الصرخة… هتاف الحرية ومشروع الإنتصار
يمانيون// تقرير
مشروع الصرخة ( الله أكبر ، الموت لأمريكا ، الموت لإسرائيل ، اللعنة على اليهود ، النصر للإسلام ) الذي أطلقه الشهيد القائد السيد حسين بدرالدين الحوثي ، لم يكن ترفا فكريا، ولا عملا عبثيا، بل كان ضرورة فرضها الواقع المنحط للأمة، وأكدتها قيم الدين الإسلامي الحنيف، ومبادئ الإنسانية السمحة، فالحرية مقدسة حتى لدى الحيوانات، والعيش بكرامة وعزة حق مشروع كفلته كل الشرائع السماوية، والقوانين والدساتير البشرية، وحماية النفس والدفاع عنها من بطش الظالمين، وعبث المستهترين، فطرة ربانية أودعها الله في جميع خلقه، وهيئ لها من الأسباب والوسائل ما يحقق لها ذلك.
فالحياة التي تحيط بها سياجات الكبت، والقهر، والإذلال، وتصادر فيها الحريات والحقوق، ويغيب من واقعها العدل والمساواة، وتنتزع منها كل سمات الخير والفضيلة، وتترعرع في ساحتها العنصرية والرذيلة، ويبقى فيها العلو والشأن للتسلط والقمع والاستكبار، حياة يرفضها الجميع، ولا يستسيغها إلا أراذل الناس، ممن خرج على دينه، ومبادئه وقيمه وهويته.
وفي ظل مرحلة غُمِرت فيها الأمة في وحل الفساد والرذائل، وآثار التقصير والقصور والخنوع والارتداد الديني، والتخلي عن الهوية فرأت الصمت دينا، والصبر على القهر والذلة قربة، وأيقنت أن الاستسلام لجلادها هو سبيل النجاة المتبقي أمامها، نهض الشهيد القائد السيد حسين بن بدر الدين الحوثي ـ رضوان الله عليه ـ بما وهبه الله من مؤهلات القيادة، نهض من أوساط ذلك الخواء ليتحمل المسؤولية في توعية الأمة، وتبصيرها سبل الخلاص مما أوصلها إليه أعداؤها، من شتات وذل، وضعف وعداوة بينية، وتخل عن هويتها وحقوقها وتنكر لدينها ومبادئها وقيمها،
نهض الشهيد القائد لا أشرا ولا بطرا وإنما ناصحا ومرشدا وهاديا بكتاب الله وداعيا إليه حاثا أمته وقومه على الاعتصام بحبل الله والرجوع إلى كتاب الله والاعتماد على الله والتحرك لمواجهة الأخطار التي تهددهم والتخلص من آثار التقصير الذي لحقهم.
وحينما نستعرض واقع الأمة ومدى ما وصلت إليه من ذل وقهر وخسائر على كل المستويات سنرى بأن ذلك الواقع لا يمكن لأي إنسان مؤمن واع وفاهم أن يسكت عليه مهما كان حاله ومستواه ومهما اعترضته من مشاكل وصعوبات، فعلى المستوى السياسي عمل أعداء الأمة من الأمريكيين والإسرائيليين وغيرهم على هندسة هذا الواقع بكل ما يضمن لهم السيطرة التامة علينا، والانتقام منا كأمة مسلمة، والإذلال لنا وبما حقق لهم إضعافنا والوصول بنا إلى حافة الانهيار من خلال صناعة واقعًا سياسياً مأزومًا مليئًا بالمشاكل غارقا في النزاعات، والخلافات والأزمات والصراعات، لا نستطيع أن نبني أنفسنا وواقعنا، ولا أن نحل مشاكلنا وأزماتنا.
كما عمد العدو إلى المستوى الإعلامي فحول نشاط كثير من الإعلاميين في داخل الأمة لخدمة مصالحه فدجنوا له الأمة وأضلوها وبرروا مواقفه وسياساته ومساراته العملية في استغلالها والسيطرة عليها وغطوا على الحقائق وزيفوا الوقائع، وصنعوا رؤية مغلوطة في أوساط الأمة ونظرة خاطئة وغبية تجاه كل تحركات هذا العدو، وهذا الخداع وهذا التضليل أثر على مواقف الأمة، وساعد على تكبيلها والانحراف بها عن مساراتها الصحيحة في مواقفها ومشاريعها العملية.
أما الجانب الثقافي فهو الجانب الأكثر استهدافا فقد سعى العدو في كثير من البلدان العربية إلى السيطرة على المدارس والمناهج المدرسية والجامعية، والتأثير السلبي على كثير من المدرسين في آرائهم وأفكارهم وما يقدمونه لتلاميذهم وطلابهم، بما يرسخ فيهم الولاء بإخلاص للأمريكي والإسرائيلي، ويبعدهم عن كل ما من شأنه أن يصنع وعياً ونوراً لهذه الأمة وفهماً صحيحاً لها تجاه واقعها وتجاه أعدائها كذلك سيطر على الخطاب الديني فأوجد علماء سوء وضلال عملوا لصالحه، فدجنوا له الأمة، وبرروا سياساته ومواقفه ضدها وافتوا بجواز قتل أبنائها واستباحة أعراضهم وهونوا خطورة هذا العدو عليها بل صوروه بأنه نعمة منَّ الله به على هذه الأمة لتدمير شعوبها وقتل أبنائها كما جاء على ألسنة الكثير من علماء التكفير الذين يسطرون كل فترة الفتوى التي تناسب السلطات العميلة لأمريكا.
أما على المستوى الاقتصادي فقد سيطر أعداء الأمة على كل ثرواتها وإمكاناتها، وحولنا نحن في واقعنا الاقتصادي إلى مجرد سوق استهلاكية لمنتجاتهم حتى أصبحنا أمة عطلت في داخلها الإنتاج والاستغلال والاستفادة من خيراتها وثرواتها، أمة تعيش حالة دائمة من الأزمات والمشاكل والمحن الاقتصادية، التي تجعل منا أمة فقيرة وبائسة وشقية، تفرض عليها سياسات اقتصادية تعتمد على الربا ت وعلى الاستيراد بشكل تام، وعلى سياسات إدارية خاطئة نتج عنها بطالة وضياع وبؤس وعناء بشكل واسع وكبير مما ساهم في نشوء مشاكل اجتماعية واقتصادية، وبيع للضمير والأخلاق والولاءات والمواقف، وارتهان وخنوع لصالح الأعداء،
كما جند الكثير من أبناء هذه الأمة كمقاتلين واستخدمهم كدروع بشرية في معاركه سواء داخل هذه الأمة كما فعل ويفعل اليوم في كثير من الأقطار العربية، أو خارجها كما فعل في حربه ضد الروس في أفغانستان، فخاض معركته مع الاتحاد السوفيتي آنذاك بمقاتلين ومجندين من أبناء الأمة، من كل بلدانها وشعوبها، وبأموال مدفوعة من ثروة هذه الأمة، دفعتها آنذاك أنظمة عربية على رأسها النظام السعودي.
وهكذا في كل المجالات و الاتجاهات سعي للسيطرة الشاملة علينا، فقد أراد أن نكون نحن وكل ما بأيدينا، تحت سيطرته، وأن يكون هو المتحكم في كل شؤون حياتنا، نوالي من يوالي ونعادي من يعادي ومؤدى هذه الحالة إن رضينا بها كارثي علينا وخسارة بكل ما تعنيه الكلمة، خسارة في الدنيا و الآخرة، لأنك عندما تضحي بكل شيء لصالح عدوك، فمؤدى ذلك الذلة والاستسلام والعمالة والإفلاس دينيا واقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وعسكريا وعلى كل المستويات.
أمريكا وعداؤها للبشرية
عندما أطلق الشهيد القائد (رضوان الله عليه) شعار البراءة من اليهود والنصارى في 2002 م، خص بالقول أمريكا وإسرائيل (الموت لأمريكا ـ الموت لإسرائيل) لأنهم يمثلان رأس الشر ومصدر الفساد، ولأنه كان يعلم جيدا من هي أمريكا صانعة الإرهاب، وراعية الفساد، وصاحبة أكبر رصيد إجرامي بحق البشرية في تاريخ العالم، فهي الدولة التي نشأت على أشلاء الأبرياء، وكبرت وتمددت على أجساد الملايين من بني البشر في مختلف أقطار العالم، إذ لا يكاد يوجد شعب أو أمة في هذا العصر، إلا وأكتوى بالنار الأمريكية، وعانى من الصلف، والمكر، والكيد الأمريكي، فهي بحق عدوة الشعوب، ومصاص الدم البشري،
فأمريكا صاحبة أبشع وأفظع المجازر بحق البشرية، سواء في العراق، أواليابان، أوفيتنام وأفغانستان، أواليمن وليبيا، أوكوريا ويوغسلافيا، أولبنان وفلسطين، أو أينما وليت وجهك فثم تجد الظلم والبغي الأمريكي، فمن سلم من نار السلاح الأمريكي لم يسلم من نار المكر، والخديعة، والتهديد، والمكائد الأمريكية، وسيبقى ظلمها واستبدادها بهذه الشعوب نقطة سوداء في تاريخها الدموي، مابقيت تلك الشعوب تعاني من آثار أسلحة الدمار الشامل الأمريكية، كما في اليابان والعراقي الذى عانى ولازال يعاني من ويلات الغزو الأمريكي وتبعاته سواء من حيث فقدان الملايين من أبنائه أو من حيث الدمار الشامل الذي لحقه أومن حيث تفكك نسيجه الاجتماعي وتقسيمه وإيجاد بيئة خصبة لنشوء المشاكل وبروز الكثير من العوائق ومنها العوائق الاقتصادية الناجمة عن نهب ثرواته ومقدراته المالية.
وكما كانت أمريكا وراء الكثير من الحروب والنكبات في كثير من شعوب العالم، بفعل تهورها باستخدامها لأسلحة الدمار الشامل كالسلاح النووي، والكيمائي، فهي بلا شك وراء مآسي العالم من الأوبئة والأمراض الفتاكة، بفعل استخدامها وتطويرها المستمر لهذا السلاح البيولوجي الخطير جدا، واقدامها بقصد أو بدون قصد على نشر كثير من الفيروسات والجراثيم القاتلة ، كوباء الجدري، وا1لطاعون، والجمرة الخبيثة، التي اجتاحت العالم وحصدت أرواح الملايين من البشر، خلال وبعد الحربين العالميتين، والتي كادت تقضي على بعض الأقليات كالهنود الحمر، الذين وزعت لهم فرشا موبوءة بالجدري، كما أنها بلا شك وراء ما يعاني منه العالم اليوم من تفشي وباء كورونا الذي حصد أواح الآلاف في مختلف دول العالم، ولايزال مستمرا في حصاده إلى أجل غير مسمى، وهذا ما أكده السيد عبد الملك يحفظه الله.
وأمريكا هي صاحبة أكبر المعتقلات والسجون في العالم، وهي أكبر منتهك لحقوق الإنسان، وأكبر مبيد للأقليات العرقية، وهي قاتلة والأسرى، وصاحبة أفظع المعاملات بحقهم، وجوانتانامو وسجن أبو غريب خير شاهد على ذلك.
وأمريكا أكبر مستهين بالأديان السماوية، والمعتقدات البشرية، وأكبر مستهتر ومستهدف للرموز والمقدسات البشرية، فهي وراء حرق القرآن الكريم، وتدنيس المقدسات الإسلامية، والإساءات المتكررة إلى رموز الإسلام وعلى رأسهم نبي الإسلام محمد صلوات الله عليه وعلى آله.
وأمريكا أكثر دولة تملك رصيدا هائلا من جرائم الحرب بحق الأبرياء والعزل فهي من تقصف شعوبا بأكملها، دونما مراعاة لأبسط حقوق الإنسان، ومن دون تقيد بأي قرار أو معاهدة تجرم أو تحد من قصف الأبرياء، أو الالتزام بأي من أخلاق الحروب وأدبياتها، فهي بحق قاتلة الأطفال، والنساء، والعجزة والمسنين، والمعاقين والمكفوفين، وهي سفاكة دماء الأبرياء في الأسواق والمحافل، والأعراس والمناسبات، ومجالس العزاء، والمساجد، والمدارس، والجامعات، وهذا ما لمسناه وعايناه، وعانيناه لست سنوات من العدوان الأمريكي بنعاله العربية على شعبنا اليمني العزيز.
وهي أكبر محاصر للشعوب، وصاحبة أطول عقوبات في التاريخ البشري، حيث أمتد حصارها للشعب الإيراني منذ السبعينيات وإلى اليوم، كما أنها راعية ومهندسة الحصار المستمر على شعبينا العزيزين الفلسطيني واليمني، ولازال الكثير من شعوب العالم يعاني من الحصار الأمريكي، حتى صار الحصار في قاموسها السياسي قانونا تتهدد به من تشاء وتفرضه على من تشاء، متى شاءت وكيفما شاءت.
وأمريكا أكبر داعم وممول للإرهاب سواء الإرهاب الدولي المتمثل في العدو الإسرائيلي وبعض الأنظمة العربية كالنظامين السعودي والإماراتي أو الإرهاب التنظيمي كالقاعدة وداعش والنصرة وبوكو حرام وأنصار الشريعة …إلخ.
وأمريكا هي أكبر من ينتهك حقوق الإنسان، ويصادر الحريات، ويكمم الأفواه، وينتهك حقوق الأقليات والقوميات كفعلها مع مواطنيها من الهنود الحمر وكذلك بعض الأقليات في العراق الذين كادت أن تصل بهم إلى حد الانقراض وهي أكبر من يهدد الأمن والسلم الدوليين، من خلال ما تقوم به من تدريبات عسكرية سرية لمليشيات وعناصر تخريبية ولبعض الجيوش النظامية، في كثير من بلدان العالم وخاصة مع حلفائها من دول العالم الثالث كما تفعله في كثير من بلدان أفريقيا، بهدف مساعدة تلك الدول على قمع الحريات، وتشجيعها على انتهاك حقوق الإنسان، وكذلك من خلال تسترها وحمايتها لتلك الدول التي تنتهك حقوق مواطنيها مابالك بغيرهم فتحميها من الملاحقة القانونية في أروقة الأمم المتحدة ومجلس الأمن كما هو ديدنها مع ربيبتها إسرائيل وحلفائها في الخليج العربي.
وأمريكا أكبر من تتاجر بمعاناة البشر فتغسل أدمغتهم، وتستغل ظروفهم المعيشية التي أوصلتهم إليها، من خلال جشعها، وطمعها، واستيلائها على ثرواتهم ومقدراتهم الاقتصادية، فتشتري ولاءاتهم، وضمائرهم وذممهم، وتجندهم ضد شعوبهم، وأممهم لكي تثير بهم الفوضى وتزعزع بهم أمن واستقرار تلك الشعوب، في الوقت الذي تريد وكما تريد، كفعلها في الوطن العربي من خلال تنظيماتها الإرهابية التكفيرية الداعشية أو ما تفعله في القارة السمراء من خلال عدد من التنظيمات التي أنشأتها ودربتها.
وأمريكا أكبر مهندس للأزمات الاقتصادية والأمنية داخل دول العالم وأكبر مثير للشغب وأكبر داعم للانقلابات وهي من تلتف على ثورات الشعوب المستضعفين المشروعة كثورة الشعب البحريني والشعب المصري أو تحاول كسبها لصالحها كثورة الشعب الليبي أو القضاء عليها كثورة الشعب اليمن في 21 من سبتمبر.
الصرخة مشروع من أجل الأمة
لم يكن عملاً استفزازياً موجهاً ضد أي أحد من داخل الأمة، ولم يكن المقصود به استهداف أي جهة، ولم يكن من منطلق طائفي ولا مناطقي أبداً، ولذلك كان ينبغي أن تكون النظرة إليه والموقف منه من الجميع نظرةً إيجابية وموقفاً سليماً، فالمشروع هو للأمة، من أجل الأمة، للدفاع عن الأمة، لبناء الأمة في مواجهة أعدائها، وهو ضد أعدائها الحقيقيين الواضحين الذين ألحقوا بها الذل والهوان واستباحوا فيها كل شيء، الدم والمال والعرض والأرض والشرف، وداسوا على الكرامة، ولم يتحاشوا من فعل أي شيء بالأمة مهما كان بالغ الأذى، ومهما كان بالغ السوء، ومهما كان في منتهى الشر ومنتهى القسوة ومنتهى الطغيان، وكان المؤسف هو ما وُوجِه به هذا المشروع ومنذ البداية، ويمكننا أن نصنف الموقف العام من هذا المشروع على النحو التالي :
كان هناك الكثير الذين تعاملوا مع هذا المشروع بالتقبّل وبدافع الشعور بالمسئولية من الأحرار والواعين الذين كان يحدوهم دائماً الشعور بالمسئولية، وكان يحدوهم أيضاً الضمير، الضمير الحُرّ والحي الذي كان دائماً يجعلهم مستاءين من الواقع العام الذي لا يمكن أن يرتضيه أي حُرّ أي مسلم، أي إنسان بقي على فطرته، فكان هناك فعلاً من تفاعل مع هذا المشروع وتقبّله وناصره وانطلق في إطاره، كمشروعٍ للأمة كل الأمة، ولمصلحة الأمة كل الأمة.
كان هناك أيضاً من لم يتقبّل هذا المشروع نتيجةً لعدم الفهم لجدوائيته وأهميته وفائدته، وهذا الصنف من الناس الكثير منهم لم يعط لنفسه الفرصة للاطلاع الكافي على الخلفية الثقافية لهذا المشروع، الخلفية الثقافية والفكرية لهذا المشروع، وكان البعض متسرعاً عندما أدى موقفه الرافض لهذا المشروع، أو المعرض عنه وغير المبالي به، ولو أن البعض سمح لنفسه، ودفع بنفسه وأعطاها الفرصة اللازمة للتأمل والتفهم والاطلاع الكافي، بالتأكيد أن أي منصف كان سيتفاعل إيجابياً مع هذا المشروع.
البعض لم يتقبّل هذا المشروع نتيجةً لليأس والإحباط والهزيمة النفسية التي استحكمت وتعمَّقت في نفوس الكثير من أبناء الأمة للأسف نتيجة أمور كثيرة، النشاط التثقيفي غير المجدي غير الفاعل، غير النافع، النشاط التعليمي التثقيفي الذي لم يَصُبّ في الاتجاه الصحيح لبناء الأمة بناءً صحيحاً، بناءً سليماً، بناءً يجعلها في مستوى المسئولية،
وفي مستوى مواجهة التحديات والأخطار، نتيجةً للحرب الإعلامية والتضليلية التي تسعى إلى تدجين الأمة وتعزيز حالة الذل والهوان والاستسلام والخضوع، الجهود الكبيرة التي تبذل بكل الوسائل وكل الأساليب لتركيع الأمة، وإبقائها في حالة الخضوع المطلق لأعدائها، جعل الكثير يعيش في واقع حالة اليأس، حالة الإحباط، فقد أمله حتى بالله، وفقد أمله في أمته وفي دينه وفي مبادئه، ويعيش البعض حالة الهزيمة النفسية التي كبَّلَته وأقعدته فلم يرفع رأسه إلى الأعلى، ولم يجد عند نفسه أي اندفاع لتحمل المسئولية، ولاتخاذ الموقف، البعض أو مثل هذا النوع يمكن أن يعالج واقعه النفسي إذا كان لديه توجه لذلك، إذا كان لديه توجه ليعالج واقعه النفسي، فهناك من الأحداث والمتغيرات والوقائع ما يمكن أن يعزز الأمل، ما يمكن أن يعيد الثقة بالله سبحانه وتعالى.
ومن خلال أيضاً الجانب الثقافي، الثقافة القرآنية كفيلة حقاً بأن تعزز الأمل بالله والثقة به، وأن تُخرج الإنسان تماماً من حالة اليأس والإحباط، إضافةً إلى الاستفادة من الوقائع، ما حصل في لبنان، ما حصل في فلسطين، ما تحقق على يد الحركات المقاومة والمجاهدة من نتائج كبيرة، كله يمكن أن يعالج حالة اليأس والإحباط ويخلِّص البعض من هزيمتهم النفسية التي أقعدتهم وأذلتهم، وجعلتهم على هامش مسرح الأحداث، ليس لهم موقف، ليس لهم قضية، ليس لهم هَمّ، إنما ينتظرون ما سيحصل.
هناك قوى أخرى كان لها موقف مختلف ليس فقط عدم التقبّل لهذا المشروع، أو التجاهل لهذا المشروع، بل العداء لهذا المشروع، التحرك العدائي على كل المستويات، إعلامياً وثقافياً وأمنياً وعسكرياً لمواجهة هذا المشروع، وفي محاولة لفرض حالة الصمت وحالة الاستسلام على الأمة، في محاولة أن لا يكون هناك أي صوت حُرّ، ولا أي موقف مسئول في مواجهة حالة الهيمنة والسيطرة الأمريكية والإسرائيلية على شعبنا وعلى أمتنا بكلها، وهذا هو الموقف الأكثر سلبيةً، موقف غير مبرر أبداً، كان يفترض مهما كان هناك من خلافات على المستوى السياسي والمذهبي أن تبقى الأسس التي لا يمكن لأحد أن يجاهر برفضها أو انتقادها، أو الخروج عليها، كان يفترض أن تبقى منطلقاً للجميع ومرجعاً للجميع. تحرك السيد الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه بالمشروع القرآني النهضوي الحُرّ، متحسساً آلام الأمة حاملاً همها وتطلعاتها وآمالها، هادفاً من خلال هذا المشروع العظيم إلى بناء أمة قوية في كل المجالات ومحصنة من كل الأخطار
أولاً : على مستوى المنعة الداخلية للأمة وللفرد وحمايتها من السقوط في مستنقع العمالة والارتهان ، وبناء واقعٍ محصَّن من الاختراق، وعصيٍّ على الهيمنة في مقابل من يحاولون تهيئة المجال وإيجاد بيئة خصبة وقابلة للعمالة والخيانة والهيمنة والسيطرة لمصلحة الأعداء
ثانياً : الوعي بمؤامرات الأعداء ومكائدهم ، لأنه ضمن هذا المشروع هناك مساحة واسعة من الأنشطة الثقافية والتوعوية لكشف مؤامرات الأعداء ومكائدهم والتي من خلالها تُضرب الأمة، وتُمثل ثغرةً كبيرةً يعتمدون عليها في استهداف الأمة،
ثالثاً: الحفاظ على القيم وتنميتها، لأن هذا المشروع هو مشروع يستند إلى قيم ويعتمد عليها أساساً لكي نتحرك في مواجهة هذه التحديات والأخطار نحتاج إلى أن نرسي ونعزز إيماننا بتلك المبادئ المهمة والعظيمة وأن نعزز في أنفسنا وفي واقعنا تلك القيم المهمة، منها العزة والكرامة والشرف والحرية وما إلى ذلك، في مقابل مسار الهدم للقيم الملازم لمسار العمالة
رابعاً: بناء الأمة في مواجهة التحديات، أولاً على مستوى الوعي ومن ثم في كل مسارات حياتها، على المستوى السياسي، على المستوى الاقتصادي، على المستوى الثقافي، على مستوى أن يكون لها هدف حضاري، ولا تبقى أمة بدون هدف ولا مشروع، يقنعها الآخرون بأن تبقى أمةً ذليلةً مستسلمة هينةً تقبل بوصاية الآخرين
خامساً: الحفاظ على استقلال الأمة وكرامتها، والحفاظ على مقدراتها، ومواجهة أعدائها، ومواجهة الأخطار الكبرى عليها، ولذلك لم يكن هذا المشروع عملاً استفزازياً موجهاً ضد أي أحدٍ من داخل الأمة، هو للأمة، من أجل الأمة، للدفاع عن الأمة، لبناء الأمة في مواجهة أعدائها، وهو ضد أعدائها الحقيقيين الواضحين الذين ألحقوا بها الذل والهوان واستباحوا فيها كل شيء، الدم والمال والعرض والأرض والشرف، وداسوا على الكرامة، ولم يتحاشوا من فعل أي شيء بالأمة مهما كان بالغ الأذى ومهما كان بالغ السوء، ومهما كان في منتهى الشر ومنتهى القسوة ومنتهى الطغيان، (السيد عبد الملك خطاب الصرخة 1434هـ)
عندما ننظر في وضعية أمتنا، فإننا من سنجد أنفسنا أمام واقع مرير جدا، الكثير من الظواهر السلبية القائمة، مع تخلف، وتشرذم، وعداوات بينية، واستضعاف، واستكانة، وهزيمة نفسية، واستسلام للأمر الواقع، وتبعية عمياء للأعداء، وحروب داخلية، وأمراض متفشية، وفقر مدقع وأزمات اقتصادية وسياسية خانقة، وهيمنة وتسلط قوى خارجية وعلى رأسها أمريكا وإسرائيل، وهذا بسبب القصور والتقصير من قبل الأمة، إذ لم يكن العدو وحده هو من أوصل الأمة إلى ما وصلت إليه، بل كان قصور وعيها وتقصيرها تجاه دينها، ورموزها، وقيمها، ومبادئها، وتنكرها لهويتها، وأخلاقها، وتناسيها لمسؤولياتها وأمجادها، هو أهم ما ساعد العدو على تركيعها وقهرها وإذلالها، واصالها إلى أسوء انحطاط عرفه التاريخ البشري،
فمنذ حادثة السقيفة وإلى اليوم لازال القصور والتقصير ينخر جسد هذه الأمة، ولازالت بؤرة الانحراف تتسع وتكبر مع مرور الأيام جيلا بعد جيل، فأمة خالفت نبيها، وهجرت كتابها، وقتلت هداتها، معرضة لامحالة للعقوبة الإلهية والخذلان الرباني، والتسليط عليها، حتى تثوب إلى رشدها وتعود إلى ربها وكتابه ونبيها وهداتها، وهذه هي سنة الله مع الذين خلو من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا.
معناة الأمة من أعدائها:
عندما تخلت الأمة عن مقومات قوتها وسر صمودها، غزيت في عقر دارها فذلت وجبنت وقهرت واستسلمت، وصار حاميها حراميها على رأي المثل، ومن هذا المنطلق سحق العدو كل ما تبقى لها من فضول قوتها، ونشاطها، وذلك من خلال:
مؤامراته ومكائده المتكررة:
والتي أبرزها مؤامرة (الإرهاب) التي سعى العد من خلالها للقضاء على الإسلام والمسلمين، فدمر عددا من شعوبهم تحت ذريعة مكافحة الإرهاب، ومزق الباقي بالمشاكل، والخلافات الداخلية، واستطاع توجيه بوصلة العداء العالمي ضد الإسلام وأهله، وتشويهه، والتشكيك فيه، والتعرض لرموزه ومقدساته، وفي مقدمتهم الرسول الأعظم محمد (صلوات الله عليه وعلى آله) وفسح المجال لانتشار العلمانية والتي من خلالها هدف إلى سياسات التعهير الجماعي، وتفريغ المجتمعات من الدين الإسلامي والأخلاق الفاضلة، واسدل الستار على القضية الفلسطينية، واستبدالها بمشروع التطبيع مع اليهود.
كما أثرت سياسة الاغتيالات والاعتقالات: بشكل كبير على واقع الأمة, لما تمثله من خطورة بالغة، حينما حرمت الأمة من قادتها, وأبطالها ومفكريها, ومثقفيها, وعلمائها المخلصين وخيرة أبنائها الذين في مقدورهم قيادة الأمة نحو بر الأمان, وزج بمن تبقى منهم في السجون والمعتقلات الأمريكية, والإسرائيلية, وهذا له أثره الكبير في نشر الخوف, وترسيخ الهزيمة النفسية بين أوساط الأمة, وشل الحركات المقاومة, والمناهضة لأي احتلال يطال الأمة .
أما الحرب الثقافية والإعلامية:
فهي أبلغ خطورة، وأشد ضررا من مثيلاتها، وقد أوصلت الأمة إلى مستوى رهيب من الفوضى والتبعية, والاستسلام, وسلاسة الانقياد، حتى صار الكثير من أبناء الأمة يؤمن قطعا بأن الأمة لن تستطيع النهوض إذا تخلى عنها الغرب، بينما صار البعض منهم مقتنع تماما أن الإسلام هو سبب تخلف هذه الأمة، وهذه القناعات الخطيرة تولدت بسبب الحرب الثقافية والإعلامية التي يشنها أعداء الأمة على أهم مقوماتها وهي: معتقداتها ـ وعاداتها ـ وأخلاقها ـ وهويتها، فإذا كانت الحرب العسكرية والاقتصادية تقتل البعض، فإن الحرب الثقافية تفسد الكل.
الحرب السياسية والاجتماعية:
أما إذا تلمسنا آثار الاستهداف السياسي, والاجتماعي على أمتنا، فإننا سنرى واقعا اجتماعيا ممزقا ومبعثرا، تسوده المشاكل والخلافات، وتغلب عليه العنصريات والقوميات، واقعا ملؤه التخلف والجهل، لا مشروع له في الحياة ولا هدف ينشده سوى التنافس على رضى العدو الأمريكي والإسرائيلي، والتهالك على الفتات المتبقي من ثرواته المنهوبة، والتسابق على ما يصل إليه من صدقات وتبرعات أعدائه، والتي يدفع ثمنها من عزته وشرفه، وعرضه وأرضه، ودينه ومقدساته وحريته، في ظل أنظمة عميلة هي عليه أشد وطئا وأعظم تسلطا وقهرا.
الحرب الاقتصادية والناعمة :
يقال بأن الاقتصاد عصب الحياة, ولأن العدو بتر هذا العصب فقد ترك الأمة مقعدة لا تقوى على الحراك, فدمر اقتصادها, وألتهم ثرواتها ومقدراتها, وحولها إلى سوق استهلاكية كبيرة لمنتجاته, تعمها البطالة ويسودها الفقر, وتنتشر فيها العاهات والأمراض, والتسول الجماعي والفردي, ويتدنا مستوى الدخل الفردي في بعض شعوبها إلى أحط المستويات, مما يسمح له فقط أن يفكر في لقمة عيشه, دون أن يلتفت لأي مشروع قد يخلصه من معاناته, ولم يكتف بذلك بل عمد إلى استهداف أبناء هذه الأمة في أخلاقهم ومبادئهم، وعاداتهم وتقاليدهم، فنشر بينهم الخلاعة والسفور، والفساد الأخلاقي, والخمور والمخدرات, وحول الكثير من شباب هذه الأمة إلى شباب تافه ضائع، لاهم له إلا اشباع غرائزه وشهواته، فلا ضياع دينه يعنيه، ولا قتل أبناء جلدته يهمه، {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً }الفرقان44
ومن بين هذا الركام من المآسي والنكبات، وفي ظل هذه الوضعية المحبطة جدا، كسر الشهيد القائد (رضوان الله عليه) جدار الصمت المريب، وصدح بمشروعه النهضوي، التصحيحي، التحرري، الواقعي، الإيجابي، وصرخ في وجه المستكبرين الظالمين، ليقول لكل أبناء الأمة أن في ارتباطنا بالله، وبرسوله, وكتابه, وأعلام هداه, سر نجاتنا, فوزنا وفلاحنا في الدنيا والآخرة, وليثبت للعالم كله أن الإسلام دين لن يقبل الهزيمة.