عيـد الولايـة والغدر بالغدير
يمانيون// بقلم ا./ عبدالرحمن الشبعاني
وفي ذكرى مناسبة الغدير
يطيب لي أن أتحدث عن صاحب الولاية الإمام علي بن أبي طالب -عليه السلام- من زاوية مختلفة :
لم يُظلم أحدٌ بهذه الدنيا من البشرية كما ظُلِم الإمام علي عليه السلام
أعداؤه قاتلوه
وأصحابه خذلوه .
حاربه أعداؤه لمعرفتهم به حق المعرفة، عرفوا مكانته وعلمه وحكمته وعدالته، ورحمته بالمؤمنين، وشدّته وبأسه على الظلمة والمتكبرين …
عرفوا حجمه، لو استقر له الأمر كان عرف العالم كله معنى دولة البناء والتمدن والحضارة والرقي والعدالة والسلام، وعرفوا معنى دولة الإسلام وعظمتها، وعرفوا معنى خلافة الله في أرضه للمخلوق الآدمي، وعرفوا من هو خليفة الله الحقيقي في أرضه…
لذلك حاربوه منذ أول لحظة استلم القرار، بهدف خلط الأوراق أمامه، وبهدف تشطينه وتنفير الشعب والأمة من دولته والإلتفاف حوله .
أصحابه خذلوه : لجهلهم به ومكانته وحكمته وبُعد نظرته السياسية ولجهلهم عمق استراتيجية دولته وقراره …وبسبب عدم اهتمامهم واللامبالاه بتوجيهات رسول الله الأعظم (محمد) صلى الله عليه وآله وسلم حين قال : (علي مع الحق والحق مع علي) – (علي مع القرآن والقرآن مع علي يدور معه حيث دار) – (علي مني بمنزلة هارون من موسى) – (مَـن كنتُ مولاه فـهذا عـليٌّ مولاه…)
فالإمام عـلي -عليه السلام- أصبح ضحية تفريط وخذلان أصحابه أكثر من كونه ضحية غدر أعدائه.
ومن هنا نخلص لحقيقة مهمة : إن الأعداء يعرفون العظماء من بيننا ويعرفون مكانتهم وحجمهم أكثر مما نعرفهم نحن.
ولأن الأعداء يعرفون العظماء في أوساطنا، يسعى الأعداء لاستهدافهم تدريجياً على النحو التالي:
أولاً: تهميشهم بحجبهم وتغييبهم عن المشهد في الساحة الإعلامية والسياسية والفكرية، وإبعادهم تماماً عن الوسط الإعلامي والسياسي والفكري والرأي العام.. ليبقوا مجهولين وغرباء حتى في مجتمعهم المحيط بهم.
ثانياً : اعتماد التقليل من شأنهم في أوساط المجتمع لأهمية خطاباتهم وكتاباتهم وإرشاداتهم وتوجيهاتهم ونصحهم..والحيلولة دون لفت الأنظار إليهم، بهدف إقصائهم ووأدهم فكرياً ومجتمعياً وسياسياً ومكانة.
ثالثاً : إطلاق الألقاب والميزات الفخرية لهذا وذاك ممن يطمحون للظهور في الشاشة، ويحبون أن يُحْمَدوا بما لم يفعلوا.
رابعاً : استقطاب وتسخير الكثير من الأبواق الإعلامية الجاهلية والأقلام الكُتَّابية المتسلّقة والمأجورة للكتابة عن فضائل المنتحلين للفضيلة وترميزهم، والترويج لها إعلامياً، واستعطاف واستمالة العامة من الناس واستخدامهم للتصفيق والتطبيل والتلميع لتلك الشخصيات الوهمية …
ولله درُّ القائل : أعطني شعباً بلا وعي أُعطِـكَ إعلاماً بلا ضمير.
وأصدق ما جاء في قصيدة عمرو بن العاص المسمّاه بـالجلجلية حين وجّهها لمعاوية بن أبي سفيان وهو يعاتبه على إسقاطه من ولاية مصر وتنصيب عبدالملك بن مروان والياً عليها، بعد أن استتب له الأمر وبعد كل تلك الأحداث الدامية والصراع السياسي المرير بينه وبين الإمام علي بن أبي طالب -عليهم السلام- التي تخللها مساعدة ومساندة ودعم عمرو بن العاص لمعاوية سياسياً وعسكرياً وإعلامياً ولوجستياً، فغدر به معاوية -وهي عادتهم تجاه أصدقائهم ناهيك عن أعدائهم-، فمما قاله عمرو بن العاص في جلجليته :
(فقلتُ نعم، قُم فإني أرى
قِـتـالَ المُـفَـضَّـل بالأجهـلِ )
يقصد بالمفضل الإمام علي عليه السلام، ويقصد بالأجهل المرتزقة والعامة من الناس الذين لايفطنون لشيء ولايفرقون بين الناقة والجمل …وما أكثرهم وأقلَّ وعاء الصدق والمعرفة والدين .
كل هذا يفعله الأعداء وينتهجونه رغم معرفتهم وعلمهم ويقينهم بأحقية ذك ومكانته…
والشاهد عليه من قول عمرو بن العاص أيضاً في نفس جلجليته وهو يذكّر معاوية بحجمه وقيمته مقابل مكانة وحجم وقيمة الإمام علي -عليه السلام- بقوله:
(فإن كان بينكما نسبةٌ
فأين الحسامُ من المنجَلِ
وأين الثريّا وأين الثَّرَى
وأين معاويةٌ من عـلـــي)
وهكـذا
#العظماء ضحية الأغبياء، أكثر من كونهم ضحية المنحرفين وفريسة الأعداء.
#ونتيجة الغباء والتفريط بالعظماء : الدين كله ضحيّة، والأمة كلها ضحيّة.
*ناشط ثقافي وسياسي