يومُ الولاية.. اختبار واختيار
فاطمة محمد المهدي
يوم الغدير هو يوم عظيم جداً ومهم بالنسبة لمن هم تابعية وليس هو الأول، بل هو مشهد متكرر عبر تاريخ الرسالات الإلهية، فما من رسول إلا وعهد الله إليه اختيار وصي وولي من بعده، ينادي الناس إلى بيعته وتوليه ليكون مرجعية لهم في غياب أو موت الرسول صل الله عليه وعلى آله اجمعين.
وأقربُ مثالٍ على ذلك هو ما كان من استخلاف موسى لأخيه هارون، يوم ذهب لميقات ربه والذي قال الله تعالى في محكم كتابة :-{وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي}. وأقرب منه قول سيدنا محمد صلى الله عليه وآله لمولانا الأمام:-يا علي أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي)).
فهي سنة إلهية، وليست بشرية. ويوم الغدير ليس إلا مرحلة الإعلان الرسمي، والتتويج للخليفة-الوصي- الولي الإمام -علي بن أبي طالب- سلام الله عليه وكرم الله، وجهه الشريف. إذ سبقت ذلك وقائع وأحداث دلت على الاختيار، فالاختبار هو دليل اختيار سبقه منذ صبى الإمام علي عليه السلام حينما اختبره الله ورسوله في ليلة الفداء، ليلة تآمر المشركون على قتل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكان الله قادرا على منع الأذى عن نبيه وإهلاك المشركين بسهولة لكنه اختبار في الحب والولاء.
وقد كان مولانا الإمام علي أهلا لذلك، حين عرض على نبينا صلى الله عليه وآله وسلم أن ينام مكانه، حتى إذا دخل عليه المشركون قتلوه هو بدلا من النبي كان ذلك اختبارا للإمام علي وقد نجح فيه، وكان أهلا لذلك.
ويوم فتح خيبر تأملوا معي هذا المشهد : النبي صل الله عليه وعلى آله وسلم يقول للمسلمين:- ((لأعطين الراية اليوم لرجل يحبه الله ورسوله، ويحب الله ورسوله)). ثم أعطاها للإمام علي الذي فعل ما لم يقدر عليه أحد، وهو اقتلاع وحمل باب خيبر بيده واتخاذه درعا له، أي عظمة تلك التي لا تليق إلا بأمين الرسالة بعد حاملها؟!
وتأملوا معي يوم مواجهة المسلمين لــ عمرو بن ود والنبي صل الله عليه وآله وسلم يهتف بجموع المسلمين ((أيكم له))؟ فيتردد المسلمون قاداتهم وأبطالهم، ويشق سكوتهم قول الإمام علي عليه السلام ((أنا له يا رسول الله)) لكن النبي يثنيه عن ذلك ويعيد النداء ثلاث مرات، وفي كل مرة يشق صوت الإمام علي سكون وسكوت القوم ((أنا له يا رسول الله)موقف ثقة وإيمان، وبسالة، وعظمة. الكل يجبن أمام رجل إيماني البصيرة وسيد الحكمة ونبراس التضحية، والإمام يتلقى الأمر بكل حماس وبسالة وإيمان وثقة، لا تهتز فيه شعرة فيأذن له النبي الكريم صلى الله عليه وعلى آله بالمنازلة.
المواقف والأحداث كثيرة، وكلها شواهد على مقام الإمام، وعلى حتمية الاختيار. وقد كان رغم أنف الكارهين ولو كره الكافرون، ولو كره المنافقون ومن غير أمين الرسالة، وباب مدينة علم رسول الله، وزوج الزهراء سر الله ورسوله، حمل تلك الأسماء التي كانت حقائق : الوصي، الولي، الامام ..؟من غيره من الصحابة.
حمل لقب أو اسم الإمام ؟ أو اسم (الولي) أو (الوصي)؟ رغم انه كان أحدثهم سنا لا أحد غيره. ومن أكبر الصفات والقرائن التي تدل على أنه هو أمين الأمة والرسالة والخليفة والوصي والإمام بعد الرسول صلى الله عليه وآله، أنه حمل خاصية لم يحملها إلا الرسول، وهي أنه لم يصل قط خلف أحد، لم يأتم بأحد في صلاته، إذ لا يجوز لنبي أو وصي أو إمام أن يصلي وراء أحد بل يصلى وراءه ويؤتم به.
وفي يوم غدير خم كان الإعلان والتتويج الرسمي، يوم أن أخذ سيدنا محمد صلى الله عليه وآله بيد الإمام علي، ورفعها أمام الأمة، وأعلن التنصيب رسميا : ((من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم انصر من نصره واخذل من خذله، وعاد من عاداه)). هذا ليس طلب بل هو أمر واختبار وتلبية، واختيار. يقول عز وجل {{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} (المائدة-67).
و في يوم الغدير إعلان الرسول كان تصديقا للآية الكريمة والأحاديث الصحيحة عن ما نقل إلينا لقول رسول الله في الإمام علي عليه السلام. إنها سلسلة منتظمة وطريقة، وصراط وعروة وثقى . وليست عشوائية ومزاجية وأهواء ومصالح. سلسلة الهيئة منتظمة لا يسلك فيها إلا المخلصون منذ خلق الله السموات والأرض إلى قيام الساعة.. { وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا}. ولكن القضية هي : اختبار .. واختيار وليست بالإكراه والإجبار فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر.
منذ أن « وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً» يتكرر المشهد والاختبار والاختيار، ويتكرر الحدث ونحن نحمل يوم الغدير في ذاكرتنا ووجداننا وقلوبنا، ونحييه ونحتفل به لأنه امتداد لولاية رسول الله للإمام علي، ونحن نجدد امتدادنا للولاء والتسليم والطاعة لتلك السنة والاختيار. {وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}.