في عهد “بايدن” .. حقوق الإنسان في السعودية ما بين السياسات والمساومات!!
يمانيون – متابعات
دخلت الولايات المتحدة الأمريكية مع فوز الرئيس المنتخب جو بايدن مرحلة جديدة في علاقاتها مع الخارج، وخلال الحملة الانتخابية لم يخفي بايدن رغبته في إعادة ضبط السياسة الخارجية الأمريكية إلى سابق عهدها وبما يتناسب مع المصالحة الأمريكية في تزعم التحالفات العالمية للبلدان (المرتكزة على القيم الغربية) في مواجهة التهديدات الغير تقليدية.
والواضح أن الرئيس الديمقراطي يريد استعادة زعامة بلاده على العالم من خلال طي صفحة الخلافات التي دشنها خلفه الرئيس دونالد ترامب مع الدول والكيانات الكبرى، مثل الصين والاتحاد الأوروبي، إضافة إلى إعادة تشكيل التحالفات عالمياً بما فيها منطقة الشرق الأوسط، وفي هذا السياق ينتظر أن تتبدل العديد من السياسات في عهد بايدن تجاه بعض الحلفاء في المنطقة من خلال تدشين سياسات أكثر تشددا بالمقارنة بما كان عليه الوضع في عهد ترامب، ولم يخفي بايدن خلال حملته الانتخابية أن السعودية في مقدمة البلدان التي سوف يمارس عليها مزيد من الضغوط وفي العديد من الملفات.
ويعتقد أن التوجس والقلق السعودي منبعه التصريحات السابقة للرئيس المنتخب التي هدد من خلالها المملكة بجعلها دولة “منبوذة”، وفي هذه القراءة سوف نناقش الملفات التي قد تشكل نقاط اختلاف وفي مقدمتها: قضية مقتل الكاتب والصحفي السعودي “جمال خاشقجي” وملف حقوق الإنسان داخل السعودية.
وفي القراءات التالية سوف نبحث في عدد من الملفات منها “الدور الأمريكي في الصراع داخل أسرة ال سعود على من يخلف الملك السعودي الحالي سلمان بن عبدالعزيز”، إضافة إلى ملف “الموقف السعودي من حاضر ومستقبل العقوبات الأمريكية على إيران والعودة إلى الاتفاق النووي” كذلك “موقف إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن من الحرب السعودية على اليمن”.
مقتل خاشقجي وملف حقوق الإنسان:
خلال سنوات طويلة شكل ملف حقوق الإنسان داخل السعودية انعكاساً سلبياً على علاقاتها مع المجتمع الدولي، وبصورة مستمرة تتعرض الرياض لانتقادات لاذعة تتعلق بقمع واضطهاد “المعارضين السياسيين والنساء والأقليات العرقية والدينية”، وعن ممارسات ممنهجة في التعذيب والاحتجاز الغير القانوني والمحاكمات الصورية.
غير أن تلك التجاوزات من قبل المملكة لم تقابل بردة فعل مناسبة من قبل المجتمع الدولي ولا سيما من قبل حلفاء الرياض وفي المقدمة واشنطن، الذين يفضلون وضع مصالح بلدانهم “السياسية والاقتصادية والأمنية” على ما دونها من أولويات كحقوق الإنسان داخل السعودية، ويرى عدد من المراقبين أن تلك المواقف السلبية ساهمت في اعطاء السلطات تفويضا غير مباشر في تجاوز حقوق المواطنين والمقيمين على حدا سواء.
ومع وصول محمد بن سلمان إلى الحكم بجانب والده الملك سلمان بن عبدالعزيز في بداية 2015 ساءت أوضاع حقوق الإنسان داخل المملكة بالمقارنة مع فترة حكم الملك عبدالله بن عبدالعزيز ” حسب أغلب المنظمات الدولية” خاصة بعد أن تجاوز النظام السعودي كل الخطوط الحمر في ملاحقة منتقديه، وشكل مقتل الصحفي والكاتب السعودي جمال خاشقجي ذروة تلك التجاوزات التي هزت الرأي العام العالمي.
يشار إلى أن جمال خاشقجي كان من أبرز المعارضين للحكومة السعودية وتحديدا في مقالاته بصحيفة واشنطن بوست، ورفض ضغوطاً للكف عن انتقاد طريقة حكم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وقتل خاشقجي في الثاني من أكتوبر 2018 داخل القنصلية السعودية في مدينة اسطنبول التركية بعدما توجه إليها للحصول على وثائق يحتاجها للزواج، وأقرت الرياض إن فريقا مكون من خمسة عشر سعودي تم ارسالهم لمواجهة خاشقجي في القنصلية وأنه وخلال التحقيق معه قتل بالخطأ في شجار مع رجال كانوا يحاولون إجباره على العودة للمملكة.
وفي محاولة لتجاوز الضغوط الدولية بعد مقتل خاشقجي لا سيما مع تصاعد الاتهامات بأن ولي العهد محمد بن سلمان هو من أصدر أمر اغتياله، تبنى ولي العهد “الحاكم الفعلي في المملكة” إنشاء ما يسمى بقطاع للترفيه في محاولة لتلميع انتهاكات السعودية الداخل والخارج، وتشير منظمة “هيومن رايتس ووتش” في هذا السياق “أنه وبالرغم من تلك التغييرات المهمة، إلا أنها ساعدت أيضا في التعتيم على تقليص كبير في الحقوق المدنية والسياسية منذ أن تولى محمد بن سلمان ولاية العهد في 2017” وتأكد منظمة “رايتس ووتش” في بيانها “بينما كان قطاع الترفيه الناشئ يحظى بثناء دولي، كانت السلطات السعودية تنفذ في الوقت نفسه موجات من الاعتقالات التعسفية بحق المعارضين، والناشطين، والمثقفين، وأعضاء العائلة المالكة”.
وعلى الرغم من إقرار محمد بن سلمان أنه يتحمل جزء من المسؤولية الشخصية لوقوعها وهو بموقع المسؤولية، إلا أن ذلك لم يكن كافياً لوقف حمالات الإدانة الدولية (بما فيها الأمريكية) التي تطالب الرياض القيام بتحقيق شفاف ومستقل بشأن جريمة سافر من أجل تنفيذها فريق أمني سعودي إلى إسطنبول لتنفيذ عملية قتل خطط لها بدقة في سبيل إسكات معارض سعودي والتخلص من جثته نهائياً.
وفي موقف مخالف للإدانات الدولية للسعودية، تباها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بقدرته في إنقاذ محمد بن سلمان من اتهام الكونغرس الأمريكي له في قضية مقتل خاشقجي، مبرراً ذلك الموقف بأنه يتوافق مع المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية ومؤكدا أيضا على أهمية التحالف بين الولايات المتحدة والسعودية وبأن صفقات الأعمال تتقدم في الأهمية على ما دونها من مخاوف بشأن قضايا حقوق الانسان أو مقتل معارض للنظام السعودي، ولكن هذا الموقف من قبل ترامب وإدارته لم يمنعه من التأكيد أنه يجب محاسبة السعودية على أي دور في مقتل خاشقجي، وفرضت الإدارة الأمريكية في هذا السياق، عقوبات على 17 سعوديا لدورهم في مقتل خاشقجي، وأعلنت الاستخبارات الأمريكية أن أصابع الاتهام تشير أن من يقف وراء ارتكاب الجريمة المروعة هو ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
ولكن هذا النهج في التعامل مع السعودية لن يستمر مع وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض في الشهر القادم، ومن غير المتوقع أن يمر مقتل جمال خاشقجي دون إجراءات عقابية سوف تطال النظام السعودي، لا سيما وأن التجاوزات والانتهاكات المرتكبة أصبحت سوطا بيد السلطة تستخدمه تجاه كل المعارضين السياسيين وأصحاب الرأي والاقليات العرقية والدينية دون أدنى اعتبار تجاه أية تدابير عقابية أو دعوة للمساءلة من قبل الهيئات والمنظمات الدولية.
المتابع للرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن منذ بدء الحملة الانتخابية، يقرأ أن مسار العلاقة مع السعودية (وبعيداً عن الجانب الدعائي الانتخابي) مستقبلاً سوف يعاد تقييمه دون أدنى شك ولاعتبارات عديدة، وسوف يكون ملف حقوق الإنسان حاضراً في تلك العلاقة، وخيرا دليل على مؤشرات ذلك التوجه مستقبلاً من قبل الإدارة الجديدة هو حرص بايدن المستمر خلال المرحلة الماضية على انتقاد ما وصفه بأنه شيك على بياض قدمه ترامب للمملكة ووعد بأنه سوف يأمر بإعادة تقييم العلاقات مع السعودية.
وفي هذا الإطار أصدر بايدن ومع حلول الذكرى الثانية لمقتل جمال خاشقجي في شهر أكتوبر الماضي بيان شديد اللهجة تحدث فيه عن الجريمة وأشار “بأن جريمة مقتل الصحفي خاشقجي والتي دفع حياته ثمناً لها كانت لانتقاد سياسات حكومته” وأكد بايدن “انضمامه لأصوات العديد من النساء والرجال السعوديين والناشطين والصحفيين الشجعان في الحداد على وفاة خاشقجي، وترديد دعوته للناس في كل مكان بممارسة حقوقهم بحرية” واضاف بايدن بقوله “موت جمال لن يذهب سدى، ونحن مدينون لذكراه بالكفاح من أجل عالم أكثر عدلاً وحرية”.
ويكفي القول، أن علامات التوجس والترقب في السعودية لا تخطئها عين مع رحيل ترامب ووصول بايدن، ولا مناص من التأكيد أن الحلقات تضيق من حول ولي العهد محمد بن سلمان فيما يتعلق بقتل خاشقجي، خاصة مع الحديث عن مشروع قانون في الكونغرس الأمريكي “يحمل اسم الصحفي السعودي المغدور” قدمه رئيس لجنة الاستخبارات بمجلس النواب الأمريكي “أدم شيف” في أكتوبر الماضي، يسعى من خلاله إلى ضمان محاسبة الأفراد الذين يرتكبون عمليات قتل خارج نطاق القضاء وغيرها من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ضد الصحفيين، بالإضافة إلى تعزيز التزام الولايات المتحدة بمحاسبة أولئك الذين يستهدفون الصحفيين بالعنف والاضطهاد.
ويبدو واضحاً أن هكذا “مشروع قانون” أو ” قانون نافذ مستقلاً” لن يكون الهدف منها ربط الدعم الأمريكي بمدى تحسين السعودية لسجلها في ملف حقوق الإنسان، ولكنه في الواقع سوف يكون سيف مسلط على رقبة بن سلمان في الحاضر والمستقبل في سبيل تحقيق المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة.