ثِقَتُنا وَيِقينُنا.. ودروسٌ كثيرةُ من ثورة الإمام زيد
عبدالرحمن الأهنومي
خلال سبعة أعوام نجح الشعب اليمني في تقديم نموذج استثنائي على مستوى مواجهة الغزو والاحتلال وتحطيم مفاعيل الحروب الشاملة ، وعلى مقدرته في بناء مشروع قادر على تحرير الأرض وردع العدوان وتحقيق الحرية والاستقلال لليمن كل اليمن ، وعلى هذه المعادلة الماثلة يصبح القول بأن الشعب اليمني يخط تاريخاً لا يستطيع أن يكتبه أحد غيره ، ويرسم خطوط الاستقلال لذاته مستعينا بالله مستبصرا بأوليائه الذين واجهوا الطغيان في أزمان متعددة.
وقد عبّر قائد الثورة المباركة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي – في كلمته الاستثنائية التي ألقاها يوم أمس الأول بمناسبة ذكرى استشهاد الإمام زيد بن علي – عليها السلام – عن هذه الحقيقة ، وعن واقعنا اليوم كأحرار نواجه الطغيان الأمريكي السعودي البريطاني التحالفي الشامل، وعن واقع أولئك الذين انخرطوا في صفوفه ضد أهلهم وشعبهم وبلادهم في بداية الأمر ، وهم اليوم ضحاياه يُقتلون ويُجرحون خدمة ضافة لمصالحه ومساعيه الاحتلالية
وأولئك الذين انخدعوا في بداية المطاف ثم اكتشفوا اليوم حقائق الأمور ولكن بعدما خسروا مواقفهم وخسروا مراكزهم وخسروا بلادهم.
لم تغب صور تدفق الشعب اليمني إلى جبهات الشرف والكرامة وميادين الصمود والتعبئة طيلة سنوات العدوان عن الذهن ، ولم تغب قوافل الشهداء والجرحى عن الذاكرة كذلك ، أما العزم والإرادة والمسؤولية والوعي والبصيرة التي امتلكها الشعب اليمني – منطلقا من كتاب الله الكريم ومن الهوية الإيمانية التي يحملها اليمنيون جيلا بعد جيل – فقد تجسدت في كل ما شهدناه من مواقف وتحركات ومشاهد عظيمة لهذا الشعب العظيم منذ اليوم الأول للعدوان على اليمن وحتى اللحظة.
بالموازاة لم تغب عن الذاكرة العناوين والذرائع والدعايات التي سوقها التحالف العدواني لتبرير حربه الإجرامية على شعبنا ، ولن تغيب كذلك مشاهد القتل والدمار والجرائم البشعة التي ارتكبها التحالف ذاته بحق الشعب اليمني على طول سنوات العدوان عليه
ومن انخدع بالعناوين والدعايات كان يكفيه فقط أن ينظر ببصيرة ووعي إلى الجرائم التي مارسها تحالف العدوان الغاشم بحق اليمنيين أطفالا ونساء وشيوخا في المنازل والمدارس والمشافي والمنشآت والطرقات والمزارع وفي أحوال وظروف مختلفة ، وإلى التحالف ذاته الذي جمع في صفوفه بريطانيا وأمريكا وإسرائيل والسعودية والإمارات والجنجويد وطوابير طويلة من المرتزقة والعملاء المعروفين بالفساد والهوان والضعة ، ومن المأجورين والمدمنين والقتلة والشركات الأمنية متعددة الجنسيات كبلاك ووتر ونحوها ، ومن لم يستبصر لا بهذه ولا بتلك
فلينظر اليوم ببصيرة إلى ما يحدث في المهرة وسقطرى وميون وحضرموت التي احتلتها قوى العدوان رغم كونها بعيدة عن جغرافيا المعركة، التي يقول تحالف العدوان إنه يهدف من خلالها إلى إعادة سلطة ومواجهة تيار بعينه ، وحتى عدن التي وعدها المحتلون بالنعيم والجنان الخضراء بات وضعها البائس لا يخفى على المتابع شيئا.
لقد كانت لحظة التعبير الحقيقية عن الوطنية والانتماء للإسلام في تلك المواقف العظيمة التي جسدها أحرار وشرفاء هذا البلد ، حين تسابقوا من المدن والقرى والمناطق إلى حجز مواقع الشرف والبطولة والاندفاع إلى الجبهات لمواجهة العدوان ومرتزقته وهم يرددون “توكلنا على الله واستعنا بالله هو ربنا وهو حسبنا وهو ناصرنا” ، وكانت لحظة التعبير الحقيقية عن الخيانة والعمى والتردي في أتون الضلال والتيه حين انخرط المرتزقة والعملاء في صفوف العدوان وأيدوه وقاتلوا في سبيله
وكيف صار حالهم اليوم وواقعهم ، وآثار ما ارتكبوه من جناية بحق أنفسهم وبحق أهلهم ووطنهم وبحق اليمن تاريخا وحضارة وأرضا وهوية.
ستعود اليمن كاملة إلى عهد اليمنيين وسيادتهم الحرة والمستقلة ، هذا وعد قطعه قائد الثورة المباركة حفظه الله وهو وعد من الله لعباده المؤمنين بالنصر سيتحقق بالتحرك والمسؤولية والبصيرة قبل ذلك ، ويمكن لمن فاتهم شرف المشاركة في هذه الملاحم الجهادية العظيمة -إما انخداعا بالعناوين أو خوفا على المصالح أو تثاقلا بلا مبرر- أن يلتحقوا بالركب وينالوا شرف الدنيا وثواب الآخرة ، فالواقع والماضي يشهد أن اليمنيين يخوضون معركة هي من أشرف معارك الدنيا، والعدوان عليهم يشن من أحقر وأنذل وأشر أقوام الدنيا – يهودا ونصارى ومنافقين وملحدين ومرتزقة ومستأجرين- ومن يرى في الصهيوني والأمريكي والبريطاني والإماراتي والسعودي والجنجويد وبلاك ووتر وسواهم من المرتزقة أنهم بغير ذلك الخبث الذي نصفهم به، عليه أن يشاهد الواقع اليوم في المهرة وسقطرى وميون وغيرها التي يعبثون بها ويحتلونها، فمن باب الوطنية على الأقل أن يتجه لمقاتلتهم ومواجهتهم.
في مقام كلمة السيد القائد – حفظه الله – الكثير مما يمكن قوله وكتابته والحديث عنه ، فهي من أهم الكلمات على الإطلاق ، إذ تعيد تأكيد المواقف الثابتة، تجدد التمسك بها ، ويشهد الواقع والأحداث بصوابيتها وصحتها ، وخطأ مواقف الآخرين أكانوا عملاء ومرتزقة أو مخدوعين ، وما فيها من بصيرة، وبنظرة فاحصة على الواقع القائم تكفي لإعادة الجميع إلى يمنيتهم وإلى إنسانيتهم وإلى إسلامهم ، إلا من صار أعمى البصيرة فاقد الكرامة والإنسانية فسيبقى في تيه وعمى حتى آخر الدنيا.
ولعل ثورة الإمام زيد – عليه السلام – التي استمرت عهودا طوالا منذ القرن الهجري الثاني وإلى اليوم وتجسدت فكرا وثورات متعاقبة، نستحضر جانبا من أثرها في حاضرنا ، وما يسطره الشعب اليمني من بطولات وأمجاد وانتصارات بعون الله ، ذلك أنها ما كانت لتحدث إلا لأن شعبنا العظيم استبصر بتوجيهات السيد القائد القرآني السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي حفظه الله ، وتوجه بتوجيهاته ، واستبسل في معركة الدفاع عن اليمن مستمدا عونه وتوفيقه من الله ذي القوة والجبروت ، وكل ذلك حصيلة واعية لما تركه الإمام زيد في الأجيال من وصية باقية قالها لولده يحيى بن زيد الذي شارك في مواجهة الأمويين وعمره 18 عاما ، حتى إذا أصيب الإمام زيد وجد ولده بجواره يهنئه بالشهادة، فسأله ماذا أنت فاعل يا ولدي ، فأجاب سأجاهدهم حتى لو كنت وحدي ، فقال الإمام زيد جاهدهم فوالله إنك على الحق وهم على الباطل وإن قتلاك في الجنة وقتلاهم في النار، وتلك وصية امتدت وبقيت خالدة إلى اليوم وجسدت بطولات عظيمة سطرها أئمتنا وقادتنا عبر التاريخ.
ولعلنا نستذكر بالمناسبة كل تلك المشاهد البطولية التي سطرها أبطال مجاهدون في جبهات عدة وهم يواجهون المجنزرات والدبابات والمدرعات بأسلحة متوسطة وخفيفة ، كيف انتصروا عليها وكسروها في الميدان ، وأولئك الذين قادوا المعارك الاستراتيجية في مواجهة جيوش البغي والعدوان وكسروها وهزموها، بإذن الله وبالتوكل عليه ، وأولئك الذين صنعوا وأتقنوا الصناعات الحربية في مختلف المجالات ووفقهم الله لأن يكرسوا معادلات عسكرية لا يستهان بها غيرت موازين القوة وقواعدها المادية وأفشلت حرب التكنولوجيا الحديثة والذكية والفتاكة ، وأولئك الذين أحرقوا أعتى المدرعات بالولاعات في ميادين كثيرة ، وكم هي المواقف العظيمة التي يمكن لنا أن نستحضرها اليوم والتي نعدها ونعتبرها واحدة من المشاهد التي تجسد قوة الله التي يمنحها عباده حين ينطلقون في سبيله والذود عن عباده المستضعفين.
الحياة مواقف، يمكن للإنسان فيها أن يكون شيئا عظيما ، ويمكن أن يكون حقيرا مرتزقا عميلا خانعا مستكينا ، فمن قرروا منذ اليوم الأول مواجهة العدوان وتحركوا باندفاع نحو مقارعته وصده سيسجلون في صفحات التاريخ أنهم مناضلون أبطال ، وسينالون كرامة الدنيا وثواب الآخرة ، ومن قرروا خلاف ذلك – أكانوا مرتزقة انخرطوا في صفوف الأعداء وقاتلوا وقتلوا في سبيلهم وخدمة لأهدافهم ، أو مخدوعين ظلوا صامتين وخانعين – فسيصبحون لعنة وعارا أبديا لا ينسى ، فقد جنوا جنايات وخيمة على أنفسهم أولا وعلى شعبهم ووطنهم ثانيا.