الخيانة الديسمبرية بوجهَيها: المظلم القتوم والمشرق العظيم
كتب/ منير الشامي
الأحداثُ العظيمةُ لا تصنع نفسها، بل يصنعها رجال عظماء في لحظات صعبة جِـدًّا وفي ظروف استثنائية معقدة يشوبها تحديات كبيرة وخطيرة قد يبدو التغلّبُ عليها في نظر الخبراء والمهتمين مستحيلًا أَو ضربًا من الخيال، فتعتريهم الحيرةُ والذهولُ ويعجزون عن تفسير النتائج حين يتجاوزها رجال عظماء جعلوا المستحيل واقعا، والخيال حقيقة، خُصُوصاً تلك الأحداث التي حيكت بمؤامرات شيطانية ورصد لها موازنة هائلة، ووضعت لها خطط مدروسة بعناية كاملة، وتم إعداد عددتها بحساب دقيق لأدق تفاصيلها، ووفر لها كافة التجهيزات اللازمة من أول خطوة إلى آخرها، ولكل خطوة من أدناها إلى أعلاها من قبل خبراء متخصصين ومراكز بحوث نوعية متقدمة خلال سنوات، كمؤامرة تحالف العدوان بالفتنة العفاشية.
تلك الفتنة التي أشعلها المجرم عفاش في الثاني من ديسمبر 2017م ليغتال ثورة شعب أبى إلّا أن يعيش حرا كريما ويطيح بوطن في أتون سعير فتنة ملتهبة لا تبقي ولا تذر، وتأتي على كُـلّ ما عليه من بشر وشجر وحجر، شب فتيلها صباحَ الثاني من سبتمبر، تنفيذا وامتثالا لتوجيهات أعداء اليمن ونصرة لتحالف عدوانهم المنكسر لقرابة ثلاثة أعوام من عمره الانهزامي، ظل فيها المجرم الصريع يعد فيها ويستعد لهذا اليوم وفق مخطّط يملى عليه من أسياده عبيد العبيد، وهو يتصنّع خلالها الوقوف في صف وطن لم يسلم من خبث إجرامه يوما واحدًا طوال أربعين عاماً خلت وأكثرَ، فكشف في ذلك اليوم عن حقيقته التي ما غابت يوما عن شرفاء اليمن وأحراره، وأماط اللثام عن وجهه الشيطاني البشع، وكشّر فيها عن أنيابه هو وكل أتباعه من ذئاب البشر لتنهش في أجساد أبية طاهرة تذود عن الوطن اليمني ترابه وشعبه، فصنع بذلك الوجه المظلم لذلك الحدث ودوّن آخر مشهد دموي في حياته على أقذر وأحلك صفحات تاريخه الإجرامي.
ظهر صباح الثاني من ديسمبر وكأنه فرعون العصر، يزهو بغرور إدمانه للإجرام، ويفخر بحقده الداعي إلى الانتقام، مفتونا بعظمة المؤامرة ومخدوعا بواقع حاله خلاف ما أُوهم به، ومخاطبا لشعب تغيّر عن الشعب الذي اعتاده قبل أن يخرج عليه ويقول له ارحل عنا واغرب أنت وطغيانك وغادر واقعنا إلى الأبد، خاطبه صباح ذلك اليوم وقد نسي أحداث سبع سنوات عجاف، ونسي أن الشعب قد أسقطه وأسقط نظامه ووصاية أسياده الذين حرّكوه هذا اليوم علهم يداروا عار انهزامهم، وفضيحة انكسارهم بحلفهم وترسانتهم وحشدهم وحشودهم لثالث عام، من قبل فتية حفاة آمنوا بربهم فزادهم هدى وبأسا وتأييدا وعونا، فعلق المعتدون كُـلَّ آمالهم عليه، لعله يشعل فتنة تخلصهم من أُولئك الفتية المؤمنين.
دعا الشعبَ لينتفضوا في كُـلِّ محافظة وفي كُـلّ مديرية وعزلة وقرية ضد أُولئك الفتية الذين يقدمون دماءَهم الطاهرة دفاعا عن الشعب كله وعن أرضه وأعراضه ومن أجل أمنه واستقلاله وحريته، وأشعل فتيل الفتنة واستعطف مملكة الإجرام بنبرات يظن من يسمعها أنه لا زال الآمر الناهي.
ومن فَرْطِ غروره، ظنَّ أن الأرضَ ستشتعلُ بعد هرجه ومرجه، وأن العاصمةَ ستسقط من حشود المستجيبين له وخُصُوصاً أُولئك الذين قبضوا الثمن لتنفيذ ذلك، فمرت الساعة والساعات ولم يرَ شيئاً مما ظنه واقعا، وتفاجأ بعدها بالكثير ممن قطعوا له العهود بنصر فتنته الشيطانية يتواصلون به ويدعونه لتسليم نفسه لدولة الفتية الحفاة وقائدهم.
لقد كان جاهلا بأن أُولئك الفتية وقيادتهم الحكيمة يعلمون بكلِّ خطوة من خطواته هو وتحالف العدوان في هذه المؤامرة، وأنه حينما كان يرتب هو وأسياده عبيد العبيد خطوات هذه المؤامرة ويجهزون لها، كان أُولئك الفتية وقائدهم يرتبون ليفشلوا تلك المؤامرة في كُـلّ خطوة من خطواتها، ويصنعون الوجهَ المشرق والعظيم لهذا الحدث ويرسمون النهاية لكل المجرمين المتورطين فيها.
ومرَّ اليوم الأول من فتنته واليوم الثاني وهو يرى الخِناقَ يضيقُ عليه من جانب، ويرى الوساطاتِ من قائد المسيرة تتضاعفُ أكثرَ فأكثَرَ من جانبٍ آخر، فزادت حَيرتُه وتضاعفَ تردُّدُه وأصبح تائهاً وعاجزاً عن الاختيار، أيختار النهاية السوداء أم يستجيب لنداء القائد العلم، وهذا ما جعل القائد العلم يكمل الحجّـةَ عليه صباح اليوم الثالث لفتنته ويوجه إليه خطاباً من قلب مشفق حليم ناشده فيه باختيار القرار الصائب، فأوهمه أقربُ الناس إليه أن ذلك الخطاب هو دليل الضعف وقرب النهاية للأنصار، فأعماه الشيطان ليقرّر عدم التجاوب، وبذلك القرار رسم نهايته التي يستحقها أمام الشعب الذي صبر على جوره وطغيانه وإجرامه لأكثر من أربعة عقود من الزمن الأليم.
فأخمد رجالُ الله فتنتَه وطووا تاريخه الإجرامي العفن، وصنعوا الوجهَ المشرقَ والعظيم لهذه الفتنة الهوجاء، ودوّنها التاريخُ في أنصع صفحات تاريخ الكفاح والنضال اليمني.