على أعتاب العام السابع من الصمود

عبد الرحمن مراد

مرَّتْ أعوام ستة من عمر العدوان على اليمن، وها نحن على أعتاب العام السابع وكانت السعودية ومن تشيع لها من الدول العربية والأجنبية تظن أن الحرب نزهة ,وأنها قادرة على فرض ثنائية الهيمنة والخضوع على اليمن في ظرف شهر على الأكثر، وقد ورد ذلك على لسان العسيري ناطق التحالف المغدور به في قضية خاشقجي، مرَّ الشهر والشهران، والعام الأول والثاني، وها نحن على أبواب العام السابع واليمن وأهلها يسطرون البطولات، ويرسمون ملامح الغد من بين ركام الأشياء .

لم يدر في خلد المملكة ولا في حسابات الإدارة الأمريكية أن الحرب سيمتد بها الزمن لتصبح علامة فارقة في حياة الأمم، فقد وضعت المجتمع الدولي في محك أخلاقي وإنساني غير مسبوق، وعملت على تعرية السياسة الأمريكية كما لم تعمل أي حرب أخرى من تلك الحروب التي تديرها أمريكا ويقوم بها مرتزقة في عموم الجغرافيا الإسلامية، لقد عملت أمريكا على تدمير دولة الصومال ودولة أفغانستان و ذهبت إلى العراق لتجعل منه ركاما

ثم أمتد بها الشبق إلى سوريا لتنتقم من التاريخ كله، ومن انتصارات المسلمين على الفرنجة والرومان في الزمن الغابر، وها هي في اليمن تحاول أن تشيع الفوضى والدمار في الجنوب اليمني، لكنها تجد نفسها أعجز ما تكون في الشمال، فالجغرافيا اليمنية التي تسطر ملاحم الصمود والبطولات هي ذات الجغرافيا التي ظلت عصية على المستعمر عبر التاريخ، والجغرافيا التي يسيطر عليها شذاذ الآفاق اليوم من أرض اليمن هي ذات الجغرافيا التي كانت تستقبل المستعمر القديم وتفرش له جفونها وخدودها حتى يمر على ترابها ويمرغ وجهها بعار التاريخ وشناره .

مرت أعوام ستة من الصمود أستطاع اليمن فيها أن يجعل من المستحيلات ممكنات، وها هو اليوم يدمي مقلة من كان يرى في نفسه أسداً، فالقدرة العسكرية في تنام متصاعد والعلميات الاستراتيجية مستمرة وتزداد وتيرتها، وقد أعلنت القيادة العسكرية عملية توازن الردع السادسة، وقريبا تعلن عمليات توازن الردع السابعة، وهي عمليات تتوازى وحجم الصمود اليماني وتذكر العدو بمفردة البأس الشديد ألتي وصف الله بها أهل اليمن في آيات القرآن الكريم .

اليوم المعادلة العسكرية تفرض واقعا جديدا في الجزيرة العربية، ثمة متغير حدث سواء من خلال التغير الديمغرافي, أو من خلال فرض واقع جديد في خط الملاحة الدولي، أو من حيث توازن المنطقة السياسي والعسكري في اليابسة، ففي شمال الجزيرة وفي جنوبها متغيرات سوف تقلب الطاولة رأسا على عقب، وتجعل من الماضي تاريخا متفاوتا، ففي السعودية والإمارات والكويت سوف يحكون قصصا أقرب إلى الخيال من الرفاه وبذخ العيش، وفي الجنوب سوف يحكون قصصا من البطولات تشبه سير الأبطال في الأدب الشعبي العربي، مثل قصص عنترة والمهلل ,وعمر ابن معد يكرب وغيرهم من الأبطال الذين خلد الأدب الشعبي العربي قصصهم كي يتداولها الناس من بعدهم جيلا بعد جيل .

هذا التاريخ والتحول في مساره وسياقه العام، إشاراته ورموزه مبثوثة في الواقع السياسي والعسكري والأمني والثقافي، وهو في طور التشكل والتكوين وعما قريب نجد السعودية وقد أنهار نظام آل سعود فيها، ونجد الإمارات وقد أغتالها تنين الصين المتوحش، ونجد الكويت وقد ابتلعها الانقسام والشتات، والصغار بحكم الحالة التي هم عليها مثل قطر والبحرين لن يدوم بهم الحال حتى تضطرب البلاد وتموج بهم البحار، ذلك أن وجودهم يرتبط بحاجة المستعمر القديم / الجديد للطاقة وطالما وقد ابتكر العالم اليوم بدائل للطاقة – وفق الدراسات سوف يستغني عن 50% منها بحلول عام 2030م، ومؤشرات ذلك كثيرة – فسوف يتركهم لمصير مجهول سوف يتشكل في رحم الغيب ليبتكر لنفسه واقعا جديدا .

لم يعد الاقتصاد العالمي يحتاج إلى مصادر الطاقة اليوم ,ولا يشكل مثل ذلك أرقا وقلقا له، فالاقتصادي المعرفي هو من يرسم ملامح المستقبل, ويحدد مستوى العلاقات بين دول العالم، فالصراع اليوم صراع معرفة، والاستثمار في الإنسان هو مرتكز اقتصاد العالم الجديد، والترف الذي عاشه أعراب الخليج لن يخلق منهم قوة ذات قيمة وشأن في المستقبل، فالترف جعل منهم ماكينات تستهلك ما ينتجه العالم، ولذلك يتعذر الانتقال إلى الاقتصادي واشتراطاته التي بدأ التنظير لها اليوم وربما وصل العالم إلى حالة من الاستقرار بشأنه في المستقبل القريب .

نحن في اليمن – من عصرتنا الأحداث، ومن جعلنا من المستحيلات ممكنات في زمن التقنيات الحديثة، وصنعنا وابتكرنا وتفاعلنا حتى خلقنا واقعا جديدا في الجزيرة والخليج – قادرون على التفاعل مع مستقبل الاقتصاد العالمي، وقادرون على التأثير فيه ,وعلى التأثير في سياسيات النظام العالمي الجديد، ذلك أننا نملك جغرافيا استراتيجية ذات قيمة في خط الملاحة الدولي الذي يتشكل اليوم وتقوده الصين، والصراع في اليمن وعلى اليمن تبعا لذلك وليس منفصلا عنه ,لذلك فالوعي بالمرحلة يضع في يديك مفاتيح السيطرة عليها، كيف يتشكل العالم ؟ وماهي ملامح غده ؟ يمكننا معرفتها من خلال الوعي بالمقدمات فالمقدمة تفضي إلى نتيجة بالضرورة وأهل البصائر والعقول قادرون على استنباط النتائج من المقدمات.

كما أن التركيز على معايير الجودة العالمية في مؤسسات التكاثر الثقافي في اليمن سيجعل من اليمن رقما صعبا في خارطة الاقتصاد المعرفي الذي يتشكل اليوم على أنقاض اقتصاد الطاقة .

ملحمة الصمود على مدى الأعوام الستة التي سلف زمانها صنعت منا قوة عسكرية وقف العالم مذهولا أمامها، ونحن قادرون أن نجعل منها قوة سياسية وثقافية واقتصادية ومعرفية كل الذي نحتاجه إرادة سياسية وتوجه رسمي وسوف تكون النتائج مبهرة للعالم حين يتحول اليمن من بين الأنقاض إلى قوة فذلك أمر مذهل .