العودة إلى المفاوضات خداع سعودي جديد.. أم نافذة للخروج من المأزق؟
محمد السادة
متى ما أراد الأمريكان، لبى آل سعود ومتى ما أراد آل سعود لبى هادي وحكومته في الرياض،هذه هي معادلة الحرب على اليمن وحقيقة العودة إلى المفاوضات التي لاتعكس بالضرورة حُسن النوايا للولايات المتحدة بقدر ما تتماشى مع أسلوبها في إدارة الأزمات،كما أن قبول السعودية العودة إلى طاولة المفاوضات قد لايعدو عن كونه مجرد تكتيك وخداع يحمل في طياته عدداً من الأهداف والنوايا الخبيثة، بالمقابل فإن المفاوضات لدى أطراف الأزمة اليمنية في الداخل خيار استراتيجي لامناص عنه.
جاء إعلان مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ عن استئناف العملية التفاوضية بعد جولات من المفاوضات غير المعلنة التي استضافتها العاصمة العُمانية مسقط بين أطراف الأزمة اليمنية بما فيهم السعودية والولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي، وقد صرح المبعوث الأممي ولد الشيخ أن القوى الممثلة للداخل اليمني (حركة أنصار الله والمؤتمر الشعبي) قدمت تنازلات كبيرة تظهر مزيداً من حُسن النوايا في سبيل وقف العدوان على اليمن، فبعد الانسحاب من عدن ومدن الجنوب، تم القبول بتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي (2216)، وفي هذا التوقيت الهام للسعودية تبرز حاجتها للمفاوضات لإعادة ترتيب الأوراق ومن ثم العودة إلى مربع الحرب من جديد وإن بأساليب مختلفة، منها زيادة الدعم للجماعات الإرهابية كالقاعدة وداعش التي تم تمكينها من السيطرة على عدد من مدن جنوب اليمن ، مع رفع وتيرة العمليات الإرهابية ومعاودة خلاياها النائمة العمل لنشر الفوضى ،مع محاولة فتح جبهات داخلية جديدة ،وما إعلان السعودية عن تشكيل تحالف إسلامي عسكري لمكافحة الإرهاب إلا جزء من خطتها لاستمرار العمليات العسكرية تحت ذريعة مكافحة الإرهاب .
أهم أسباب قبول السعودية بالعودة إلى طاولة المفاوضات
تماسك الجبهة الداخلية لليمن والصمود الإسطوري للشعب اليمني وتلاحمه مع الجيش واللجان الشعبية على مدار أكثر من تسعة أشهر، رغم حشد السعودية لكل إمكاناتها العسكرية وتحالفاتها الدولية وتفعيل أدواتها في الداخل اليمني من عملاء ومرتزقة .
انتصارات الجيش واللجان الشعبية،على صعيد جبهات القتال الداخلية مع تزايد التوغل في العمق السعودي وانهيار الخط الدفاعي السعودي في مدن نجران وجيزان وعسير، ويقابل ذلك تزايد اليأس السعودي وتحالفه من إحداث أي تقدم عسكري ميداني على جبهات القتال الداخلية في اليمن، بل على العكس فالانتصارات والضربات العسكرية النوعية الموجعة للجيش واللجان الشعبية على تحالف العدوان وعملائه تتوالى كضربة توشكا،وهي العملية العسكرية التي نفذها الجيش اليمني واللجان الشعبية مرتين الأولى دمرت مقر تجمع قوات تحالف العدوان فمنطقة صافر بمارب أما الضرية الثانية فقد دمرت مركز قيادة عمليات قوات تحالف العدوان بما فيه من عتاد عسكري في باب المندب وسقط في العمليتين المئات من قوات الغزاة ومرتزقتهم بالإضافة إلى الضربات البالستية الدقيقة الأخيرة التي طالت القواعد العسكرية داخل العمق السعودي . هذه الضربات القاضية تعكس القدرات العالية للجيش اليمني واللجان الشعبية عسكرياً واستخباراتياً،بل والقدرة العالية على توظيف ذلك سياسياً كون الضربات الأخيرة سبقت جولة المفاوضات الثانية.
محاولة التغطية على مظاهر الضعف والسلبيات لدى السعودية وتحالف العدوان الذي تقوده، لاسيما بعد تزايد انتشار القاعدة وداعش في محافظات الجنوب التي انسحب منها الجيش واللجان الشعبية وتخضع لسلطة قوات التحالف،حيث أصبحت القاعدة وداعش تسيطر على أجزاء واسعة من مدن عدن و شبوة وأبين وحضرموت .
بروز الأزمة الداخلية للنظام السعودي، فالخلافات داخل الأسرة الحاكمة
ويتمثل جوهر الخلاف في تصاعد عدم الرضا عن سياسات محمد بن سلمان التي توصف بأنها متخبطة وغير ناجحة،وفي مقدمة تلك السياسات الحرب على اليمن، لذا وجه بعض الأمراء عدداً من الرسائل العلنية تطالب بإقصاء الملك سلمان وولي العهد وولي ولي العهد وتنتقد تلك الرسائل ضعف الملك سلمان المشاكل الصحية التي يعاني منها الملك سلمان لاسيما تدهور قدراته الذهنية عنصر هام في الأزمة القائمة داخل الأسرة الحاكمة. كما يمر النظام السعودي بوضع اقتصادي هو الأسوأ في تاريخه،حيث تواجه السعودية عجزاً في ميزانية العام الجاري 2015م بنحو 20% أي مبلغ 120 مليار دولار، ، الأمر الذي اضطر النظام إلى السحب من الاحتياطي النقدي بمعدل 12 مليار دولار شهرياً.
تعري صورة النظام السعودي وبروز الوجه القبيح للنظام السعودي أمام الرأي العام الدولي، وتوالي الانتقادات لدول التحالف لما تتسبب به غاراتهم وحصارهم على اليمن من قتل للمدنيين وتشريد للآلاف وتدمير للمنشآت المدنية،مما فاقم من الوضع الإنساني وجعل الأمم المتحدة تعلن دخول اليمن المرحلة الثالثة وهي التصنيف الأسوأ للوضع الإنساني، كما بدأت العديد من وسائل الإعلام الدولية بتسليط الضوء على الوضع في اليمن والجرائم اللانسانية التي يرتكبها تحالف العدوان في حق الشعب اليمني .
الحضور الروسي العسكري القوي في المنطقة، من خلال الضربات الجوية ضد داعش والتنظيمات الإرهابية في سوريا التي تمولها السعودية وبعض حلفائها،
جولة المفاوضات الثانية انطلقت بسويسرا، وتم الإعلان عن هدنة لمدة سبعة أيام ،ولكن العدوان على اليمن مستمر ،وهذا مؤشر نحو اتجاه المفاوضات للتعثر ،رغم التخطيط السعودي المسبق للهيمنة على المفاوضات، وجعلها مخرجاً لمأزقها، مع إبقائها اليمن في حالة حرب واضطراب من خلال أدواتها التي سبق الإشارة إلى بعضها، وهذا ما لن يقبل به اليمن، وقد اتضح ذلك من خلال رسالة قوية للسعودية وحلفائها مفادها أن الجيش اليمني واللجان الشعبية قادران على امتلاك زمام المبادرة وما الضربات العسكرية النوعية ضد قوات تحالف العدوان وفي العمق السعودي إلا مثال واضح ،بالإضافة إلى إمكانية التوجه نحو بدء عملية رفع وتيرة التصعيد للخيارات الاستراتيجية ومنها إعطاء إشارة البدء للجيش اليمني واللجان الشعبية لدخول مرحلة الإسقاط الكلي لمدن الجنوب السعودي، عندها ستتغير وتتعقد المعطيات ويزداد المأزق السعودي سؤاً، بل وسيفضي إلى نتائج كارثية على نظام آل سعود الذي يعتقد خاطئاً أن استمرارية حكمه لمدة تجاوزت قرناً من الزمن كفيلة باستمراره لعقود قادمة، لكن معطيات الواقع تشير إلى أن هذا النظام دخل المرحلة الأخيرة من دورة حياته كآخر الأنظمة الملكية المستبدة في العالم وستنتهي الحماية الأمريكية الطويلة لهذا النظام بعد أن يستنفد كل مدخراته، بل ومدخرات أمرائه ،كما سيكون السيناريو الأمريكي لمرحلة ما بعد آل سعود جاهزاً.