هجرة الأطباء ورحيلهم كابوس يؤرق القطاع الصحي اليمني ..
ظهور هجرة لبعضها ..عقول طبية .. بعد آخر للعدوان..
تحقيق/ رجاء عاطف – أمل الجندي
هجرة الأطباء ورحيلهم كابوس يؤرق القطاع الصحي اليمني منذ سنوات، وهاهو العدوان يفاقم المشكلة برحيلهم ليصل العجز في الكادر الطبي محلياً إلى 50% في القطاع الصحي في الوقت الذي يتطلب فيه وجود كادر متخصص ينقذ حياة المواطنين المتضررين من الحرب..
وبالمقابل عدد كبير من الأطباء رفضوا الرحيل إلى بلد آخر وفضلوا خدمة أبناء الوطن خاصة في الأوضاع الراهنة ولم تُغرهم الحوافز المالية.
وفي كلتا الحالتين نحن أمام مشكلة فاقمها العدوان الذي انسحب على حياة كل اليمنيين وفي شتى المجالات..
وفي التحقيق التالي نبحث الظاهرة: أسبابها وتداعياتها على القطاع الصحي والمعالجات الممكنة..
إن هجرة العقول هي ما تعاني منه الدول النامية وخصوصاً اليمن فمعظم تراكمات الأزمات الخانقة جعل العقول الطبية تترك اليمن، هكذا بدأ الدكتور باسم العامري – مدير المستشفى الاستشاري اليمني، حديثه وقال: إن عوامل كثيرة “شخصية – مادية – تعليمية وعدم الاستقرار وغيرها” جعلتهم يتركون اليمن مما قد يعود ذلك على مستوى تقديم الخدمات الطبية بآثار وخيمة وصعوبة في التشخيص وإجراء العمليات المعقدة أو معرفة ماهية الأمراض المستعصية، وأيضاً قد يفقد الجانب الطبي مميزات عن بعض الأقطار في وسطنا الإقليمي إلى جانب أن ذلك يؤثر على مستوى الدخل العام للقطاع الصحي، حيث إن بعض العمليات تعتمد على تشخيص مثل هؤلاء الكوادر مما يجعل المرضى يضطرون إلى السفر خارج البلاد، وهذا يؤثر على مستوى الدخل القومي..
ويعيد الدكتور العامري أسباب هجرة العقول الطبية إلى الإغراءات والتسهيلات المقدمة للأطباء والعقول اليمنية من قبل الكثير من الدول لاسيما دول الخليج، والتي تستقطب الكفاءات اليمنية المتميزة، وتمتلك شهادات علمية من مدارس طبية عالمية وفي تخصصات طبية متعددة ومهمة لكنه يؤكد إصرار كثيرين على البقاء وعشق التحدي رغم الصعوبات والحياة القاسية التي يعانونها وطموحهم الجسور والرغبة الصادقة في خدمة أبناء الوطن.
لم يتمكنوا من العودة
فيما يرى الدكتور حمير الصايدي –مدير عام مستشفى الملك التخصصي- أن هناك كوادر رفضوا المغادرة، ولا زالوا صامدين، حباً في اليمن ووفاءً لها، وأخرون غادروا خشية الحرب لفترة محددة ولم يتمكنوا من العودة، والبعض لم يعد يرغب بالعودة بسبب الحرب والحصار الجوي والبري والبحري من قبل العدوان، لكنه يعترف بوجود مشكلة، وهنا يقول: “هانحن نواجه إشكالية في قلة عدد الكوادر الطبية الوطنية المؤهلة القادرة على التغطية والإحلال محل الكادر الأجنبي الذي كان موجوداً لدينا وغادروا، بالإضافة إلى قيام دول العدوان السعودي باستقطاب الكوادر الطبية الماهرة اليمنية والعربية برواتب باهظة، مما تسبب بمغادرة معظم الكوادر الوطنية وخصوصاً من فئة الشباب.
يؤثر في التشخيص الطبي
قدمت له العديد من المنح للسفر إلى الخارج وبمبالغ مغرية لكن حبه لوطنه وخدمة أبنائه أرغمه على عدم الهجرة إلى بلد آخر هذا هو الدكتور محمد حيدر الضلعي –استشاري باطنية وقلب بجامعة ذمار- الذي يقول: إن أكبر خطأ هو نزيف الهجرة للاستشاريين والأطباء المتخصصين المتميزين الذين يهاجرون يومياً إلى الخارج، حيث بلغ عدد الاستشاريين اليمنيين ما يقارب الـ200 استشاري من جميع المحافظات اليمنية متواجدون في دول الخليج!!
وعن ذمار تحديداً يقول: من جامعة ذمار رحل عدد كبير من أساتذتها وأكثر من 300 دكتور رحلوا من جامعة صنعاء حسبما أشار إليه رئيس الجامعة في حديث سابق معه، وما يقارب الـ160 طبيباً رحلوا من مستشفى الثورة وهؤلاء خيرة الأطباء، وكذلك 48 دكتور تخصص أشعة متواجدون في دول الخليج منذ أكثر من أربع سنوات، وهذا يؤثر سلباً بكل المقاييس في التشخيص الطبي في اليمن، وكل ذلك نتيجة المرتبات الهزيلة جداً التي يتقاضاها الطبيب اليمني مما سبب في تردي المستوى الطبي في اليمن.
وأشار إلى أن الطبيب بعد استكماله للدراسة يتركز كل اهتمامه في تكوين حياته التي يرى أنه يستحقها، ولكنه يتفاجأ بمرتبه المجحف والضئيل فيبدأ بالتفكير في كيفية الخروج من اليمن إلى بلد بإمكانه أن يقدر ما وصل إليه من علم.
تدهور الكم والكيف
ويوافقه الرأي الدكتور محمد المنصور –مدير عام مستشفى الثورة- حيث يقول: كثير من الكوادر الطبية اليمنيية رحلت بسبب المرتبات الضعيفة التي يتقاضونها وهم من المتخصصين في الأقسام الجراحية بمختلف أنواعها، إلى جانب تخصصات أخرى في قسم الأشعة والباطنية والمختبرات والعناية والطوارئ خاصة وأن دول الجوار تحاول استقطاب الطبيب اليمني كونه أكثر كفاءة وقدرة ومهنية كبيرة جداً ربما لا يجدونها في أي نظير آخر لديهم.
ويؤكد أن الصحة تعاني من تدهور حقيقي من ناحية الكم والكيف، أو بسبب العدوان السافر على اليمن حيث رحل العديد من الكوادر الطبية المحلية والأجنبية؛ بالإضافة إلى نزوح بعض الأطباء بسبب تأثرهم بالعدوان مما أثر كثيراً على القطاع الصحي في اليمن كون بعض العمليات النوعية التي بإمكانها أن ترتقي بالأداء الوظيفي الطبي تأثرت سلباً حيث انخفض معدل إنتاج العمليات إلى أقل من النصف بعد أن كانت تمثل أسبوعياً 100 حالة تقريباً.
وشدد المنصور على أنه يتوجب على المجلس العام للتخصصات الطبية اتخاذ قرار جدي بهذا الشأن ومعالجة الأوضاع ابتداء من تخرج الطبيب اليمني حيث يفترض عدم تسليمهم الشهائد إلا بعد أربع سنوات من الخدمة كجزء بسيط من رد واجباته نحو البلد، ومن ناحية أخرى معرفة ممارستهم وتجربتهم وخبرتهم في الطب ، وفيما تم دراسته.
وتابع: هذه إحدى المعالجات التي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار بالإضافة إلى إعادة النظر في سلم الأجور الذي يعتبر مهزلة حقيقية بكل ما تعنيه الكلمة لشريحة مهمة، وكذا إمكانية تدريبهم وانتقاء التخصصات النادرة وتأهيلهم في الخارج أو استقدام القدرات الخارجية للمساعدة على تأهيلهم التأهيل الصحيح والاهتمام بالجوانب البحثية التي تعتبر منعدمة وهي غاية في الأهمية.
تقاعس الوزارة في طلب الأطباء
على الجانب الرديف للأطباء أشار الدكتور فضل حراب –نقيب الصيادلة، الرئيس الدوري للاتحاد العام لنقابة المهن الطبية: إلى أن المشكلة لا تكمن برحيل الأطباء من اليمن سواء من تركوه بسبب الخوف من الوضاع الراهنة أو من يتبعون بعض الأحزاب السياسية، بل إن الإشكالية في أن وزارة الصحة لم تطالب بعودتهم ولم تعلن احتياجها للأطباء ولم تستدع الأطباء الذين على المعاش والأطباء المتخرجين من القطاع الخاص.
منوهاً بأن هناك كادراً من الأجانب غادروا اليمن ممن كانوا يغطون الأرياف وقد تركوا ثغرة كبيرة في المحافظات والأماكن البعيدة منها، ومع ذلك لم نر أي تفاعل من وزارة الصحة أو من مكاتبها في استدعاء الأطباء باحتياجهم وضرورة تواجدهم بهذه المستشفيات بل اكتفوا بالمستشفيات والأقسام التي تعمل حالياً في هذه المستشفيات.
ويضيف حراب: لا أحد مسستفيد من هذا الرحيل حتى الطبيب نفسه وإنما الضرر على المواطن في الدرجة الأولى باحتياجهم للأطباء وقد رأينا كم مستشفيات أغلقت، وكثير من الأطباء لم يجدوا أماكن للعمل إلا أنهم فتحوا معسكرات أو أماكن لاستقبال المرضى في حالة الحوادث التي وقعت في اليمن.
سد العجز
لكن الواقع ليس سيئاً إلى حد كبير فرغم أن الهجرة تسببت برحيل كثير من الأطباء من جميع التخصصات، والحديث للدكتور حراب: لكن الميزة هنا أن أغلب الأطباء المتخصصين متواجدون في عواصم المحافظات، ولذلك لم نر أي فارق في هجر أو هروب الأطباء المؤقت للخارج فكثير من الأطباء كانوا لا يعملون مع الدولة والآن وجدوا أماكن شاغرة في القطاع الخاص ويعملون فيها وهذا سد العجز وإلا فإن ذلك سيكون مؤثراً على البلد لو لم يتواجدوا في هذه المستشفيات.
ويقترح حراب بضرورة قيام وزارة الصحة بعمل إعلان عن احتياجها للأطباء خاصة ممن قد ذهبوا إلى المعاش وتعيدهم للعمل في المستشفيات، وكذلك الأطباء الذين لم يوظفوا مع الدولة من السابق ويعملون مع القطاع الخاص ويتم استدعاؤهم وسيقومون بتغطية الاحتياج الكامل في المستشفيات.
عجز 50% في القطاع الصحي!!
نشوان العطاب –وكيل وزارة الصحة للطب العلاجي- كغيره ممن رفض العمل خارج الوطن خاصة في ظل الظروف التي تشهدها البلاد، ويقول: لايمكن أن نترك بلدنا وسنعمل جاهدين في خدمة الوطن رغم الظروف، وكما أكد في حديثه على أن هناك عجزاً كبيراً في الكادر الطبي وهو يشكل 50% في المرحلة الحالية بالقطاع الصحي بشكل عام، وهذا -حسب وجهة نظره- نصف مشكلتهم في وزارة الصحة إلى جانب مشكلة الأدوية.
وأشار إلى أن عدد الكادرالطبي المتخصص حسب الإحصائية الأخيرة بحدود 2000 أما عدد الأطباء بشكل عام فهو 8000، وبحسب العطاب فإن ذلك العدد قليل جداً وشحيح في ظل مهاجرة الكوادر حصلت شحة أكثر ولا يوجد تجاوب من الجانب الحكومي برفع رواتب الأطباء على أسس علمية وليس بشكل عشوائي.
وقال إنه تم تقديم الكثير من الشكاوى أولاً بسبب خروج حوالي 1000-1200 من الكوادر الأجنبية من اليمن كانوا يخدمون في الريف إلى جانب هجرة الكثير من الكوادر اليمنية منها الكوادر الكبيرة حيث بدأت هجرتهم من عام 2011م فتزايدت وتيرة هجرتهم بسبب الحرب.
قانون الطوارئ
وعن الإجراءات التي قامت بها الوزارة لاستدعاء الأطباء يقول وكيل قطاع الطب العلاجي: وجهنا العديد من نداءات استغاثة متكررة لجميع الأطباء للتوجه إلى المستشفيات والتطوع وهناك من استجاب لذلك، ولكن البيئة طاردة لهم في القطاع العام إلى جانب ازدحام المستشفيات والأطباء، كما أن الرواتب لاتكفيهم فيتجهون إلى العمل في القطاع الخاص أو إلى دول الخليج كون شهاداتهم عالية ورواتبهم أيضاً.
مشيراً إلى أن ذلك يتسبب بنسبة شلل كامل للقطاع الصحي حيث وقد أغلقت كثير من المستشفيات والأقسام وقلت كفاءتها ، وكل ذلك انعكس على الخدمة وعلى المواطنين والمرضى.
ومن الحلول التي قاموا بها يقول: رفعنا إلى وزارة المالية موازنة لكل مستشفيات الجمهورية لدعم الكادر الطبي والأدوية وللمحروقات حيث تجاوبت اللجنة الثورية وحولتها إلى وزارة المالية ومنذ 4 أشهر نعاملها، وطبعاً خرج جزء وهو أقل من الثلث منها لكن لم نبدأ فيه حتى الآن حيث لازال محجوزاً، وهناك رفض في البنك المركزي وهنا الإشكالية التي تواجهنا لأننا نعمل حوافز للأطباء أو الممرضين أو الكادر الفني المناوبين في الريف تحسب يومياً بالساعة لكل مستشفى بمعدل يومي 100 وعشرة آلاف ريال والمستشفيات الكبيرة بمعدل 200 وعشرة آلاف ريال يومياً.
مؤكداً على أن العجز في مستشفيات الريف لازال موجوداً والمرضي يموتون ووزارة المالية والبنك المركزي لم يعيرا الموضوع أهمية ولا يوجد جديد في الموضوع، متسائلاً متى سيتم استخدام قانون الطوارئ إذا لم يستخدم في الوقت الراهن؟!
دعوة الأطباء
ولفت إلى نقطة مهمة بالقول: إن طوارئ الكادر التمريضي مهمة لأنه أغلقت في أمانة العاصمة أكثر من 50% من العنايات المركزة كانت تعمل قبل الحرب ما سبب عجزاً كبيراً وتم استقطاب كادر تمريضي للتطوع في المستشفيات الرئيسية وتحملت المستشفيات أعباء ثقيلة من جهة الرواتب حيث بدأوا متطوعين والآن طالبوا بالتعاقد والتثبيت.
ودعا الدكتور العطاب كل الأطباء للقيام بواجبهم الوطني في بلدهم الذي تربوا وتعلموا وتخرجوا منه، وكذا جميع الاطباء الذين في الخارج للعودة إلى اليمن والعمل في خدمته، كما ناشد وزارة المالية والبنك المركزي بسرعة صرف الأشياء الخاصة التي دفعنا بها كموازنة استثنائية ووافقت عليها اللجنة الثورية العليا ويجب عدم عرقلتها ما لم فسيتحملون مسؤوليتهم لأن ذلك يتسبب في غياب كثير من الكادر وتصعب إعادته مستقبلاً.