الغزو العمراني للأراضي الزراعية.. تدمير كنزنا العظيم
منير إسماعيل الشامي
تعتبر الأرض الزراعية الكنز الذي لا ينضب، عطاؤها مستمر وخيراتها وفيرة تزيد بزيادة العناية بها وتتضاعف بتضاعف الجهد المبذول للاهتمام بها وكلما امتدت الأيادي إلى تربتها، كلما جادت على تلك الأيادي بالخير وتحولت إلى جنان وارفة وفاضت بأنواع شتى من النعيم وأشكال مختلفة من الثمار الناضجة والحبوب الطيبة، والخير الوفير.
ولذلك فقد اهتم اليمنيون منذ القدم بهذا الكنز العظيم اهتماماً بالغاً وتفننوا في توسيع رقعتها وزيادة مساحتها فنحتوا الجبال الصخرية وحولوها إلى مدرجات خضراء متسلسلة ذات أشكال فنية مدهشة في روعتها وجمالها امتزج فيها جمال صنع الله مع إبداع اليد اليمانية فشكلا معا أجمل لوحات الوجود.
لم يفرط اليمنيون أبدا طوال تاريخهم الموغل في أعماق التاريخ بذراع واحد من الأرض الزراعية بل ظل هدفهم استصلاح المزيد والمزيد لدرجة أنهم كانوا يجلبون التربة لبعض المدرجات من مناطق تبعد عنها بمئات الكيلومترات حملا على ظهورهم وأنعامهم ، وأسسوا مدنهم على قمم الجبال الصماء، وبنوا قصورهم ومنازلهم على جلاميدها، وجعلوا من سفوحها جنات خضراء زاهية يتجدد رونقها وتتغير ألوانها طوال العام وكأنها تلبس حلة في كل فصل من فصول السنة
أما بالنسبة للقيعان قكان اهتمامهم بها أكثر لأنها كانت بالنسبة لهم الكنوز الغنية والواسعة، ولذلك بنوا اعظم الحضارات على سطح الأرض ومن الأرض جنوا الثروة والقوة وحازوا على السيادة والقيادة وصاروا أولي قوة وأولي بأس شديد خلال قرون طويلة من الزمن وصارت أرضهم توصف بالسعيدة، ومقصدا لأمم العالم ومطمعا لملوكها وفراعنتها عبر مراحل التاريخ المتعاقبة ولا زالت كذلك حتى اليوم.
ومن فرط تمسك أسلافنا القدماء بكنوزهم التي لا تنضب ضربوا فيها الأمثال وقالوا عنها الكثير من الحكم التي كان يجب أن نعي مدلولاتها لنحافظ على تلك الكنوز العظيمة ولا نفرط فيها ونحولها من كنوز لا تتوقف خيراتها إلى أرض عقيمة بفعل أوتاد البناء وسلة للنفايات!!!
ولعلي بن زايد في ذلك أقوال وأمثال وحكم تكتب بماء الذهب مثل قوله (حولين من المال تكفي ولا ولد لا أصلح الله) فهذا المثل على سبيل المثال يشير إلى أهمية الأرض الزراعية في تحقيق أمن الأسرة واستقرارها وكذلك قوله: “يقول علي ولد زايد ما يجبر الفقر جابر إلا البقر والزراعة ولا جمالً تسافر تقبل بكل البضاعة ولا القلم والدفاتر”.
ويقال في المثل الشعبي اليمني القديم: “إن كنت من الموت ناجي ما احد من الموت ناجي وإن كنت من الجوع ناجي فاهرب سحول ابن ناجي”.. وفي هذا المثل إشارة إلى الإنتاج الوفير لأراضي السحول خاصة وأراضي القيعان والأدوية الخصبة بشكل عام فلا جوع يمكن أن يحدث في اليمن وهذه الأراضي تزرع.
إن ما تتعرض له اليوم أراضينا الزراعية في القيعان الشاسعة بكل المحافظات والكثير من أراضي الأودية والمدرجات يعد من أعظم الجرائم التي نرتكبها في حق انفسنا وفي حق أجيالنا القادمة، فغزو التمدد العمراني لهذه الأراضي الخصبة من جهة والتوسع في زراعة شجرة القات من جهة أخرى يعد تدميراً لأهم كنوزنا المتوارثة وطمراً لثرواتها المستمرة، وتبديداً للمصادر الرئيسية التي يمكن الاعتماد عليها لتحقيق امننا الغذائي واستقرارنا الدائم، وقضاء على اهم عوامل القوة للشعب واهم روافد الثروة والمال المؤكدة.
فها هي جميع قيعان صنعاء الخصبة قد تحوَّلت إلى بنايات ونفايات بعد أن كانت جنات ذات محاصيل كبيرة من الحبوب والفواكه والخضروات، وها هي قيعان ذمار وبقية المحافظات تغزى بجهالتنا وبأيدينا في سباق تدميري لقطع رفد كنوزها وعطائها وخيراتها دون أن نسمع أدنى كلمة وها هي الدولة صاحبة الكلمة الفصل هي من تنزل المخططات وتمنح رخص البناء والتدمير لثروة اليمن الكبرى
منذ أكثر من سبعة عقود وها هي معظم المدرجات الجبلية في مختلف المحافظات قد أصبحت مهجورة تعبث بها عوامل التعرية وعوامل الجهل والاستغناء الإنساني أمام أعيننا ودون أن نسمع كلمة مفيدة واحدة لوقف هذه الممارسات سوى من السيد العلم قائد الثورة الذي ما توقف يوما يصدر توجيهاته للجهات الرسمية ودعواته للجهات الخاصة وللمواطنين بعدم التفريط بهذه الكنوز والعودة إليها ليعود الخير..
فإلى متى سيستمر التجاهل والاعراض لنداءاته؟ وما هو دور الحكومة والجهات المختصة التي لا زالت تقف إلى حد ما موقف المتفرج؟
ألا ينبغي أن نستشعر الخطر الذي استشعره قائد ثورتنا وعلم هدانا قبل وقوعه؟ ألا ينبغي أن نرى خطوات عملية من الدولة ومن القطاع الخاص والمواطنين في تنفيذ توجيهاته قبل فوات الأوان؟
ألا ينبغي على الحكومة أن تتقدم بمشروع قانون يحمي ما تبقى من القيعان الخصبة ويوقف العبث والتدمير لها؟ ألا ينبغي على الحكومة أن تبادر إلى اتخاذ خطوات عملية كبيرة هادفة لتحقيق الأمن الغذائي وفي سبيل الوصول إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها الشعب خلال سنوات العدوان، وفي ظل مستجدات الأحداث الأخيرة؟.
ألا تعي الحكومة ماذا يهدف النظام الأمريكي من وراء محاولته فرض قرار تصنيفه الأخير للشعب اليمني بالإرهاب؟ وأن الخطوة الأولى للتغلب على آثار ذلك القرار هو تحقيق الاكتفاء الذاتي؟
إن هذه التساؤلات وغيرها هي ما يجب أن تدور في أذهان حكومتنا الموقرة لأن تلافي أخطارها يعد مسؤولية الحكومة فهي التي يقع على عاتقها تحقيق الأمن الغذائي للشعب في مختلف الظروف وهي من ستتحمل المسؤولية عن أي تقصير أو تفريط في ذلك وعليها أيضا أن تدرك أن عاقبة الحزم السلامة وعاقبة التفريط الندامة..
فهل سيكون لها من اسمها نصيب في هذا الأمر وتنقذ الشعب أم أنها حكومة إغراق لا إنقاذ؟.