القوانين والأعراف الدولية جميعها تجرم منع الدواء عن الإنسان، في حين ما يقارب الـ 50 ألف مريض في اليمن بدون دواء بحسب ما قالته نقابة الصيادلة مؤخرا.. نداءات استغاثة عديدة أطلقت بضرورة توفير الأدوية الضرورية لاستمرار حياة المرضى ، لكن الملاحظ انه لا يوجد تجاوب من المنظمات العالمية وحقوق الإنسان في هذا الجانب.. ” الثورة ” وقفت على مدى خطورة مشكلة منع دول العدوان دخول الدواء إلى المرضى ومن يعيق وصوله وما نتائج ذلك على المرضى تساؤلات عدة نسعى للإجابة عنها في سياق التحقيق التالي:
سعيد الجابري يعاني من داء السكري منذ خمس سنوات يحكي أنه كان يشتري الأدوية الخاصة بالسكر رغم ارتفاع ثمنها بكل يسر وسهولة لأنها كانت متوفرة في الصيدليات ويستطيع الحصول عليها في أي وقت..و الآن يشعر بتدهور في حالته الصحية بسبب انعدام ابر الأنسولين إضافة إلى أن بقية الجرعة التي إن وجدت تتلف بسبب انقطاع التيار الكهربائي حيث تحتاج لدرجة تبريد عالية..
فيما تشتكي مريم الجابري من زيادة في أسعار أدوية القلب إلى جانب البحث الطويل عنها لعدم توافرها في الصيدليات ، وهنا تناشد الجهات المختصة بسرعة توفير الأدوية المطلوبة حتى لا ينقطع المريض عن استخدامها والذي قد يسبب مضاعفات صحية تودي بحياته.
شحة الأدوية
ويؤكد الدكتور بكيل الرعيني – صيدلي أن هناك أدوية ضرورية منقذة لحياة الإنسان يجب توفيرها وعدم إخفائها من السوق خوفاً على سلامة المريض،وقال : نعاني نحن الصيادلة من عدم توفر الأدوية والأدوية البديلة لها في السوق بسبب استغلال الكثير من الشركات للوضع إما برفع الأسعار أو الاحتكار،إلى جانب عدم وجود وارد بسبب الحصار ، منوهاً إلى أن هناك أدوية كانت معدومة نهائياً وغير متوقع توافرها وتوفرت ، وأدوية مهمة وضرورية انتهت ولا يوجد وارد، مشدداً على ضرورة توفر الأدوية المهمة الخاصة بالأمراض المزمنة بأي شكل من الأشكال لأن انقطاعها يشكل خطورة على حياة المريض وقد يؤدي انقطاعها إلى وفاته.
جميع المستشفيات تأثرت
من جانبه يقول الدكتور حمير الصايدي – مدير مستشفى الملك التخصصي : نحن وجميع المشافي تأثرنا من الحصار المفروض على بلادنا تأثيرا سلبيا ونعاني من شحة في الأدوية خاصة أدوية أمراض القلب والكلى والأمراض المزمنة والتي لم تعد متوفرة إلى جانب المستلزمات الطبية والمحاليل المخبرية حيث نفدت الكميات المخزونة لدينا وكذلك من الأسواق.
وأضاف: هناك البعض من التجار لديهم أدوية مخزونة يحاولون الاحتكار وإخفاء ما لديهم حتى يتمكنوا من بيعها في السوق السوداء.
تهدد حياة المرضى
فيما يقول الدكتور فضل حراب – نقيب الصيادلة ، الرئيس الدوري للاتحاد العام لنقابة المهن الطبية أن انعدام وعدم توافر الأدوية بسبب الحصار البري والبحري والجوي مشكلة كبيرة لم تحصل في العالم.
وأكد أن المرضى المهددة حياتهم بسبب انقطاع وعدم توفر الأدوية يصل عددهم إلى خمسين ألف مريض حسب الأرقام الموجودة لدينا وهم يتوزعون بين مرضى السكر والسرطانات والفشل الكلوي والقلب.
مشيرا إلى أنه تم توفير بعض الأدوية الضرورية عن طريق بعض المنظمات وأخرى عن طريق بعض المستشفيات إلاَ أن المشكلة لازالت قائمة في نقص المحاليل ومستلزمات الغسيل الكلوي..
وأضاف : تم عمل نداء إلى منظمات المجتمع المدني والدول والبرلمانات والمنظمات الإنسانية والحقوقية بالتحدث إلى الأمم المتحدة بأن يرفعوا الحصار عن الدواء لما تسبب به المنع من إشكالات، وكذلك محاولة التواصل مع المنظمات ومنظمات الإغاثة لتوفير بعض الأدوية الهامة والخاصة بالطوارئ والإسعافات والأدوية الخاصة بالحروق والسرطانات والغسيل والفشل الكلوي.
واستطرد : أيضاً مع الهيئة العليا للأدوية بحث التجار مسألة استيراد الأدوية وتذليل الصعوبات التي تواجههم..ويتم التعامل الآن مع استيراد الأدوية كاستيراد الحديد والإسمنت وان البضائع تأتي من ميناء إلى آخر ونقلها وتفتيشها وهذا التنقل بدوره يتلف الأدوية والتي تحتاج إلى درجة برودة معينة لتحافظ على فاعليتها وعدم انتهائها.
ومضى نقيب الصيادلة يقول : إن موضوع الدواء صعب في اليمن ولا توجد أي تباشير بفك الحصار وحل أزمة الأدوية.
مطالباً وزارة الصحة والجهات المختصة بضبط الجهات التي لم تلتزم بتوريد ما عليها بأسرع ما يمكن وأن يتفهم الجميع ذلك..
مناشداً الأطباء في المستشفيات الحكومية والخاصة بتنسيق الوصفات الطبية.
نداءات استغاثة
تستورد اليمن تقريبا ما نسبته 80 % من دول الخارج وبالتالي فإن الحصار الجائر أدى إلى نقص كبير في الأدوية والمستلزمات الطبية في اليمن هذا ما أكده الدكتور حسن المحبشي – مدير عام الهيئة العليا للأدوية.
وأضاف: من المعالجات التي قاموا بها التواصل مع كثير من المنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني وعمل أكثر من نداء استغاثة إلى الدول والمنظمات والدول المعنية بحقوق الإنسان من اجل العمل على إدخال الأدوية وكسر الحصار على الشعب اليمني.
وقال : لقد وجدنا بعض التجاوب من بعض المنظمات العالمية وخصوصا في الأدوية المتعلقة بحياة الناس والأدوية الحيوية مثل أمراض غسيل الكلى وأمراض السكر وغيرها من الأمراض المزمنة والسرطانات ، وقدمنا مذكرة لهذه المنظمات بشحن الأدوية عبر طائراتها الخاصة وجزء منها بدأ بالتعاون وتم إدخال بعض الأدوية ولكن بنسبة بسيطة.
وتابع بالقول: تم التواصل مع التجار ومستوردي الأدوية وإلزامهم باستيراد هذه الأدوية عبر طائرات خاصة وكثير منهم بدأوا باستيراد الأدوية إلاَ أن تكلفتها باهظة جداً مما أدى إلى زيادة تكاليف أجور الشحن والنقل وارتفاع كبير في سعر الأدوية.
وأكد أنه من ضمن المعالجات العمل على تشجيع الصناعة المحلية حيث وفي اليمن سبعة مصانع للأدوية تم التواصل معهم لتوفير الأدوية أو تفعيل الصناعة الدوائية المحلية وتسهيل دخول المواد الخام عبر طرق كثيرة لكي يستأنفوا التصنيع.
مشكلة كبيرة نواجهها
وعن إجراءات الهيئة العليا للأدوية لمنع الاحتكار والتلاعب بالأسعار يقول الدكتور المحبشي : قمنا بإلزام أصحاب الشركات والجملة بعدم رفع أسعار الأدوية حيث لازال بعض التجار يبيعون بنفس التسعيرة الأولى والبعض الآخر غير ملتزم بسبب ارتفاع أجور النقل والشحن وغيرها، ويضيف : قامت لجان الرقابة الدوائية في الهيئة بالتعاون مع وزارة الصحة ووكيل وزارة الداخلية بتنسيق حملات على التجار المحتكرين الذين يرفعون أسعار الأدوية بدون وجه حق وتم إحالتهم إلى الشؤون القانونية واتخاذ الإجراءات المناسبة.
ويذكر مدير عام الهيئة العليا للأدوية أن كل القوانين والأعراف الدولية تجرم من يمنع الدواء عن الإنسان ولكن الملاحظ بأنه لا يوجد تجاوب من المنظمات العالمية وحقوق الإنسان في هذا الجانب.
استغلال وضع البلد
وعن الشكاوى التي تأتي من أصحاب شركات الأدوية عن تعقيد إجراءات المعاملات وكذلك إجراءات الاستيراد والإفراج وعدم تسهيلها من قبل الهيئة ، رد المحبشي بالقول :نعمل جاهدين في الهيئة لتسهيل جميع الصعاب لكي يتم استيراد الأدوية وإدخالها إلى البلد ولكن توجد بعض المخالفات لا يمكن التغاضي عنها من بعض التجار الذين يستغلون الوضع الحالي واحتياج البلد للأدوية وإدخال أدوية غير مطابقة أو غير صالحة للاستخدام في السوق والتي تؤثر على سوق الدواء وعلى نوعية الدواء وكفاءته..
ويختم حديثه بتوجيه نداء إلى كل التجار بالعمل على توفير الأدوية في الأسواق المحلية بكميات تغطي على الأقل 6 أشهر قادمة إضافة إلى نداء لجميع المنظمات العالمية ومنظمات المجتمع المدني والعمل على كسر الحصار من ناحية الدواء على الشعب اليمني..
مطالبات مستمرة
وحول التدابير التي اتخذتها وزارة الصحة لمجابهة الحصار المفروض في ظل الإمكانات المتاحة يقول الدكتور نشوان العطاب – وكيل وزارة الصحة العامة والسكان لقطاع الطب العلاجي أن الحصار تسببب بأزمة في الأدوية مما جعل الوزارة تتجه في عدة اتجاهات منها مخاطبة المنظمات الدولية بعمل نداءات استغاثة مستمرة بشكل أسبوعي ويومي للمطالبة بتوفير الأدوية المنعدمة في الأسواق وهناك تجاوب في بعض الأحيان وإهمال في أحيان أخرى، إلى جانب البدء بمحاولة ضبط التجار المتلاعبين الذين يعملون على احتكار الأدوية ويتسببون بانعدام البضائع من السوق.
وأضاف الدكتور العطاب : كما تم إنزال تعميم لجميع الشركات وإلزام التجار بتوريد بضائعهم ومنع بيع أي أدوية للمنظمات حيث يحدث تسريب للأدوية عبر منظمات وجمعيات خيرية بأخذ أدوية بكميات كبيرة وإفراغ السوق بشكل متعمد، وقمنا بعمل غرفة عمليات على الأدوية لمتابعة أي بلاغات أو شكاوى تأتي إلينا عن أي شخص يتلاعب بالأسعار أو في حالة إبلاغ عن انعدام أ ي دواء من المستشفيات ونحاول بقدر المستطاع تغطية العجز.
109 مرافق صحية متوقفة
وأوضح العطاب أن عدد المراكز التي توقفت إما بسبب قصف أو بسبب انعدام الأدوية (109)مرافق صحية ( مستشفى ومجمع طبي ) في جميع المحافظات، وأكثر من (250) وحدة صحية ( رعاية صحية أولية ).
وأشار إلى أنهم يعانون من مشكلة إيقاف كل الموازنات التي تخص الأدوية وكذلك موازنة وزارة الصحة بشكل كامل منذ بداية العام وذلك من قبل وزارة المالية حيث لا تستطيع الوزارة شراء حتى أقراص البارامول، وقال: رغم المتابعة من أربعة أشهر إلى الآن لم نجد أي تجاوب وفي الوقت الذي يعد فيه من الضرورة أن تغطي الوزارة الأدوية المنعدمة على الأقل.
وأكد بالقول : قمنا بمخاطبة المنظمات فوجدنا بعض التسهيلات والاستعداد بنقل الأدوية مجاناً ليتم شحنها إلى داخل اليمن لكن لا يوجد لدى الوزارة موازنة نهائيا لشرائها إلى جانب عجز في سيارات الإسعاف حيث تم ضرب (56) سيارة إسعاف في جميع المحافظات وطالبنا كل المنظمات بذلك وللآن لم يتم شيء، وأن كل المصروفات التي تأتي اغلبها تصرف للرعاية الصحية الأولية وحملات التطعيم ولم يصرف منها شيء للمستشفيات.
ونوه إلى أنه تم اعتماد أدوية للكلى والأمراض المزمنة بمبلغ 8 ملايين دولار وهي دعم من المنظمات الدولية عبر منظمة الصحة العالمية ولكن لم يصل منها حتى 3 % للآن.
وأخيراً يرى وكيل الوزارة لقطاع الطب العلاجي بأن الحلول لتخطي هذه الإشكالية تكمن في إلزام الجهات المانحة ووزارة الصحة لتحديد الدعم للقطاع الصحي ووضعه في سلة واحدة والذي منه يتم تحديد النسب للإسعاف والأدوية والتحصين ورعاية أولية وتغذية وصحة إنجابية وتثقيف صحي وغيره والذي لن يتحقق إلا وفق ورشة عمل قبل أي دعم.. مطالبا بضرورة السعي من قبل الجميع إلى الهدف العام وهو الحفاظ على القطاع الصحي من الانهيار.