بريطانيا .. ودورها القذر في العدوان على اليمن بفعل الحال والمقال
يمانيون – متابعات
تبرز بريطانيا بدور رئيسي في العدوان على اليمن ، وتمارس دورا وصف بـ”المزدوج” بالنظر إلى كثير من مواقفها المتناقضة، فهي حينا تتحدث عن الكارثة الإنسانية التي حلت باليمنيين ، وتقوم في المقابل بتولي إدارة العمليات العسكرية التي تستهدف المدنيين وتقتل الآلاف وتذخرها وتحدد إحداثياتها وتدير عمليات الحرب العدوانية الجوية من ألفها إلى يائها والتي تسببت بمقتل وجرح أكثر من 50 ألف مدني وتدمير أكثر من 70% من البنى والمنشآت الحيوية في اليمن.
وتركز بريطانيا في حربها القذرة على السواحل اليمنية، سعيا منها لإحياء ما مات قديما من أجندات استعمارية سقطت بفعل ثورة الرابع عشر من اكتوبر بعد أن ظلت المحافظات الجنوبية والشرقية لليمن مستعمرة خاضعة لسيطرتها منذ عام 1839 وحتى انطلاق ثورة 14 أكتوبر/تشرين الأول 1963، وطرد آخر جندي بريطاني عام 1967 عنها.
تقوم بريطانيا بالكثير في دائرة الحرب الوحشية على اليمن منذ حوالي ستة اعوام سنوات، التي خلقت أكبر أزمة إنسانية في العالم؛ حيث تسقط القنابل من مقاتلات بريطانية يقودها طيارون مدربون في بريطانيا، ويجهزها داخل السعودية آلاف من الخبراء والمقاولين البريطانيين” ، في وقت سابق ألقت صحيفة “الغارديان” البريطانية الضوء على مشاركة بريطانيا في الحرب على اليمن، كاشفة أن هناك حوالي 6300 عسكري بريطاني داخل القواعد السعودية يقومون بموجب عقد موقع بين الحكومتين السعودية والبريطانية بعمليات الصيانة والتذخير والطيران والاستهداف وتحديد الإحداثيات والتعامل معها واختيار الأسلحة المناسبة.
وأضافت الصحيفة، في تقرير، أن هؤلاء العسكريين البريطانيين يتمركزون في قواعد العمليات الأمامية في السعودية؛ حيث يقومون بتدريب الطيارين السعوديين وإجراء الصيانة الأساسية ليلا ونهارا على الطائرات المستهلكة جراء الطيران آلاف الأميال عبر الصحراء السعودية إلى أهدافها في اليمن، كما أنهم يشرفون على الجنود السعوديين لتحميل القنابل على الطائرات ،وأشارت إلى أن هناك حوالي 80 من أفراد سلاح الجو الملكي البريطاني يتواجدون داخل السعودية، يعملون في صيانة الطائرات المقاتلة، أو كضباط اتصال داخل مركز القيادة والسيطرة، والذي يجري فيه اختيار الأهداف التي يتم قصفها داخل اليمن.
وسلطت “الغارديان” الضوء على الأسلحة البريطانية المشاركة في الحرب على اليمن، قائلة إن لندن وردت قنابل مصنوعة في شركتي “رايثيون” (فرع بريطانيا)، و”بي إيه إي سيستمز”، والتي تنتج قنابل من طراز “بافواي” و”بريمستون”، وصواريخ “كروز شادو”، وتقوم “بي إيه إي سيستمز” بتجميع الطائرات التي تسقط هذه القنابل على اليمن، في حظائر بقرية تابعة لمقاطعة لانكشاير.
ونقلت “الغارديان” عن “جون ديفيريل”، وهو ملحق سابق في وزارة الدفاع البريطانية، وملحق دفاعي موفد للسعودية واليمن، قوله إن السعوديين لم يكونوا ليتمكنوا من شن هذه الحرب دون بريطانيا، وهو ما أكده مسؤول في شركة “بي إيه إي سيستمز”، للقناة الرابعة البريطانية؛ حين قال: “من دوننا لن تتمكن طائرة نفاثة من الطيران في السماء خلال 7 إلى 14 يوما”.
وكشفت الصحيفة أيضا أن البريطانيين يتواجدون ضمن معسكرات في الحدود السعودية لدعم حماية الحدود، وفي مايو/أيار 2018 تم إرسال عدد غير معروف من القوات البريطانية إلى اليمن لمساعدة القوات البرية السعودية، منذ ذلك الحين، تقول “الغارديان”، نشرت صحف عدة تقارير عن إصابة أفراد من قوات بريطانية خاصة في معارك بالأسلحة داخل الأراضي اليمنية ، وكشفت الصحيفة أن المتعاقدين البريطانيين يقومون بنحو 95% من المهام الضرورية لخوض العمليات الجوية السعودية في اليمن، وهو ما أكده أيضا مسؤول بريطاني سابق عمل في السعودية خلال الحرب على اليمن.
ومن المعروف أن بريطانيا كانت مصدر التسليح للسلالة السعودية منذ مدّها السيطرة على معظم أجزاء الجزيرة العربية في 1920. ورغم تولي الأميركيين مقاليد الهيمنة على مملكة آل سعود بعد انحسار الإمبراطورية البريطانية في خمسينيات القرن الماضي، فإنهم سمحوا للندن دائماً بالاحتفاظ بجزء مهم من كعكة تسليح السلطة هناك وحمايتها، وتركوا لها مهمّة إنشاء وتدريب وتطوير قوات ما يسمّى «الحرس الوطني» المخصصة لحماية آل سعود من الانقلابات.
وقد تولّى البريطانيون، منذ الستينيات، مدّ سلاح الجو السعودي بمعظم مقاتلاته النفاثة، بما فيها تلك التي اشتملتها صفقة اليمامة الشهيرة. وتقوم طائرات باعتها بريطانيا للسعودية، من طرازَي «تورنادو» و«تايفون»، بجلّ الطلعات الجوية اليومية لقصف اليمن.
على أن المشاركة البريطانيّة في الحرب على اليمن تبدو على وشك الانتقال إلى مستوى الانخراط المباشر في النزاع على الأرض، بعدما وردت تقارير في آذار/ مارس الماضي عن وصول قوة بريطانية- أميركية خاصة إلى عدن قوامها 450 عنصراً، كطليعة لقوة مشتركة سيصل تعدادها إلى 3000 عنصر، مهمّتها إحكام السيطرة على المحافظة الجنوبية ذات الأهمية الاستراتيجية الفائقة للملاحة في منطقة مضيق باب المندب وبحر العرب.
وهذه القوة هي غير القوات المنتشرة في الميناء الرئيسي لتصدير الغاز الطبيعي المسال في محافظة شبوة، والمدعومة ببارجتين أميركيتين تتولّيان حماية سرقة ثروة اليمن، وربما أيضاً عناصر «وحدة الحرب الثقافية»، التي تضمّ بريطانيين من أصل يمني، وتساهم في العمليات اللوجستية والاستخبارية على الأرض.
وقد تسربّت، العام الماضي، معلومات عن إصابات تعرّض لها جنود بريطانيون في معارك داخل مناطق في اليمن، وهو ما يراه مراقبون مؤشراً إلى تحوّل تدريجي في استراتيجية المشروع الأميركي- البريطاني تجاه اليمن، ونتاجاً لشعور واشنطن ولندن المتزايد بالضيق من فشل التحالف السعودي- الإماراتي في حسم الأمور هناك بعد أكثر من خمس سنوات على بدء القتال
ولا سيّما مع استمرار تقدّم القوات اليمنية على حساب عملاء السعودية والإمارات، والمكاسب الثمينة التي حققتها أخيراً في الجوف ومأرب، ناهيك عن الاستهدافات المتكررة لمواقع سعودية حساسة ــــ عسكرياً ونفطياً ــــ بالصواريخ والطائرات الموجهة.
الجزء الجوّي من الحرب تتولّاه بريطانيا من ألفه إلى يائه
ولا يبدو في الأفق ما يشير إلى إمكانية خروج قريب لبريطانيا من بحر الدم اليمني.
فالسعوديون ــــ وبقية سلالات الخليج ــــ يشترون أكثر من نصف الصادرات العسكرية البريطانية إلى العالم. ومع اقتراب موعد خروج بريطانيا نهائياً من عضوية الاتحاد الأوروبي، والظروف الاقتصادية الضاغطة على مالية البلاد إثر تفشي وباء «كورونا»، لن يجرؤ أحد في المؤسسة البريطانية الحاكمة على وقف شلال النقد المتدفق على لندن مهما كانت الدواعي الإنسانية. واستراتيجياً، فإن اليمين البريطاني المحافظ، الذي ينفرد الآن بحكم المملكة المتحدة وسيبقى في السلطة لعشرية قادمة
يتجه على الأغلب نحو تعميق العلاقات مع الأميركيين في السياسة والاقتصاد، كما في المسائل العسكرية. وتتكامل جهود البريطانيين مع الأنشطة العسكرية الأميركية عبر العالم، من فنزويلا إلى بحر الصين، ومن أفغانستان إلى سوريا، ومن ليبيا إلى جنوب الصحراء الأفريقية الكبرى والقرن الأفريقي، ولن يكون مطروحاً في وقت قريب أيّ كسر لذلك التكامل لا في اليمن ولا غيره.
المراقبون المتشائمون يقولون إن الطابع الشوفيني الغالب على «10 داونينيغ ستريت» (مقر الحكومة البريطانيّة)، وتفرّد بوريس جونسون بالسلطة للسنوات القادمة، قد يدفعان الرؤوس الحامية في الدولة العميقة المتشبّعة بأحلام الإمبراطوريّة وذكريات استيطانها جنوب اليمن باتجاه تنفيذ احتلال جديد لعدن ومينائها، وفرض أمر واقع هناك على الأرض منعاً لوصول النفوذ الإيراني المزعوم إلى بحر العرب.
على أيّ حال، أيدي البريطانيين ملطّخة تاريخياً بدماء اليمنيين، ومشاركتهم المحوريّة في الحرب العربية ــــ الأميركية على اليمن مسألة خارج النقاش، أقلّه في المدى المنظور. وتحويل عدن مجدداً إلى محميّة بريطانية لن يكون خارج هذا السياق الإمبريالي المستمر منذ عشرات السنين.
قالت صحيفة «ديلي ميل» البريطانية في تقرير نشرته في العام 2017، إن دور لندن في الحرب السعودية على اليمن يعد تواطؤا مخجلا لبريطانيا ، ووصفت المشاركة البريطانية بـ”الحرب القذرة”، وقالت الصحيفة إن الجيش البريطاني يقوم بتدريب قوات سعودية بشكل سري، للقتال في هذه «الحرب القذرة»، حسب وصفها
وبيّنت الصحيفة أن العملية المسماة «كروس وايز» (عملية الطرق المتقاطعة) انكشفت بعد أن نشر الجيش البريطاني صورا ومعلومات عن طريق الخطأ ، وشملت عملية «كروس وايز» قوات من الكتيبة الثانية للفوج الملكي الإسكتلندي، وكانت مهمتهم تدريس تقنيات الحرب غير النظامية (.I.W) لضباط من معهد مشاة القوات البرية الملكية السعودية ، والحرب غير النظامية (.I.W) هو اسم لتكتيكات محددة تستخدمها الجيوش التقليدية لهزيمة الجماعات الإرهابية.
وبيّنت الصحيفة أنه نظرا للقلق المثار حول العملية العسكرية السعودية في اليمن، فإنه كان من المفترض ألا يتم الكشف عن عملية الطرق المتقاطعة «كروس وايز»، التي ظهرت دون قصد عندما تم نشر ملخص وصور على موقع الفوج الإسكتلندي على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، حيث ظهر في الصور مدرب بريطاني يقف أمام خريطة اليمن وهو يشرح استراتيجية هجوم محتمل وقالت الصحيفة إن وزارة الدفاع البريطانية حاولت معالجة الأمر سريعا، وقامت بعد 20 دقيقة بإزالة الصور.
بريطانيا في مهمة إحياء الاستعمار لليمن
كشف موقع «ورد سوشيالست ويب سايت» عن سعي بريطانيا لإعادة تأسيس نفوذها في اليمن، من خلال دورها في الحرب على اليمن ، وقال التقرير الذي» أعده الباحثان «مايك لويس وكاثرين تمبلار» إن العديد من موظفي المملكة المتحدة متورطون بشكل وثيق في استمرار آلة الحرب العسكرية للمملكة العربية السعودية، وتمكينها من ارتكاب مذابح أحادية الجانب في اليمن
ويوضح تقرير لويس وتمبلار أنه في إطار سلسلة من الاتفاقات الرسمية بين المملكة المتحدة والحكومات السعودية منذ عام 1973، لا تقدم وزارة الدفاع البريطانية ومقاوليها المعدات العسكرية فحسب، بل أيضا «البرمجيات البشرية»، حيث يوجد في المملكة العربية السعودية حوالي 7000 فرد من موظفي الخدمة المدنية البريطانية والمعارين من أفراد سلاح الجو الملكي لتقديم المشورة والتدريب وتدريب وإدارة الطائرات المقاتلة التي توفرها بريطانيا وغيرها من المعدات العسكرية.
وأورد الموقع المصالح التاريخية للمملكة المتحدة في اليمن، مشيرا إلى أجنداتها الطويلة الأمد في اليمن، حيث احتلت أولاً ميناء عدن في عام 1839 وسرعان ما أصبحت مهمة كمحطة فحم تقوم بتزويد السفن الحربية البريطانية ، وذكر التقرير انه في عام 1937 أصبح ميناء عدن والمحمية المحيطة بها مستعمرة بريطانية، وفي عام 1934 ساعدت بريطانيا المملكة العربية السعودية عندما ضمت عسير، التي كانت جزءًا من اليمن، وكيف فرضت بريطانيا معاهدة لمنح المملكة العربية السعودية عقد إيجار لمدة 20 عامًا على الأراضي التي لا تزال جزءًا من المملكة العربية السعودية حتى يومنا هذا.
أدوار بريطانيا القذرة في اليمن
وفي مارس 1963، زودت بريطانيا الأسلحة مباشرة إلى القوات الملكية، في الوقت نفسه أنشأ MI6 ومؤسس شركة SAS ديفيد ستيرلنغ قوة بريطانية للعمل مع المتمردين، ولإخفاء التورط البريطاني، أعطيت قوات ساس والقوات المظلية إجازة مؤقتة ودفعت أكثر من 10.000 جنيه إسترليني في السنة (أي ما يعادل 197.000 جنيه إسترليني اليوم) من قبل أمير سعودي.
ويتابع الموقع، وفي عام 1964 في ظل حكومة حزب العمال هارولد ويلسون، بدأ القصف السري للأهداف اليمنية من قبل سلاح الجو الملكي البريطاني، وتم تأسيس شركة «إير ورك سيرفيس»، كشركة بريطانية لتدريب الطيارين السعوديين، وفي نهاية المطاف تم طرد بريطانيا من عدن في نوفمبر 1967.
وينوه التقرير إلى أن اتفاقية اليمامة بين المملكة المتحدة والسعودية -وهي صفقة أسلحة قياسية وقعت في عام 1986 شملت تزويد ودعم السعودية بالقاذفات المقاتلة من طراز تورنادو- لا تزال قائمة، وأنه بالرغم من أن الاتفاقية سرية، إلا أن مؤلفي التقرير كانوا قادرين على رؤية مجموعة من أوراق «داونينج ستريت» التي تم تقديمها في الأرشيف الوطني في كيو، والتي كشفت عن اتفاقية تنص على استمرار قيام ضباط بريطانيا في عمليات التحضير وتسليح ودعم طائرات تورنادو بريطانية الصنع في عمليات العدوان على اليمن.
ويتولى هؤلاء بالإضافة إلى أفراد سلاح الجو الملكي المعارين مسؤولية الحفاظ على أنظمة الأسلحة في جميع طائرات القاذفات المقاتلة من طراز «تورنادو» السعودية، وهي العمود الفقري للحرب الجوية على اليمن والذين يعملون فيها كخبراء أو مشرفين لأسلحة التايفون التي زودت بها المملكة العربية السعودية والتي تم نشرها في قواعد التشغيل الرئيسي لعمليات اليمن والسعودية، وقدموا صيانة على مستوى أعمق للطائرات التي تنتشر في اليمن.