التطبيع وحلم العدوّ الصهيوني بالخروج من دائرة العزلة
منير الشامي
ليس خافياً علينا أن أنظمةَ الدول التي سارعت إلى التطبيع مع العدوّ الصهيوني مثل الإمارات والبحرين والسودان، وأخيرًا نظام المغرب، ارتبطت بروابط العمالة والخيانة مع العدوّ الصهيوني من قبل عقود خلت، فنظامُ الإمارات يدين بالولاء من قبل إعلان قيام دويلته، والعدوّ الصهيوني ومن يقف وراءه من دول الاستكبار هم من قرّروا اقتطاعَ الساحل الشرقي لعمان وأنشأوا دويلة الإمارات.
وما تطورت بهذا الشكل المتسارع وفي هذه الفترة البسيطة إلّا برؤوس الأموال الصهيونية، وهذا ما سيبرز إلى حيز العلن بعد إشهار التطبيع من خلال إعلان الشركات الصهيونية التجارية والصناعية رسميًّا في الإمارات بخروجها من خلف الستار المستعار؛ لأَنَّ الأمرَ الذي يجهله الكثيرُ أن المقاطعة العربية للمنتجات الإسرائيلية جعل العدوّ الصهيوني يلجأ إلى إنشاء فروع لشركاته الصناعية والتجارية في كثير من دول الشرق الأوسط والخاضعة أنظمتها له وَتواليه سِرًّا خلال الفترة الماضية، وربما تكشف الأيّام مفاجآت غير متوقعة عن استثمارات صهيونية في دول لم يخطر ببالنا أن تحتضن الاستثمارات الصهيونية فيها
ولا أستبعد أنا شخصيًّا أن يكون للعدو الصهيوني شركات استثمارية في مكة والمدينة المنورة يعلن عنها في قادم الأيّام، وتعد دويلة الإمارات أكثر دولة احتضنت أكبر استثمارات صهيونية وشغلت فيها رؤوس أموال هائلة رفدت اقتصادَ العدوِّ الصهيوني بثروات طائلة خلال العقود الماضية وما زالت.
ولعلَّ استئجارَ نظام الإمارات لميناء عدن من النظام السابق للحيلولة دون تشغيله وإعلانه كميناء حر، وإعلان مدينة عدن منطقة تجارة حرة عالمية كان قراراً صهيونياً بامتيَاز، وليس قرارا إماراتيا إطلاقا؛ لأَنَّ نظام الإمارات وحكومته لا يفقه في الاقتصاد شيئاً، ولن يفقه ذلك أبداً، وكان هدفُ العدوّ الصهيوني من ذلك حماية استثماراته في المنطقة الحرة بدبي
فهو من يدير اقتصاد أبو ظبي ويتحكم فيه، ومن البديهي أنه لا يمكن أن يسمح النظام الصهيوأمريكي لأي نظام عربي بالوصول إلى المستوى الذي وصلت إليه الإمارات من التطور والتقدم إلّا إن كان هو المستفيد الأول والأخير من وراء تلكم النهضة.
وبهذه الطريقة استطاع العدوُّ الصهيونيُّ أن يتجاوزَ قرارَ المقاطعة العربية لمنتجاته ويقيم علاقات قوية مع نظام الإمارات وغيره من الأنظمة الأُخرى من خلف العداد كما يُقال، وبهذه الطريقة أَيْـضاً استطاع العدوّ الصهيوني أن يحوّل السوق العربية والإسلامية إلى سوق مفتوحة أمام منتجاته على مصراعيها وتمكّن من تسويقها كمنتجات عربية في الظاهر وهي صهيونية 100 %.
وكذلك الحال بالنسبة للبحرين والسودان والمغرب، وهو ما ستثبته الأيّام القادمة أمام العالم.
ومن نافل القول أن يعلم كُـلُّ العرب والمسلمين أن أهمَّ هدف حرص عليه العدوّ الصهيوني وسعى إلى تحقيقه بكل ما أوتي من قوة منذ نشأته في المنطقة هو الخروج من دائرة العزلة الاقتصادية والشعبيّة التي فُرضت عليه بقرارات الجامعة العربية التي أصدرتها في زمن العروبة والنخوة العربية، وقد نجح في اختراقها من وراء حجاب في الماضي، وها هو ينجح اليوم في نسفها من واقع أنظمة الخيانة والعمالة له المهرولة نحو التطبيع، وينتزع الاعتراف بسيادته ووجوده.
وعلى الرغم من حقيقة التطبيع الصهيوني السري والفعال في الماضي مع الأنظمة العربية التي هرولت للتطبيع الكامل مؤخّراً وأعلنته رسميًّا، وكذلك التي ستليها في الأيّام القادمة في ذلك، فَـإنَّ إعلانَ تلك الأنظمة للتطبيع العلني الكامل يعد طعنات مسمومة متوالية في قلب قضية الأُمَّــة الأولى “قضية فلسطين”، وآخرُها طعنةُ نظام المغرب بعد إعلانه ذلك رسميًّا، يوم أمس الأول، والذي سرعان ما كشف وزير مغربي بعد إعلانه أن علاقات المغرب بالعدوّ الصهيوني ليست وليدة اليوم بل هي قائمة وَمستمرة من سبعينيات القرن الماضي، وهذا يؤكّـد ما أشرنا إليه سابقًا.
ومن الجدير بالذكر، أن غالبيةَ الشعوب العربية في الدول التي طبعت مع العدوّ الإسرائيلي ضد التطبيع، وأن قرارات أنظمتها الخائنة بالتطبيع ضد إرادتها، وهذا الأمر سيظل شوكة جاهزة في حلق تطبيع أنظمتها مع العدوّ الصهيونير ومهيأة لتتحوّل إلى خنجر حاد يقطع عنق التطبيع من الوريد إلى الوريد في أية لحظة، خُصُوصاً إذَا تم استهدافُ تلك الشعوب بالوعي الإيماني بصورة فعالة، وأعقبه دعم جيد لينطلق عمليًّا في مسار رفض التطبيع للقضاء عليه، وتحديداً للمكونات التي ندّدت بالتطبيع وأعلنت رفضَها القاطع له، وطالبت أنظمتها بإعادةِ النظرِ في قرار تطبيعها والتراجع عنه.
وأخيرًا.. فلتعلم كُـلُّ أنظمة الخيانة والعمالة أن شعوبَ الأُمَّــة بكل مكوناتها الحرة والشريفة تدين وتستنكر السقوط القذر لتلك الأنظمة وارتمائها الفاضح تحت أقدام العدوّ الصهيوني، وتؤكّـد أن ذلك سيبقى وسيظل وصمة عار في جبينها وحدها لا في جبين شعوبها، وأنها لن تسكتَ ولن ترضى بالخضوع لأعداء الأُمَّــة.