فرنسا.. تاريخ أسود ضد الإسلام والمسلمين ومجازرها بالجزائر وصمة عار أبدية
عواصم- سبأ: مرزاح العسل
يُجاهر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مراراً وتكراراً منذ قدومه إلى قصر الإليزيه بعدائه للإسلام والمسلمين، رغم تاريخ بلاده الاستعماري الأسود ومجازرها الوحشية والمروعة بحق الجزائريين والتي تُعد وصمة عار أبدية لن يمحوها الزمن.
ففي مطلع أكتوبر الجاري خرج لنا ماكرون بتصريحات –أقل ما يُقال عنها بأنها- مُقززة وتدل على عنصرية مقيتة مُظهراً عداء بلاده التاريخي للإسلام والمسلمين.. قائلاً: “إن الإسلام يعيش اليوم أزمة في كل مكان بالعالم، وإن على فرنسا التصدي لما وصفها بـ”الانعزالية الإسلامية” الساعية إلى إقامة نظامٍ موازٍ وإنكار الجمهورية الفرنسية”.
وأعلن ماكرون في خطاب له غرب باريس يوم 2 أكتوبر الجاري عن سياساته ضد ما سمّاه “التشدد الإسلامي الذي يتخذ العنف منهجا له”.. وطرح مشروع قانون ضد “الانفصال الشعوري”، بهدف “مكافحة من يوظفون الدين للتشكيك في قيم الجمهورية”، وهو ما يعتبر استهدافا للجالية المسلمة على وجه الخصوص.
وقال ماكرون “إن في ما وصفها بالنزعة الإسلامية الراديكالية عزما على إحلال هيكلية منهجية للالتفاف على قوانين الجمهورية الفرنسية، وإقامة نظام مواز يقوم على قيم مغايرة، وتطوير ترتيب مختلف للمجتمع” على حد تعبيره.
وأثار خطابه حالة من الجدل لما تضمنه من رؤية وموقف تجاه الإسلام والمسلمين.. وبالرغم من محاولته تخفيف حدة هذا الخطاب من خلال الإشارة إلى أن السلطات الفرنسية تتحمل جزءًا من المسؤولية في تطور ظاهرة تحول الأحياء إلى مجتمعات مغلقة، وكذلك الدعوة إلى فهم أفضل للإسلام وتعليم اللغة العربية؛ إلا أن الخطاب أثار ردود أفعال قوية وتفاعلًا سلبيًّا من قبل عدد من المؤسسات الإسلامية في مختلف دول العالم.
مجازر الجزائر.. وصمة عار أبدية:
ورداً على إساءة ماكرون للدين الإسلامي والسخرية من واقع الأمة اليوم.. وجه قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي رسالة له خلال كلمته التي ألقاها في اجتماع موسّع بحضور العلماء ومسئولي الدولة تدشيناً لفعاليات الاحتفال بمولد سيد الخلق أجمعين.
وقال السيد عبد الملك إن “التصريح الأخير للرئيس الفرنسي الذي يسيء للإسلام هو من أشكال التعبير العدائي للأمة الإسلامية”.. مؤكداً أن الأزمات التي يعانيها المسلمون ما هي إلا نتاج مما فعله الاستعمار الغربي، كالذي فعلته فرنسا في الجزائر.
وأضاف مخاطباً ماكرون: “وصمة العار الأبدية التي ستستمر في واقعكم هي ما فعلتموه خلال استعماركم للجزائر واستمراركم في تبرير تلك الجرائم الفظيعة”.
واعتمد السيد عبدالملك في رسالته على شاهد تاريخي يُعد هو الأبشع والأكثر دموية في تاريخ الأمة الإسلامية.. شاهد لا يذكر اسم الجزائر دون أن يكون حاضراً، فتاريخ بلد المليون شهيد مليء بمجازر الاستعمار الفرنسي التي كان هدفها تدشين مشروع طمس الإسلام وإنهاء وجوده، غير أنه فشل في بلدٍ وهب الحرية والثورة والاستقلال ثلث أبنائه، على الرغم من وحشية المستعمر وبشاعة انتهاكاته.
إلى ذلك انتقد مفتي سلطنة عمان الشيخ أحمد بن حمد الخليلي خطاب الرئيس الفرنسي، ووصفه بأنه “هجوم غير مسبوق على الدين الإسلامي من جانب رئيس فرنسا، الدولة التي تتفاخر بالحريات والديمقراطية والمساواة”.
كما أصدر مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر بيانًا رفض فيه تصريحات ماكرون.. وذكر البيان: أن الرئيس الفرنسي وجّه “اتهامات باطلة للإسلام لا علاقة لها بصحيح الدين، الذي تدعو شريعته للسماحة والسلام بين جميع البشر، حتى من لا يؤمنون به”.
وأضاف البيان إن “تصريحات الرئيس الفرنسي تنسف كل الجهود المشتركة للقضاء على العنصرية والتنمر ضد الأديان، وأن تصريحات عنصرية مثل هذه من شأنها أن تؤجج مشاعر ملياري مسلم”.
وسبق أن انتقد شيخ الأزهر أحمد الطيب ما اعتبره إصرار بعض مسئولي الدول الغربية على استخدام مصطلح ” الإرهاب الإسلامي”.
بدوره اعتبر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون يسعى لمحاسبة الإسلام والمسلمين.. منددا بمن أسماهم المنزعجين من صعود الإسلام.
وانتقد مدونون وسياسيون فرنسيون ماكرون على اختياره مصطلحا مثيرا للخلاف والفتنة داخل المجتمع، على حد قولهم.
حديث ماكرون عن الإسلام تحديداً، وقوله بأن “على فرنسا “التصدي إلى الانعزالية الإسلامية”، الساعية إلى “إقامة نظام موازٍ” و”إنكار الجمهورية”، أثار ردود فعل غاضبة من داخل فرنسا، ومن أنحاء مختلفة من العالم الإسلامي.
تمرير قوانين وإجراءات ذات طابع عُنصري:
مُنذ أنْ جاء الرئيس الفرنسي إلى قصر الإليزيه، وشُغله الشّاغل دائمًا هو التّطاول على الدين الإسلامي بطريقةٍ استفزازيّةٍ غير مسبوقة، فبعد استخدامه توصيف “الإرهاب الإسلامي” أكثر من مرّةٍ ها هو اليوم ينحَت توصيفًا أكثر تحريضًا ضد المسلمين.
وتأتي تصريحات ماكرون بعد أيام من تصريحات وزير داخلية فرنسا جيرالد دارمانان بشأن الهجوم الذي استهدف المقر القديم لصحيفة شارلي إيبدو الساخرة، وأسفر الهجوم الذي نفذه، رجل من أصول باكستانية، عن إصابة شخصين بجروح خطيرة.
وقال الوزير الفرنسي، إن بلاده “في حرب ضد الإرهاب الإسلامي”.. مؤكداً أنه تم إحباط “32 هجوما” في فرنسا على مدى السنوات الثلاث الماضية، وأن ذلك “يساوي تقريبا هجوما كل شهر”.
ويأتي هذا التّصعيد للكراهية ضدّ الإسلام والمُسلمين الذي يقوده ماكرون شخصيًّا، تمهيدًا لتمرير قوانين وإجراءات ذات طابع عُنصري ضدّ الجِيلَين المُسلِمَين الثّالث والرّابع في فرنسا بعد الاعتِراف بفشل ما يُسمّى بالخطوات الإصلاحيّة لدمجهما في المُجتمع الفرنسي، مُضافًا إلى ذلك أن ماكرون يُحاول يائسًا استِعادة ما فقده من شعبيّةٍ أمام اليمين المُتطرّف، استِعدادًا للانتخابات الرئاسيّة عام 2022م.
هذا ولم يكن الخطاب الأخير للرئيس الفرنسي الأول من نوعه الذي تناول خلاله وضع الإسلام والمسلمين، فقبل عدة أشهر، وأثناء مؤتمر صحفي بمدينة ميلوز الفرنسية وتحديداً في شهر فبراير الماضي، انتقد ما أسماه “الانعزالية الإسلامية”، ووصفها بأنها مشروع سياسي “للانفصال عن الجمهورية وقيمها”.
تاريخ أسود من المجازر:
ومن خلال تصريحات ماكرون المستفزة للإسلام والمسلمين نستذكر تاريخ الاستعمار الفرنسي للجزائر ومجازره الوحشية بحق بلد المليون شهيد.
ففي عام 1827، طالب الداي حسين، حاكم الجزائر العثمانية، بسداد الديون من القنصل الفرنسي بيير دوفال، لكن الأخير رفض فرد عليه الداي بصفعه بمنشة الذباب، ووصفه بأنه “نذل شرير، كافر، ومن عبدة الأوثان”، وبعدها ظهر الملك شارل أمام مجلس الشعب الفرنسي في 2 مارس ١٨٣٠م، ليقول إنه يريد الانتقام للفرنسيين من الإهانة الجزائرية للقنصل و”إنهاء القرصنة، وإدخال الجزائر في الديانة المسيحية”.
وفي منتصف يونيو عام 1830م بدأ الملك شارل العاشر الفرنسي غزو الجزائر بسبب رفض بلاده تسديد ديونها مقابل الحبوب التي زود بها التجارُ الجزائريون جيشَ نابليون الفرنسي خلال “الحملة الإيطالية” تحت حكم الجمهورية الأولى.
ومن خلال ذلك يتضح جلياً أن الغزو الفرنسي للجزائر كان غرضه القضاء على الدين الإسلامي وسلب أموال المسلمين وأرواحهم، فإلى جانب المليون شهيد الذين سقطوا بآلة الحرب الفرنسية عمل الاستعمار على تغيير لغة البلد العربية إلى الفرنسية وحوّل المساجد إلى كنائس وكاتدرائيات، وقامت فرنسا المفلسة مالياً بنهب خزينة الجزائر، وسرقت ما يزيد عن 43 مليون فرنك من الذهب والفضة، إضافة إلى المبالغ التي اختفت وتلك التي أنفقت على جيش الاحتلال.. وإلى جانب تلك الأسباب كان لشخصية الجزائر الدولية وهيبتها العالمية قبل سنة 1830، أثرا في الحقد الذي تعرضت له من المستعمر.
ومن شواهد بشاعة الاستعمار الفرنسي للجزائر التاريخية جريمة “قبيلة العوفية”، في أبريل 1832م، عندما أبادت قوات الاحتلال سكان القبيلة بشكل كلي وعددهم 1200 جزائري.
وفي 8 مايو 1945م، سجل الاحتلال الفرنسي أكبر مجزرة في تاريخ البشرية، وكان ذلك بالتزامن مع انتهاء الحرب العالمية الثانية (1939– 1945)، التي قدم فيها الاستعمار أبناء الجزائر كباش فداء في محاربة الألمان بقيادة أدولف هتلر، للدفاع عن فرنسا التي يحتلها جيش الفوهرر بينما تحتل هي الجزائر.. وعند انتهاء الحرب خرج مئات الآلاف من الجزائريين، في 8 مايو للاحتفال، ولمطالبة فرنسا بالوفاء بوعدها بمنحهم الاستقلال، لكن قوات الاستعمار استخدمت الرصاص الحي، وقتلت بين 45 ألفا إلى 70 ألفا من المتظاهرين العزل خلال يوم واحد.
وكذلك جريمة “غار الفراشيش أو الفراشيح” (بجبال الظهرة)، في 20 يونيو 1845م، التي تمثلت في إبادة وحرق أبناء قبيلة أولاد رياح داخل مغارة بعد أن حاصرهم المستعمر، وانتهى الحصار بتفجير المغارة مخلفاً ما يربو عن 1000 شهيد من الأطفال والنساء والشيوخ والرجال.
كما عمل على إنشاء خط موريس أواخر سنة 1956م، وخط شال سنة 1958م، وكلاهما عبارة عن حقل ألغام محصور بالأسلاك الشائكة المكهربة بقوة 5000 و6000 فولت، بعرض 6 إلى 12متراً وحتى 60 مترا في بعض المناطق، وعلى امتداد يتراوح بين 400 و700 كيلومتر، وبعرض يتراوح بين 30 و50 كيلومتر، ضمت بداخلها ما يربو عن 11 مليون لغم، لا تزال ثلاثة ملايين منها مزروعة حتى اليوم.
وفي ديسمبر عام 1960م، عاد الشعب الجزائري مطالباً بحقه في الاستقلال بمظاهرة سلمية على مرأى ومسمع من أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة، إلا أن الفرنسيين باشروا بالاعتداء عليهم فأحصت جبهة التحرير الوطني وحدها ما يربو عن 800 شهيد، بينما أُعتقل أكثر من 1000 جزائري، بينما تعرض السكان وهم يدفنون شهداء الانتفاضة للقتل من قبل الحملة الفرنسية.
وإلى جانب ذلك تذكر الشهادات الحية التي أرخت لتلك المظاهرات، أن الجيش الفرنسي قام بدفن الجرحى وهم أحياء في مقابر جماعية، وأرفقت في العام بمجزرة أخرى ارتكبت في حق المهاجرين الجزائريين بتاريخ 17 أكتوبر 1962، حيث رُميّ بالمتظاهرين أحيانا في نهر السين.
وبين سنوات 1960 و1966، أجرت السلطات الاستعمارية الفرنسية 17 تفجيرا نوويا في عمق الصحراء بالجزائر.. وتسببت تفجيرات فرنسا النووية في مقتل 42 ألف جزائري وتعرّض الآلاف لإشعاعات نووية أدت إلى إصابتهم بأمراض سرطانية، كما تلوثت البيئة وباتت منطقة “رفان”، التي كان مسرحا للتجارب، غير صالحة للحياة.. فاقت قوّة تفجير القنبلة الأولى قنبلة هيروشيما بـ3 مرات، وإلى اليوم لا يزال الجزائريون يطالبون فرنسا بتعويضات عن هذه الجريمة.
كما ارتكبت حركة الجيش السري (O.A.S) جرائم تعددت بين تقتيل جماعي، تفجيرات عشوائية، تخريب للممتلكات.. إلخ، على غرار تفجير مكتبة جامعة الجزائر وحرق محتوياتها باستخدام 3 قنابل فسفورية في عام 1962م، ما انتهى بإتلاف ما يربو عن الـ 300 ألف كتاب، من أصل 600 ألف، تنوعت بين المخطوطات والكتب المطبوعة والمجلات والجرائد والدوريات، إضافة إلى التصفية الجسدية للكتاب والمفكرين، أمثال الكاتب مولود فرعون في مارس من العام ذاته.
وصرّح الجنرال الفرنسي “بيجو”، صاحب سياسة الأرض المحروقة في الجزائر، في العشرية الأولى لبداية الاحتلال بقوله: “إن نزع ملكيات الجزائريين، هو الشرط الأول الذي لا مفرّ منه لتثبيت أقدامنا في أرض الجزائر”.. حيث عمد الاستعمار إلى نهب أراضي المزارعين وحوّلهم إلى أجراء يعملون معه بالأجر اليومي، وصادر من أراضي الجزائريين ما بين 1840– 1950م، حوالي 2.7 مليون هكتار.
وإضافة إلى ذلك، سجل المؤرخ الدكتور أبو القاسم سعد الله في كتابه “الحركة الوطنية”، وذكر حمدان خوجة في مذكراته، ما ارتكبه الفرنسيون من انتهاك بحق المقابر، إذ عملوا على نبش المقابر الفرنسية وتهريب عظام الموتى المسلمين من الجزائر إلى فرنسا، لاستخدامها في إنتاج فحم العظام، وتبيض السكر، وهو ما أثبتته التقارير الطبية لأطباء فرنسيين.
نحو 132 سنة هي الفترة التي احتل فيها الاستعمار الفرنسي للجزائر.. وعاثت فرنسا أثناء هذه السنوات الطويلة في أرض الجزائر الفساد وقامت بالكثير من الجرائم التي تصنف ضمن جرائم الحرب حتى قيل أن الاستعمار الفرنسي أباد نصف سكان الجزائر في تلك الفترة.
وتُعتبر قضية جماجم المقاومين الجزائريين، من الشواهد الحيّة على جريمة ارتكبتها فرنسا خلال فترة استعمارها للبلاد.. ظهرت هذه القضية سنة 2011، وأثارت جدلاً كبيراً في الجزائر وفرنسا، خاصة بعدما اتضح أن الجماجم تعود لبعض كبار قادة المقاومة، وضعتها فرنسا في علب كرتونية في “متحف الإنسان” بباريس.
وتعود الجماجم لأسماء كبيرة في المقاومة الشعبية الجزائرية بينهم الشريف بوبغلة، “وصلت إلى متحف باريس على شكل هدية بين سنوات 1880 و1881، وقد جرى تحنيطها وحفظها بمادة مسحوق الفحم لتفادي تعفنها”.. وفق مؤرّخين.. وطالبت الجزائر السلطات الفرنسية بإعادة الجماجم، وعددها 32 جمجمة، ولا تزال في انتظار رد السلطات الفرنسية.
هذه بعض الجرائم التي مارستها فرنسا إبان احتلالها للجزائر ومازال هناك الكثير من الجرائم والانتهاكات والاغتصابات وجرائم السلب والنهب التي يندى لها جبين الإنسانية.