كيف سيتعامل بايدن مع جماعات الإسلام السياسي؟
ستحاول الإدارة الأميركية الجديدة فك الحصار عنها عربياً وتسويقها مرة أخرى بآليات جديدة
طارق فهمي *
من المتوقع أن يتجه الرئيس المنتخب جو بايدن إلى معالجة جديدة في العلاقات الأميركية وجماعات الإسلام السياسي في الإقليم، وعلى رأسها “الإخوان المسلمين”، والسؤال المطروح: هل سيؤثر ذلك في مسارات العلاقات الأميركية مع بعض الدول العربية والشرق أوسطية التي توجد بها هذه الجماعات؟ وما آليات التعامل معها؟ خصوصاً أن التطورات الهيكلية الجارية في الإقليم بأكمله، قد تسمح بمرحلة جيدة من التوازنات بين جماعات الإسلام السياسي وإدارة بايدن الجديدة.
فتح صفحة جديدة
لا يمثل الرئيس بايدن نفسه في الإدارة الجديدة، بل هو ممثل لنخبة واشنطن التي تتعامل مع جماعات الإسلام السياسي في الشرق الأوسط على أنها “قابلة للتعامل”، وأنها “ليست خطراً حقيقياً”، بل إن التوقيت الراهن قد يكون ملائماً لفتح صفحة جديدة، وبناء شراكات سياسية مختلفة، استثماراً للظرف السياسي الحالي.
ومن ثم، فليس صحيحاً أن هذه النخبة ستتخلى عن مواقفها أو توجهاتها السياسية كما هو شائع، على اعتبار أن المنطقة خلال فترة 2013 تختلف عن الوقت الراهن، خصوصاً أن الوضع في بعض الدول العربية لا يزال منقسماً في التعامل مع جماعات الإسلام السياسي، وتحديداً “الإخوان المسلمين”.
إن حظر جماعات الإسلام السياسي لم يحدث أصلاً في فترة الرئيس ترمب، الذي بقي وإدارته يناوران في إطار المصالح الأميركية المباشرة، من خلال تكتيك سياسي محدد، لم يدفع بالإدارة الجمهورية إلى الدخول في تصنيفات سياسية مثل دول إقليمية كالسعودية ومصر والإمارات، ونجحت إدارة ترمب في إبقاء العلاقات مع دول مثل تونس والجزائر والأردن والمغرب وفقاً لمبدأ الكلفة والعائد والنفقة.
لقد وظفت جماعات الإسلام السياسي مصالحها المباشرة مع إدارة ترمب ولم تخرج عن السياق الأميركي، وبقيت في مواقعها من دون تهديد حقيقي للمصالح الأميركية، كما ظلت عناصر هذه الجماعات في الولايات المتحدة على وعي بخطورة الصدام المحتمل مع الإدارة الجمهورية.
وبالفعل جرى ذلك في سياق من المصالح المتبادلة، فلم تكن هناك أية خلافات حقيقية أو صراعات سياسية، واستمر التجاذب السياسي والإعلامي داخل دائرة محددة من الخيارات في دوائر الكونغرس وبعض لجان مجلس الشيوخ، وهو وضع لم يقارن بما حدث من مواجهات في مجلس العموم البريطاني على سبيل المثال أو في الـ “بوندستاغ” (البرلمان) الألماني، والرسالة التي تفهمتها جماعة “الإخوان المسلمين” تحديداً هي البقاء في الدائرة الوسط وترقب ما هو مقبل، والرهان على أن الولايات المتحدة لن تحظر نشاط الجماعة، وهو ما حدث بالفعل مع إدارة ترمب، خصوصاً أن اختبار السلطة الذي تعرضت له الجماعة في مصر وتونس كشف كثيراً عن داخل الجماعات الإسلامية، وليس سقوط “الإخوان” في مصر إلا دليلاً على أنهم غير قادرين على التعبير عن طموحات الشعوب.
توجهات إدارة بايدن
ولهذا فمن المتوقع أن تركز إدارة الرئيس المنتخب بايدن على بعض التوجهات التي يجب وضعها في الاعتبار، وفي مقدمها إعادة تعويم دور جماعات الإسلام السياسي في الإقليم، ولكن وفقاً لرؤية مرحلية، مع عدم الصدام مع الدول العربية المعنية في الفترات الأولى، من خلال الدعوة المباشرة إلى تبني الموجة الثانية للدمج والصهر، والتكاملية من جديد عبر آليات ديمقراطية، وهو ما كان يتكرر من مسؤولي إدارة أوباما، وأغلبهم سيتولى مواقع في ولاية الرئيس المنتخب.
ويعني هذا أن الأمر سيكون مرتبطاً بهدف إلحاق جماعات الإسلام السياسي في العملية السياسية مرة أخرى عبر وسائل جديدة، ومنهج متطور يراعي التغيرات التي جرت في الشرق الأوسط منذ 2013 وحتى اليوم، إذ لا يوجد لدى بايدن وحزبه الديمقراطي ما يمكن تقديمه “للإخوان المسلمين”، عدا بعث روح الحراك الشعبي مرة أخرى، بالتزامن مع الجهود لتحقيق اتفاقات سياسية لتقاسم السلطة.
ومن الممكن اعتماد “الإخوان المسلمين” مرة ثانية كنموذج للتغيير المقبل الذي يمكن البناء عليه، على اعتبار أن الجماعة لا تزال تطرح نفسها أمام الإدارة الأميركية على أنها البديل الجاهز الممثل في شريحة كبيرة من المؤيدين لنهجهم، على الرغم من فشل تجربة الحكم الكبرى للجماعة في بلد مثل مصر، واستمرارها في قطاع غزة. وبقي النموذج الأردني صالحاً للتكرار بصورة كبيرة.
والمعنى أن ممثلي التيار اليساري في الحزب الديمقراطي سيعملون على إعادة تصويب المشهد لمصلحة الجماعة في محيطها العربي والمصري خصوصاً، على الرغم من الحرص الأميركي المتوقع للتعامل من منظور مختلف.
مساحة من التفاهمات الجديدة
وتدرك الإدارة الأميركية الجديدة أن مدخل التعامل مع جماعات الإسلام السياسي، و”الإخوان” خصوصاً، سيتركز في ضرورة إيجاد مساحة من التفاهمات الجديدة بين ممثلي الجاليات الإسلامية الكبرى والموجودة في المهجر، لدفع عناصرها إلى إعادة العمل مجدداً من الداخل في ظل وجود القيود والإشكالات التي تواجه ممثلي هذه الجماعات في الدول التي حظرت الجماعة بالكامل، وقيدت حضورهم السياسي والإعلامي، واتبعت خيارات عدة من أجل إنهاء دورهم.
وبالتالي، فإن الإدارة المنتخبة سيتركز دورها خلال الفترة الأولى على إعادة تدوير حساباتها السياسية، والعمل على دفع الأنظمة العربية التي حاصرت نشاط جماعات الإسلام السياسي إلى التخفيف من هذه الإجراءات التي اتخذت، ومحاولة الإفراج عن عناصرها، وتسويق الخيار الإسلامي مرة أخرى، خصوصاً أن السماح لممثلي هذه الجماعات بالوجود والمشاركة السياسية سيحتاج أدوات وآليات أخرى غير متوافرة وغير موجودة.
ولن ترحب غالبية هذه الدول بأية إجراءات حتى ولو دخلت في مساحة من التجاذب مع الإدارة المنتخبة، إذ إن الدعوة الأميركية من خلال الحزب الديمقراطي لإقرار مزيد من الحقوق والحريات، والعمل على اتباع قيم الديمقراطية والتعددية غير واردة، ولن تكون سهلة في ظل اعتبار هذه الجماعات خصماً وعدواً، وهو ما فرض حظراً كبيراً وحقيقياً على نشاطها، فضلاً عن بقاء طرق التعامل معها داخل إطار من الخيارات الأمنية لا السياسية.
ومن ثم، فلن تتجاوب غالبية الدول العربية التي فرضت حظراً على هذه الجماعات مع الطرح الأميركي، خصوصاً أن استمرار النظر إلى الحزب الديمقراطي على أنه الداعم الأكبر لجماعة “الإخوان المسلمين” سيظل مطروحاً، ولعل واقعة تسريب رسائل البريد الإلكتروني للمرشحة الديمقراطية السابقة هيلاري كلينتون يشير إلى عمق العلاقات الأميركية مع “الإخوان المسلمين”، واعتبارها تمس أمن مصر القومي في ظل علاقات جرى توثيقها بالفعل لما كان قائماً ومطروحاً في الأوساط العربية والمصرية، من وجود علاقات مريبة واتصالات غير مشروعة جرت بين ممثلي الإدارة الأميركية وبعض رموز العمل الإسلامي السياسي والمحسوبين على تيار الجماعة، في إشارة إلى استمرار الاختراق الأميركي لكل قواعد العمل الدبلوماسي بين واشنطن ودول حليفة لها في الإقليم مثل مصر.
كيف ستتحرك جماعات الإسلام السياسي؟
في المقابل، توجد توقعات لمسارات عدة ستنتهجها جماعات الإسلام السياسي للتعامل مع الإدارة الأميركية المنتخبة، في مقدمها إعادة تأكيد التعامل عبر مراكز إسلامية وخبرة كبرى ستتحرك من مدن أميركية عدة، وهو ما يجري في الوقت الراهن، وبرز في خطاب إعلامي مركّز يشير إلى العمل على نقل رسائل مهمة للعواصم العربية التي حظرت الجماعة من أن هناك تغييرات مفصلية ستجري، وأن جماعات الإسلام السياسي سيكون لها دور كبير خلال الفترة المقبلة، وأنها ستقفز إلى الواجهة السياسية مجدداً، وأن هذا الأمر سيكون على رأس أولويات الإدارة الأميركية الجديدة.
والغريب أن جماعة “الإخوان المسلمين” المحظورة في مصر أصدرت بياناً بخصوص فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن في انتخابات الرئاسة الأميركية، وثمّنت في البيان الصادر عن نائب مرشدها العام إبراهيم منير، العملية الانتخابية في الولايات المتحدة، وقالت إن انتصار بايدن هو “الفوز الذي يبرهن على أن الشعب الأميركي ما زال قادراً على فرض إرادته”.
وما ترتكبه الأنظمة المستبدة” حول العالم من جرائم وانتهاكات في حق الشعوب. فهل وصلت الرسالة؟
في السياق ذاته، سيجري العمل على إعادة الدفع ببعض العناصر الموجودة في واشنطن وبعض العواصم الأوروبية الكبرى من أجل ترسيخ فكرة الديمقراطية التشاركية، ووجود البديل الجاهز بعد فشل وارتباك الأنظمة، واتهامها بأنها لا تملك سوى الآليات الأمنية في التعامل.
وعلى الرغم من صعوبة تفهم ذلك، فإن جماعة “الإخوان المسلمين” تقوم في الوقت الراهن بشحن الآلة الإعلامية الجهنمية لتسويق بعض السياسات والآراء والأفكار، من أجل إيجاد حال من التذمر والسخط على أداء الحكومات العربية، وهو ما يجب استثماره جيداً والتعامل معه، خصوصاً أن الجماعة تعاني حالاً من التشكك والانقسام والفشل، واستمرار المشهد وفقاً لسيناريو مفتوح.
إن مخطط الديمقراطيين لتأسيس دول دينية في الإقليم لن يكون مطروحاً كما كان من قبل، لكن المؤكد أن الإدارة الأميركية الجديدة سيكون لها توجه نحو فتح الباب الموصد أمام استئناف الاتصالات مع جماعات الإسلام السياسي و”الإخوان” على وجه الخصوص، وهذا التوجه سيكون مطروحاً بصورة أو بأخرى.
ومع الفارق أن “الجماعة” تسعى إلى استدعاء مشهد التعامل مع الولايات المتحدة، وإعادة تكرار ما فعلته السفيرة الأميركية السابقة في القاهرة آن باترسون، عندما أجرت اتصالات مباشرة معها، وسعت إلى دعمها كما ورد في وثائق رسمية.
الخلاصات الأخيرة
وستعمل آلة الدعم “الإخواني” في الولايات المتحدة على دائرة مهمة وعبر كيانات مثل “كير” للترويج لطبيعة العلاقات بين الإدارة الأميركية الجديدة و”الإخوان المسلمين”، خصوصاً مع وعد الرئيس بايدن بتعيين شخصيات مسلمة في الإدارة، وهو ما يمكن وصفه برد الجميل لبعض الشخصيات التي دعمت حملته وتبرعت بالملايين.
ومن المؤكد أن معركة أخرى ستدار تفاصيلها في الكونغرس ومجلس الشيوخ حول التعامل مع جماعات الإسلام السياسي و”الإخوان” تحديداً، وهو ما يجب تفهمه في إطار سياسة المصالح التي ستبقى الحاكمة للعلاقات بين هذه الجماعات والإدارة الأميركية الجديدة.
* المصدر : اندبندنت عربية