“هاني طومر” أحبته السماء وخلدته ذاكرة الأرض
عفاف البعداني
لم تكن الروح رخيصة ولم يكن الموت شيئاً سهلا، حتى أزيز الرصاص وحر الشمس ووعورة التضاريس وقيادة الدبابات، وهجر الأهل والمسكن ليس بالشيء السهل، الجهاد بكله ليس لعبة مسلية وليس كل من التحق بالمسيرة أصبح مجاهدا، لا… لا… الأمر أكبر من هذا كله، إنها الروح الجهادية عندما تتربع بقاع الفؤاد يتحول الإنسان إلى كتلة مشعة بالإيمان
لا يخاف من موت ولا ينازعه هلع، لا تحده مزاجية التضاريس ولا توقفه منطقة محاصرة، يمضي باذلا روحه، وساخيا بأغلى ما عنده، ما يمر على بقعة ولا أرض ولا حقل ولا سهل إلا وأكسبه من نوران قلبه صموداً، ومن جلادة صبره ثباتاً، تسلم عليه الأرض وتقبله غيوم السماء، وتطبطب على كتفه حبات المطر، تحرسه الملائكة وتلوح له الجبال من بعيد أن طاب ممشاك، وكأن جميع كل الكائنات باتت تعرفه وتدعو له كل ساعة، السمك، الطيور، الليل، الصبح، الأمهات جميعهم رأوا البقعة الجهادية تشع زمهريرا واضحا في محياه .
إذًا القضية أكبر مما نتصورها، المسألة ليست بالبساطة التي نراها في التلفاز أو نتصورها في مخيلتنا، هذه كرامات ولدت في جبهات العز والشرف، هذه فصائل دموية نادرة شبت على حب الله وإعلاء كلمته، هذه مواقف سوف تردع كل من سولت له نفسه باحتلال اليمن، سوف تدخل العالم في أكوام من الدهشة وخضم وافر من الجنون، يخوضون المعارك ببسالة وكأن سلامة العالم وتطهير المقدسات الإسلامية هم ملتصق في نفوسهم العشرينية
فأحلام المجاهد *هاني طومر* وكل المجاهدين لم تقتصر على سلامة الذات أو الأهل والمجتمع أو حتى على الدولة، لا بل السيد -سلام الله عليه- زرع فيهم مسؤولية الأرض والمقدسات وكل بقعة محتلة في هذا العالم، إنها تربية السيد متطلعة لما هو أكبر من المحدود والموجود والمرئي، إنها آيات الله ومن غيرها تتربع في محرابهم القلبي تضخ كل يوم شجاعة بكميات متوالية لا حصر لها.
وما تلك البطولة التي جسدها “هاني طومر” إلا دليل شافٍ وحجة دامغة لكل العالم، على أن قضيتنا هي قضية دين، قضية وطن وشعب أبى حياة الذل وعشق الحرية، قضية تغير الواقع إلى مستقبل أفضل، قضية تعبر عن نفسية الشعب اليمني وجهوزيته في خوض الحرب لأعوام متتابعة، وكم ساورنا الاعتزاز أيها الشهيد، كم ناولنا الفخر بأننا عرفناك وعاصرنا زمانك النضالي، استشهدت يا “أبو فاضل” وقبل استشهادك علمتنا أن نعيش أعزاء لا أذلاء
أن نعيش أحراراً وليس سُجناء، أن نبقى شامخين لا خاضعين، من بين رصاصات الموت مررت حاملا في عاتقك كل العزائم، كل المكارم، كل الفضائل، أي مسؤولية كنت تحملها وأي عظمة شبت في روحك العشرينية، “هاني طومر” ستبقى منهجا شاملا يدرَّس لجنود المستقبل، ستكون تاريخا لأجيالنا القادمة، سأخبر تلاميذي الصغار أي شخص هو أنت، وأي روح عاشت فيك