التطبيع الاقتصادي والرياضي وأخيراً التطبيع السياسي العلني الكامل.
ختاماً، يعتقد محمد بن زايد أن تجاوزه لكل المحرمات السياسية والاقتصادية والدينية سوف تكون مدخلاً له ولنظامه في أن يهيمن بصورة أكبر على منطقة الشرق الأوسط وبدعم من قبل المجتمع الدولي عموماً والولايات المتحدة والكيان الصهيوني على وجه الخصوص، ولكن ما لا يدركه الحاكم الفعلي داخل الإمارات أن تجاوز المحرمات والثوابت وفي مقدمتها قضية الشعب الفلسطيني لا يمكنها أن تطمس الحقائق التاريخية والجغرافية، والمتمثلة في أن العدو الإسرائيلي ومن ورائه من قوى سوف يلقى الهزيمة في نهاية الأمر، ولن يختلف مصير المطبعين عن مصير أسيادهم.