الحوكمة في القطاع العام
د. عبدالغني عبدالله جغمان
إن إرساء المبادئ العليا التي جاءت الرؤية الوطنية لبناء الدولة اليمنية الحديثة 2030م من أجل إرسائها كالديمقراطية والاستقرار وبناء مؤسسات قوية تقوم على تحقيق العدالة، والتنمية، والمساواة، وسيادة القانون، والعيش الكريم للمواطنين
إضافة إلى مكافحة الفساد، والشفافية، والمساءلة، والتي هي ركائز جوهرية للحوكمة الرشيدة، إلى جانب حماية الوطن واستقلاله ونشد السلام، والتعاون المتكافئ مع دول العالم، هي القاعدة الأساسية والمنطلق الثابت لمسيرتنا مسيرة البناء والإصلاح والحداثة، والتي لن تصل إلى مداها المنشود إلا عبر بناء شراكة حقيقية ومتوازنة وفاعلة بين جميع مؤسسات الدولة والمجتمع المدني وفق منظومة نزيهة يتم من خلالها تأطير التعاون البنّاء المرتكز على الرؤية الوطنية الواضحة والأسس والمعايير الموضوعية التي تبنتها الرؤية الوطنية.
هدفت الرؤية الوطنية لبناء الدولة اليمنية الحديثة في محورها الثاني إلى إيجاد صيغ وأساليب حديثة لإدارة الحكم كوسيلة للوصول إلى الحكم الرشيد. وجاء في المحور الثاني أن ترسيخ مبادئ وأسس الحكم الرشيد وممارسته يعد من الأهداف الاستراتيجية. وذلك من خلال تطبيق منظومة حكم رشيد تكافح الفساد وتضمن سيادة القانون والشفافية والمساءلة والمشاركة المجتمعية الفاعلة، وتعمل على تهيئة مختلف المقومات اللازمة لضمان الاستقرار السياسي والاجتماعي لتحقيق بيئة محفزة للتنمية المستدامة والشاملة.
يستند هذا المحور الى مؤشرات ثلاثة هي صدور قرار بإنشاء المجلس الوطني للحكم الرشيد وحجم البيانات المخزنة في قاعدة بيانات الحكم الرشيد وكذا عدد التشريعات المطورة وفقاً للآلية المطورة للتوافق التشريعي مع مبادئ الحكم الرشيد.
وأهم المبادرات التي سيتم الإعتماد عليها في هذا الجانب هي إنشاء مجلس وطني للحكم الرشيد ووضع آلية موحدة لتطوير الإدارة العامة في اليمن تقوم على مبادئ الحكم الرشيد، وتطوير وتعميم برنامج متكامل حول الممارسات السلوكية لمبادئ الحكم الرشيد لموظفي الدولة، بحيث يشمل دليلاً لممارسة الحكم الرشيد لكل مستوى من المستويات الوظيفية ومدونة السلوك وبرنامج تدريبي للمدراء والموظفين بالإضافة لنظام تقييم لمستوى ممارساتهم في الحكم الرشيد.
وقد أشار الأخ / رشاد الغصيني المستشار بشركة اولتارا إلى انه بقـــدر مـــا هنالك من أولويات ملحة لتحقيق الســـلام والاســـتقرار والتخلص من العدوان، إلا أن هناك حاجـــة ملحة بنفس القدر للتعامل مع المتغيرات الإدارية والمهنية، وهو الأمر الذي تبنته الرؤيـــة الوطنية مـــن خلال ركائزها الأساســـية التي تعتمد على الدولـــة اليمنية الموحدة القويـــة والديمقراطيـــة العادلـــة والمســـتقلة، وعلـــى تنميـــة بشـــرية متوازنـــة ومســـتدامة تهتم بالمعرفـــة والابتكار ومناهج التعليم المتنوعـــة، وتوفر البيئة المواتيـــة للنمـــو الاقتصـــادي؛
لضمان وصـــول الحاجيات الإنســـانية الأساســـية في المرحلة الأولى إلـــى الجميع ثم الاســـتقرار والبناء وصولاً للنهوض والتميز في المراحل اللاحقة.
ومن خلال ما سبق يتضح لنا تأكيد الرؤية الوطنية لبناء الدولة اليمنية الحديثة 2030م من خلال التزامها بمرجعياتها القانونية والشرعية والدستورية، على أهمية التزام جميع الجهات الحكومية والسلطة المحلية بقواعد تحكم منهجية وأُطر تنفيذ الأعمال والأشغال والمشروعات التي يقومون بتنفيذها أو بالإشراف على تنفيذها، وكذا على أهمية الالتزام بمبادئ الحوكمة التي تضمن سلامة الأنظمة الحكومية وكفاءتها بما يعزز من فاعلية الأداء الحكومي ويساهم في الحفاظ على المال العام.
تعريف مفهوم الحوكمة في القطاع العام
يعرّف القرآن الكريم الحوكمة بأنها تحقيق العدالة، وسيادة الأخلاق، واحترام الحقوق والواجبات في المجتمع. قال تعالى ﴿يَا أيـُّهَا الَّذِينَ آمَنوا كُونوا قَـوامِينَ للَّهِ شُهَدَاءَ بالقِسْطِ ولَا يَجْرمَنَّكِمْ شَنآنُ قَـوْم عَلىٰ أَّلا تَـعْدِلوا اعْدِلوا هُوَ أقْـربُ للتـقْوىٰ وَاتـقُوا اللَّهَ إِن اللَّهَ خَبيرٌ بما تَـعْمَلونَ﴾ سورة المائدة، آية (27)
الحوكمة هي نظام يتم بموجبه إخضاع نشاط المؤسسات إلى مجموعة من القوانين والنظم والقرارات التي تهدف إلى تحقيق الجودة والتميز في الأداء عن طريق اختيار الأساليب المناسبة والفعالة لتحقيق خطط وأهداف المؤسسة وضبط العلاقات بين الأطراف الأساسية التي تؤثر في الأداء، عرفته الأوساط العلمية على انه الحكم الرشيد الذي يتم تطبيقه عبر حزمة من القوانين والقواعد التي تؤدي إلى الشفافية وتطبيق القانون
كما تُعرف الحوكمة في القطاع العام بأنها مجموعة التشريعات والسياسات والإجراءات والضوابط التنظيمية والإدارية التي تؤثر وتشكل الطريقة التي تُوجه وتدار فيها الدائرة الحكومية لتحقيق أهدافها بأسلوب مهني وأخلاقي بكل نزاهة وشفافية وفق آليات للمتابعة والتقييم ونظام صارم للمساءلة لضمان كفاءة وفعالية الأداء من جانب، وتوفير الخدمات الحكومية بعدالة من جانب آخر.
بإختصار.. هي الترتيبات التي تقوم بها الجهات الحكومية من أجل ضمان تحقيق النتائج المطلوبة من قبل الأطراف ذات العلاقة، والتي يجب أن تنعكس في أدلة تنظيمية وإجرائية واضحة قد يمكن بداية صياغتها بشكل قواعد أساسية وتصدر بها قوانين مرفقة بلوائح تنظيمية، يلي ذلك تفصيل من خلال صياغة ادله تنفيذية خاصة بالجهات الحكومية والمركزية ودوائر السلطة المحلية في المحافظات والمديريات، من أجل ضمان تحقيق النتائج المطلوبة من تطبيق مبادئ ومنهجيات وممارسات إدارة المشروعات المعمول بها عالمياً.
وإذا اعتبرنا أن المرحلة القادمة هي مرحلة بناء وتعمير الأمر الذي ينعكس في صورة مشاريع متعددة ستقوم بها الجهات المختلفة..
لهذا فإن انشاء وحدات إدارة المشاريع في الجهات الحكومية ضرورة، على أن تكون وحدات ذات هياكل تنظيمية ملائمة، تلتزم بواجباتها القانونية والدستورية، بما يضمن إنجاز أعمال إدارة المشروعات والمهام بكفاءة وفعالية ينعكس بصورة إيجابية على منظومة الأداء والنزاهة الوطنية.
والاهم هو صياغة اطار عام واضح يضمن حوكمة وحدات إدارة المشروعات كضرورة لبناء وتعزيز الثقة مؤسسات الدولة من خلال رفع كفاءة أدائها، ووضع الأنظمة الكفيلة بتنظيمها وللرقابة على أدائها، عبر هيكل يحدد توزيع كافة الأدوار والمسؤوليات، وتحديد القواعد والإجراءات المتعلقة بسير العمل فيها من خلال التركيز على المحورين التاليين:
الكفاءة والفعالية في إدارة موارد الدولة
والتي تضمن المحافظة على المال العام والاستخدام الفعال للموارد المتاحة لتقديم الخدمات الأساسية للمواطنين وتحسين جودة تقديمها وتطويرها وفق أفضل الممارسات في هذا المجال وتوزيع مكاسب التنمية بعدالة. كما تحدد دور الإدارة العليا في متابعة وتنفيذ الرؤية الوطنية والتأكد من تحقيق أهدافها بكفاءة وفعالية، ومن سلامة تقارير الأداء والتقارير المحاسبية المالية والإدارية، واتاحتها للمواطنين.
ضمان حقوق الأطراف ذات العلاقة
تتطلع الأطراف ذات العلاقة للتعامل ضمن معايير وقوانين تحكم العمل الحكومي تتميز بالنزاهة والشفافية والوضوح والعدالة، وبما يضمن تعزيز الثقة، وتفعيل مدونات السلوك الوظيفي، باعتبار الموظف العام مؤتمن على موارد الوطن، بالإضافة إلى الضوابط الدينية والأخلاقية كمعيار للخدمة العامة. كما جاء في معايير الرؤية الوطنية.
وفي مراجعة قامت بها شركة اولتارا الاستشارية – مكتب اليمن للمرجعيات المختلفة لمبادئ الحوكمة، تم بناء هذا النموذج المرفق وفقاً لمسودّة الإطار الدولي للحوكمة في القطاع العام الصادر عن الاتحاد الدولي للمحاسبين ومجمع المالية العامة والمحاسبة – المملكة المتحدة.
والذي يعكس تصوراً عاماً لنموذج الحوكمة في القطاع العام ومبادئه المختلفة وعلاقتها ببعضها البعض. وهنا نؤكد أن الحوكمة في القطاع العام بشكل عام وفي وحدة إدارة المشاريع بشكل خاص تتطلب أن تعمل الدوائر الحكومية على تحقيق المصلحة العامة، وهذا يتضمن:
• الالتزام بالنزاهة والقيم الأخلاقية وسيادة القانون.
• الانفتاح وإشراك الأطراف ذات العلاقة.
بالإضافة إلى العمل على تحقيق المصلحة العامة، فإن تطبيق
مبادئ الحوكمة يتطلب ما يلي:
• تحديد النتائج المرجوة لتحقيق التنمية المستدامة.
• وضع الإجراءات اللازمة لتحقيق النتائج التي تم تحديدها.
• بناء القدرات المؤسسية والقيادية وقدرات موظفي الدوائر الحكومية.
• إدارة المخاطر والأداء من خلال رقابة داخلية فاعلة وإدارة مُحكمة للمالية العامة.
• تطبيق الممارسات الجيدة في مجال الشفافية وتقديم التقارير وصولاً إلى تطبيق فعال للمساءلة.
وهنا نوصي بأن على رئاسة الحكومة، إعادة النظر في التشريعات والقوانين السارية والعمل على مراجعتها بما يضمن تلبيتها للأهداف السابقة بشكل عام، وإيجاد مرجعية قانونية ضابطة وحاكمة للجميع ليتم متابعة تطبيقها من قبل الجهات الحكومية مع مراعاة خصوصية كل جهة من خلال التفصيل في الأدلة الإجرائية واللوائح الداخلية الخاصة بها.
كما يتوجب وضع الأطر التنظيمية والأدلة التشغيلية لإنشاء وتأسيس وحدات إدارة المشروعات في الجهات الحكومية والسلطة المحلية من قبل جهة حكومية مرجعية، ليكون مرجعية لموظفي القطاع العام لإنشاء وتأسيس وحدات إدارة المشروعات في جهاتهم الحكومية وفي المحافظات والمديريات من أجل القيام بواجباتهم على أكمل وجه، وضبط سلوكهم الإداري أثناء التنفيذ للمشروعات كافة وتشغيلها
وبما يتوافق مع المنهجيات والممارسات العالمية المعمول بها في إدارة المشروعات، مع الالتزام بتطبيق وتنفيذ القوانين والأنظمة النافذة التي تحكم العمل، وكذا من أجل تفعيل والالتزام بتطبيق مبادئ الحكم الرشيد(الحوكمة) وكذا تفعيل آليات المتابعة والتقييم لنتائج تطبيق هذه الممارسات عن طريق رفع تقارير التقييم والمتابعة الدورية والمتخصصة بهذا الخصوص لغايات ضمان الجودة والالتزام بتحقيق الغايات المرجوة وكذا التحسين والتطوير المستمرين.