جولة ابن سلمان الخليجية.. توريط لا دعم
علي الدرواني
حرص ولي العهد السعودي محمد بن سلمان على أن تشمل جولته الأخيرة كل العواصم الخليجية، بغرض تحسين العلاقات داخل البيت الخليجي، وتصفير الخلافات كما عبر عنها الاعلام السعودي، هذا هو ما يريد بن سلمان وضعه في الصورة، لكن البيانات الثنائية في كل عاصمة، تقول أشياء أخرى، بدلالات مزدوجة، ظاهرها الدعم، وباطنها التوريط، والرغبة في إبقاء بن سلمان في ورطته وغرقه أكثر فأكثر في أعقد مشاكله على الاطلاق، وهي ورطته في اليمن.
البيانات الخليجية تناولت في بعضها الكثير من القضايا ذات الاهتمام المشترك، حسب تعبيرها، وكانت القضية الأبرز هي اليمن، المؤرقة للأمير الطامح الى العرش، والتي أجمعت البيانات على ذكرها، مع اللازمة السعودية (المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل وقرار مجلس الأمن الدولي رقم (2216) ومبادرة السعودية لإنهاء الأزمة اليمني). مع التأكيد على ان ذلك ناتج عن تطابق وجهات النظر.
صيغة البيانات تكاد تكون نفسها، عبارة عن نسخ ولصق، صاغها فريق محمد بن سلمان، قبل وصوله الى كل بلد، حسب ما يريد هو منهم قوله، مع ادخال بعض التعديلات التي تناسب كل بلد على حدة، وستكون تلك الصيغة هي صيغة بيان ختام القمة الخليجية المرتقبة أواخر الشهر الجاري.
كان لافتًا أن اتفاق الرياض، بين المرتزقة، لم يأت على ذكره الا البيان الاماراتي السعودي، بما يعني أن ذلك الاتفاق، هو شأن خاص بهما، لإدارة خلافاتهما في اليمن، ويؤكد أيضًا عدم تطابق وجهات النظر بشكل تام، والأمر ينسحب على بقية البيانات، من حيث عدم التطابق، لتصبح المسألة مجرد حفلة علاقات ومجاملات.
لم يكن هناك من جديد اذن في الموضوع، سوى أن جميع من التقاهم بن سلمان، لا أحد منهم قدم له النصيحة لانهاء أزمته في اليمن، صحيح انهم وافقوا على صيغته المتعلقة باليمن، لكنها ليست الصيغة الحقيقية والواقعية لمواقفهم، فمسقط لديها وجهة نظر مختلفة من أول لحظة لبدء العدوان السعودي، وقطر هي الأخرى خرجت أو أخرجت من التحالف مع بدء الازمة مع الرياض وابوظبي 2017، وظهر الخلاف جليا حينها، وتموضعت الدوحة في مكان مضاد للرياض، ولم تعد الى التحالف حتى هذه اللحظة. أما الكويت وان كانت قد شاركت في التحالف بعدد من الطائرات الحربية، الا أنها منذ استضافة المشاورات 2016، لم تعد شريكة للرياض بشكل كامل. واذا أتينا الى البحرين، فحضورها لا يعدو كونه اكمال للصورة. يبقى الحديث عن الامارات مختلفا بشكل جذري هذه المرة، فهي التي شاركت بشكل واسع الى جانب الرياض وحملت ثقلا كبيرا، ماليا وعسكريا وسياسيا، إلا إنها بدأت في الاختلاف الجذري مع الرياض، في عدة ملفات، أبرزها الملف الاقتصادي، والمنافسة المحمومة بين رؤية بن سلمان ومحاولة سحب البساط منت تحت الامارات، بمشاريع سياحية واقتصادية تضر بمكانة أبو ظبي ودبي، كلها انعكست على التحالف في اليمن، والعكس صحيح، فالإعلان الاماراتي فبراير 2020، عن انهاء وجودها العسكري في اليمن وإعادة نشر قواتها، والدخول في استراتيجية جديدة غير عسكرية، كان بحقيقته انهاء تحالفها مع الرياض، لأن الوجود العسكري بقي ولا يزال حتى هذه اللحظة. لا ننسى ان اعلان الانسحاب الاماراتي، جاء بعد توقيع ما سمي اتفاق الرياض، بين مرتزقة الامارات أو ما يسمى بالمجلس الانتقالي الجنوبي، ومرتزقة السعودية بمسمى الشرعية، ومع ذلك بقي الخلاف قائمًا ولم يتم تنفيذ ذلك الاتفاق، وقد حظي بذكر يتيم في البيانات الثنائية، اقتصر على البيان السعودي – الاماراتي كما سبق الإشارة اليه.
ما يمكن التأكيد عليه في هذه البيانات هو الخلافات أكثر منها تصفير المشاكل، وموضوع اليمن، مثال بارز على ذلك، لأن الجميع الآن في طور تصفير مشاكله نعم، فقطر حققت إنجازات بعودتها الى مجلس التعاون الخليجي، وانهاء الحصار، وقبول خصومها بها كما هي، وتخلصت من إجراءات العزل، السياسي والاقتصادي وحتى الجغرافي، وألغت القناة المائية السعودية لعزل البر القطري عن السعودي، بل وحتى احتمالية الغزو التي هدد بها بن سلمان، لاسقاط نظامها بالقوة.
الامارات أيضًا، استدارت في سياساتها الاستراتيجية، ولو ظاهريا على الأقل، وأعادت علاقاتها مع سوريا وتركيا، وتقوم بتحسين العلاقات مع ايران، وسحبت يدها جزئيًا من اليمن، وتعمل على تحصين نفسها من الضربات اليمنية، البالستية والمسيرة، وهذا يخدم فكرة تصفير المشاكل بشكل او بآخر.
لكن الرياض، حتى وإن حسنت علاقاتها داخل مجلس التعاون، أو تظاهرت بذلك، وكذلك مع تركيا، فهي لا تزال بعيدة عن سوريا، وعالقة مع الامارات أيضًا، وما يقصم ظهرها هو أزمتها في اليمن، التي أصبحت فيها وحيدة، تحصد الخيبات والهزائم والضربات الجوية شبه اليومية، بالصواريخ والطائرات المسيرة، وآخرها عملية 7 ديسمبر، التي وسعت أهدافها من شرق المملكة الى غربها ومن شمالها الى جنوبها، ليكشفت عورتها تقرير لصحيفة وول ستريت جورنال الأميركية نقلا عن مسؤولين أميركيين وسعوديين أن الرياض طلبت من الولايات المتحدة وحلفائها في الخليج وأوروبا تزويدها “على وجه السرعة” بصواريخ اعتراضية لصد الهجمات المتكررة، بعد أن بات مخزونها من صواريخ باتريوت يوشك على النفاد.
مع هذه المعطيات يمكن القول إن البيانات الصادرة في اللقاءات الثنائية، على الأقل المتعلقة منها بالشان اليمني، كانت بيانات توريط، لتبقى السعودية، وزعيمها المتهور والمنبوذ دوليا وعالميا، في المستنقع اليمني، ليحصد المزيد من الهزائم، ويتلقى العديد من الضربات، فبن سلمان مهزوم، يستجدي امدادات باتريوت، وحبر البيانات، افضل لهم بكثير منه منتشيا متخففا من ثقل الهزائم، ليبق اذن في المستنقع، ولتصرف له البيانات عن تطابق وجهات النظر.