حقوق الإنسان فِي الإسْلام وحقُوق الإنسانِ الأمَمية
مطهر يحيى شرف الدين
تحتفل دول العالم ومنظماته الدولية بيوم العاشر من ديسمبر من كل عام باعتباره يوماً عالمياً لحقوق الإنسان والذي تم اعتماده من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 1948م.
وكأن ما سبق هذا العام لم تكن هناك حقوق ولا حريات وكأن المجتمعات ظلّت مصادرةَ الحق وحبيسة الحرية حتى جاء الإعلان الدولي ليفك أسرها فلن يرى أي مجتمعٍ حقاً ولن يشهد شعبٌ حرية إلا بتطبيق ما جاء في الإعلان الأممي الذي أصبح حقيقةً كما أثبتت الأحداث المواكبة مجرد ظاهرةً إعلامية وصوتيةً تتحدث وتتغنى عن كرامة البشر وعن حقوقهم المتساوية الثابتة وعن تمتع الإنسان بحماية النظام القانوني الدولي وعن حق الإنسان في الحياة و حرياته في القول والعقيدة والرأي.
كانت الأمم المتحدة قد وصفت ذلك الإعلان بأنه المثلُ الأعلى المشترك الذي ينبغي أن تبلغهُ كافة شعوب العالم، ولذلك أجدها مناسبةً لكي أتحدث بصورةٍ موجزة ومختصرة عن حقوق الإنسان الأساسية والطبيعية التي كفلها ديننا الإسلامي و تحدث عنها القرآن الكريم وأوجب احترامها سبحانه وتعالى وحرّم الاعتداء عليها وأمر النبي صلوات الله عليه وآله باحترام وصون النفس البشرية قبل أكثر من ألف وأربعمائة سنة وذلك لكي نعرف وندرك تماماً أن في كلام الله ورسوله ما يُغني ويكفي لمعرفة قيمة الإنسان وحقوقه المشروعة ومدى تكريم الله ورسوله للإنسان وحرمة التعرض لدمهِ وعِرضه وماله وأن ما جاء في كتابنا الكريم يكفل للمجتمعات حقوقاً وحرياتٍ واسعة في إطار مبادئ وقيم الشريعة الإسلامية التي تحفظ للمجتمعات تقدمها وأخلاقها ونهوضها على كافة المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والجوانب الحياتية.
ولذلك فقد حرّمت جميع الأديان والشرائع السماوية الاعتداء على النفس وأوجبت احترام الذات البشرية وجعلت القيم الإنسانية والأخلاقية جوهراً للدين الإسلامي وحرّمت العدوان بكافة أشكاله وصوره على المجتمع المدني وجاءت لتضع الحدود والعقوبات على من يعتدى على الإنسان في دمهِ ومالهِ وعِرضه .
كما جاء الإسلام كدين شامل وعالمي ليُحرم القتل وسفك الدم وحتى مجرد التهديد أو التلويح باستخدام القوة وجاء ليدفع عنه الظلم والطغيان والاعتداء
فكان وعيد الله شديداً على الظالم والقاتل والباغي ففي الآخرة يتجسد الوعيد في قوله سبحانه :
“ومن يَقتل مؤمناً مُتعمداً فجزاؤه جَهنمَ خالداً فيها وغضبَ اللهُ عليه ولعنهُ وأعدّ لهُ عذاباً عظيما” أما العقوبات المقررة في الدنيا فقد ذكرها الله تعالى في قوله “ولكم في القصاص حياةٌ يا أولي الألباب”.
ولذلك يقف الإسلام موقفاً مناصراً ومؤيداً للإنسان المظلوم والمقتول ويقف شاهراً ومعلناً مبادئه العظيمة التي تحمي الإنسان من ويلات الانتهاكات و الحروب الظالمة كما ضمنت له تعاليم الإسلام الحق في الحياة الكريمة والحق في طلب الرزق والسعي والعمل من أجل إيجاد لقمة العيش الكريمة
كما حثت على طلب العلم كحقٍ إنساني ووجوب أن يكون الإنسان محاطاً بالصحة والسلامة وجاءت مبادئ الإسلام موضحةً جُرم وذنوب المستهزئين الساخرين من يسعون للحط من قيمة وكرامة المستضعفين
وقد رفع الله سبحانه من قدر الإنسان في محكم كتابه فقال :
” ولقد كرمنا بني آدم”
وفي نهاية الآية الكريمة يقول سبحانه : “وفضلناهم على كثيرٍ ممن خلقنا تفضيلا” فكيف يأتي المخلوق ليحط من كرامة أخيه ويحتقره وينتقص من قدره.
وقد رفع الخالق المعبود جلّ جلاله من قدر الإنسان وكرّمه ونعّمه وفضّله على كثيرٍ من خلقه تفضيلا
وقال تعالى في الحث على التعلم وفضل العالم “يرفعِ الله الذين آمنوا منكم والذين أوتو العلم درجات” .
وبتلك الكرامة وبذلك الفضل كان للبشر في هذا الكون الشرف العظيم والمنة والهبة الإلهية لعبادة بأن جعلهم أعزاء كرماء سادة الخلق
وقد أمر الخالقُ عباده بحسن الخلق وبالمعاملة الحسنة مبيناً أن تلك الحقوق إنسانية وقيمية ليست طوعية أو اختيارية بل واجبة على كل إنسان أن يتخذها منهجاً وطريقاً يحفظ بها الإنسان تواضعه وكرامته وقيمته في المجتمع ليتم أخذها في عين الاعتبار.
فلا مجال لأحدٍ أن ينتقص حقاً من حقوق أحد وليس في الإسلام ما يبرر أو يسمح لأحدٍ أن يقيد حرية أحد أو يسخر أو يتكبر أو يصعّر الخد استنقاصاً واستصغاراً من الناس أو احتقارهم
قال تعالى ” وَلَا تُصعِّر خَدكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّه لَا يُحِبُّ كُل مُختالٍ فَخُور”.
وجاء في الحديث النبوي عن رسول الله صلوات الله عليه وآله ما يفيد حُرمة الإيذاء بكافة أشكاله وصوره ومنها التهديد.
“من أشار إلى أخيه بحديدةٍ فإن الملائكة تلعنه حتى وإن كان أخاه لأبيهِ وأمه..
وجاء الإسلام في مبادئه وتعاليمه موجهاً ومعلماً ومربياً ومدافعاً عن الكليات الخمس ومحرماً الإعتداء عليها وأوجب حمايتها فقد جاء في الحديث الشريف ” لهدم الكعبة حجراً حجراً أهون عند الله من سفك دمٍ امرئٍ مسلم”.
وقد بيّن خاتم الأنبياء والمرسلين في حجة الوداع وأعلن في أكبر تجمعٍ إسلامي حينها حرمة سفك الدم المسلمين والتعدي على حقوقهم وأموالهم فقال
” ألا إن الله حرّم عليكم دماءكم وأموالكم كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا ..
ولذلك كان الحق مقدساً ولا ينبغي التنازل عنه فمصدر وجوب التعلق به إلهي ولا بد من أن يتمسك الإنسان به ودائماً ما نقرأ في كتابنا العزيز قول الله تعالى ” وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر”
وقد ذكر سبحانه وتعالى ضرورة اللجؤ إلى شرعه وحكمه بما يفيد الحق في نيل العدالة قال تعالى “وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم”
ولنتذكر أن من أسماء الله الحسنى العدل الذي لا يظلم أحداً والعياذ بالله ، كما يوحي قوله تعالى ”
“وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا”
إلى أنه لا يجوز إصدار الأحكام أو تنفيذ العقوبات ضد أحد إلا بإقامة العدل و بالُججة والبرهان والإثبات ،
“وما الله بغافلٍ عما يعمل الظالمون”