الثورة الشعبية تفتح آفاقا وطنيةً للتحرر والتقدم والشراكة
استطلاع/ أنس القاضي
تحل علينا غداً الاثنين الذكرى السادسة لثورة الـ21 من سبتمبر الشعبية المجيدة بعد انتصارها في العام 2014م على قوى الطغيان والاستكبار وانتقلت من حل القضايا الاجتماعية والسياسية إلى مهمة الدفاع عن الوطن ضد التدخل العسكري العدواني الذي باشر جرائمه مساء الـ26 من مارس 2015م.
في هذه الذكرى تتبادر إلى اذهاننا كثير من الاسئلة عن الثورة الشعبية، ما هي آفاقها الوطنية اليوم، وما علاقتها بنضالات الحركة الوطنية اليمنية؟ موقفها من القضية الجنوبية وواقع الاحتلال اليوم، هل انتقالها إلى مهمة الدفاع عن الوطن يعني توقف مسارها السياسي الديمقراطي؟ ما هي العقبات التي تعترضها على المستوى المؤسساتي في مسألة مكافحة الفساد وخدمة الشعب، ما هي النماذج الجديدة التي جاءت معبرة عن فكر الثورة وأهدافها وتجسدت في الواقع.
للإجابة على هذه الاسئلة والحديث عن ثورة 21 سبتمبر في عيدها السادس ، وبالتزامن مع مضي 2000 يوم من العدوان ، أجرت إدارة التحقيقات الصحفية في وكالة الأنباء اليمنية (سبأ) استطلاعاً مع عدد من الأكاديميين والمسؤولين والسياسيين والباحثين.
21 سبتمبر استوعبت آمال وتطلعات كل وطني يريد اليمن في مصاف التطور الحضاري والإنساني
الدكتور سامي السياغي أستاذ العلوم السياسية في جامعة صنعاء ، يؤكد بأن ثورة 21 سبتمبر مثلت الحد الأعلى الذي ظل يحلم به كل وطني وكل انسان مؤمن بضرورة وضع اليمن على الطريق الصحيح في خط التطور الحضاري والإنساني في المنطقة والعالم.
ينوه السياغي إلى أن ما قبل 21 سبتمبر ظل الحديث عن مشروع الدولة الوطنية حديثاً قاصراً، وتجارب بناء الدولة الوطنية بعد الثورات الحديثة في اليمن والمنطقة العربية، ظلت قاصرة وبأن والجميع كان يُحس بفقدان جانب مهم كان ناقصاً في كثير من التجارب.
يضيف السياغي “لعلنا في ثورة 21 سبتمبر، قد وصلنا إلى كلمة السر التي تتمثل في ان مشاريع بناء الدولة الوطنية لا يمكن أن تنجح في ظل غياب السيادة واستقلال القرار الوطني، ففي حال الخضوع للدول الكبرى وإراداتها فإن ذلك يعني فشل المشروع الوطني في نهاية الأمر”.
وأشار السياغي إلى أن إصرار القيادة الثورية والسياسية الحكيمة على انجاز مشروع يرتبط بمرجعية القرآن الكريم ، بأن هذا الاصرار يسقط كل الرهانات على فشل ثورة 21 سبتمبر ، أو على وضعها في مكانة أدنى مما هي عليه في طليعة تجارب الثورة العالمية.
21 سبتمبر صوبت البوصلة وأعادت للثورة معناها الحقيقي وبدأت دخول عتبات النهوض
الدكتور سامي عطا – قسم الفلسفة كلية الآداب جامعة عدن ، عالج قضية الثورة من جانب فلسفي.
يقول عطا : “الثورة معادلة تعني استنهاض إرادة الناس إما تحرراً من احتلال أو تحرراً من نظام طغيان واستبداد، هكذا تم فهم الثورة”.. منوهاً إلى أن : “ثورة ٢١ سبتمبر ٢٠١٤م أعطت للثورة معنى ملموساً جديداً، إذ جعلتها تحرراً من التبعية والوصاية والارتهان”.
وفي سياق المقارنة التاريخية ، أشار سامي عطا إلى أنه ومع الآسف “مثلت ثورة ٢٦ سبتمبر مثلت ثورة مرغوب فيها، ولكن حصيلتها لم يبلغ مبتغاه، وأثبتت الممارسة أنها كانت ثورة اسماً ولكنها فارغة من المضمون ، ولذا يحق لنا القول أن ثورة ٢١ سبتمبر أعادت تصويب البوصلة وأعطت للثورة معناها الحقيقي”.
وأضاف “إذا أردنا أن نعرف مضمون ثورة ٢١ سبتمبر فإنها ثورة الخروج من تبعية التابع وتحرير إرادة اليمنيين من تحت نير الوصاية والارتهان، وشروع أبناءه في إقامة دولة السيادة واستقلال القرار، وبداية دخولهم عتبات النهوض”.
ثورة 21 سبتمبر شعبية ديمقراطية لم تخرج على الاجماع الوطني والنظام الجمهوري
ظروف العدوان الراهنة على اليمن جعلت من أولويات ثورة 21 سبتمبر انجاز مهام التصدي للعدوان وتحرير الأرض وصون السيادة الوطنية، هذا الأمر المتزامن مع جمود العملية السياسية، ولد مخاوف واستفهامات حول البُعد الديمقراطي في ثورة 21 سبتمبر.
الكاتب والباحث السياسي عبد الله صبري، يؤكد بأن “الديمقراطية واحترام الإرادة الشعبية من صلب ثورة 21 سبتمبر التي لم تخرج عن الإجماع الوطني فيما يتعلق ببناء الدولة ونظامها السياسي الجمهوري والديمقراطي ، وحتى الآن وبرغم الحرب العدوانية المستمرة منذ ست سنوات لم يصدر عن قوى الثورة ما يمكن اعتباره تراجعا عن المسار الديمقراطي الذي سلكته بلادنا مع إعلان الوحدة وقيام الجمهورية اليمنية”.
يضيف صبري ” بالنظر إلى واقع الفترة المحدودة التي أعقبت انتصار الثورة الشعبية، يلحظ المتابع أن القوى الثورية وأبرزها أنصار الله قد سارعت إلى التفاهم مع بقية القوى السياسية ووقعت معها اتفاق السلم والشراكة، وأبدت استعدادها لإشراك مختلف الأطراف في إدارة الفترة الانتقالية ، على أساس المسئولية الجماعية ، إضافة إلى المضي في إنجاز عقد اجتماعي جديد بالاستناد إلى مخرجات مؤتمر الحوار الوطني المتوافق عليها”.
وينوه صبري إلى أنه “رغم إطار الحرب العدوانية على بلادنا، لا يمكن القول أن الحياة السياسية الديمقراطية قد تعطلت على النحو الذي قد يظنه البعض ، ومع أن ظروف الحرب الاستثنائية تعد مبررا واقعيا لتجميد آليات التنافس على السلطة أو تداولها سلميا عبر صندوق الاقتراع ، إلا إن جذر الديمقراطية يعني ” حكم الأغلبية “، كما أن الشرعية الشعبية أو الثورية هي الأعلى فوق كل الشرعيات كما هوم معروف ، ولولا ذلك لأصبحت “الثورة” مجرد عمل انقلابي وفقا للدستور والقوانين النافذة”.
عبد الله صبري يرى في الحشود الشعبية والمسيرات الجماهيرية المؤيدة للثورة والمجلس السياسي والحرب الوطنية في مواجهة العدوان شكلاً من الممارسة الديمقراطية المباشرة، ويرى فيها “الشرعية الثورية التي يمكن ترجمتها لتغدو دستورية وقانونية في ظل الظروف الطبيعية، مع فارق انه يمكن تنظيمها عبر انتخابات حرة تنافسية ونزيهة ، فيما هي حاليا أقرب إلى الاستفتاء الشعبي”.
ويشير صبري إلى أن توافق القوى السياسية الوطنية وأبرزها أنصار الله والمؤتمر الشعبي العام على تشكيل المجلس السياسي الأعلى في النصف الثاني من العام 2016م، قد منح الحياة السياسية بعدا دستوريا وقانونيا كبيرا، حيث استأنف مجلس النواب أعماله الاعتيادية، وكذلك بقية مؤسسات الدولة والأجهزة التابعة لها، وأمكن للأحزاب السياسية أن تنشط من جديد، لكن في إطار أولوية ” مواجهة العدوان “.
ويضيف “أعلنت القيادة السياسية عن رؤية وطنية لبناء الدولة، وإشراك الأحزاب السياسية والمجتمع المدني في مناقشة الرؤية وتنفيذها عمليا، الأمر الذي عكس جدية الثورة في مواصلة المسار الديمقراطي والبناء على ما تحقق منه في الماضي القريب”.
وينوه صبري إلى أن كل ذلك لا يكفي لكي نقول أن الحياة السياسية بخير في اليمن، فبالإضافة إلى الانقسام والصراع السياسي المتوازي مع العدوان الخارجي ، فإن الأحزاب والمكونات السياسية المصطفة في مواجهة العدوان تبدو في خمول سياسي ، إن على صعيد الحياة الداخلية لهذه الأحزاب، أو على صعيد الحياة العامة ، وهذا يعني أن بعض قيادات الأحزاب قد استكانت للحالة الاستثنائية ، واتخذتها شماعة للهروب من الاستحقاقات ذات الطابع الديمقراطي ، بل إن بعض الأحزاب تحولت إلى ظاهرة ” دكاكينية” على نحو مؤسف.
ثورة 21 سبتمبر عند موقفها العادل من القضية الجنوبية والجنوبيون يتشوقون لطرد الاحتلال
فضل أبو طالب عضو المكتب السياسي لأنصار الله، يرى بان الهدف الأبرز والأسمى لثورة 21 سبتمبر المجيدة هو تحقيق التحرر والاستقلال “الأمر الذي جعل الشعب بمختلف شرائحه الاجتماعية ومناطقه يلتف حول الثورة ويرى فيها الأمل والخلاص للشعب اليمني في شماله وجنوبه لإنقاذه من الاستبداد والوصاية الأجنبية”.
ونوه إلى أن “الثورة كانت حدثا وطنيا وتاريخيا استثنائيا غير مجرى التاريخ اليمني الحديث ، الثورة نقلت الشعب من واقع الظلم والاستبداد إلى عهد الحرية والكرامة والاستقلال، ومن أجل ترسيخ هذه الانجازات يواجه الشعب اليمني تحالف العدوان الذي يهدف إلى المساس بهذه المكتسبات”.
وأشار أبو طالب إلى أن السيد القائد عبد الملك بدرالدين الحوثي قائد ثورة 21 سبتمبر المجيدة -حفظه الله – كان واضحاً في اصطفافه إلى جانب الشعب اليمني ومدافعاً عن حقوقه ومظلوميته وكان واضحاً في رؤيته ومواقفه تجاه مختلف القضايا الوطنية.
وفيما يتعلق بالقضية الجنوبية ، ينوه أبو طالب إلى أن قائد الثورة كان عادلا ومنصفا من القضية الجنوبية باعتبارها مظلومية محقة ناتجة عن السياسة الغاشمة التي كان ينتهجها علي صالح والإصلاح طوال الفترة الماضية والتي كانت تقوم على القتل والنهب والإقصاء والتهميش بتوجيهات خارجية.
واضاف : “لذلك دعا السيد القائد إلى حل القضية الجنوبية حلاً عادلاً ومنصفاً وهذا الأمر يعرفه كافة أبناء المحافظات الجنوبية واليوم وفي ظل العدوان يدعو السيد القائد أبناء المحافظات الجنوبية للتحرك الجاد لمواجهة الاحتلال الخارجي واليوم قد اتضحت الصورة جليا للأغلبية الصامتة من أبناء المناطق الجنوبية المحتلة وعرفوا حقيقة نوايا العدوان”.
وأكد أبو طالب بأن الشعب اليمني في المحافظات الجنوبية بعد معرفة حقيقة العدوان ينتظرون بلهفة وتشوق للحظة التي تصل إليهم يد العون من ثورة 21 سبتمبر ومن اخوتهم في شمال الوطن للتحرر من الاحتلال الاجنبي الجاثم على صدورهم، ولتنصفهم مما وقع عليهم من ظلم وإجحاف منذ حرب 94 الظالمة.
ثورة 21 سبتمبر استوعبت قضايا تطوير التعليم الجامعي وانتصرت لمطالب الطلاب والكوادر
الدكتور عبد الملك عيسى عميد كلية الآداب في جامعة صنعاء، له تقييم ايجابي لما انجزته ثورة 21 سبتمبر حتى اليوم في حقل التعليم الجامعي ، يرى عيسى بأن ثورة 21 سبتمبر استوعبت بشكل كبير قضايا التعليم الجامعي ومطالب الأكاديميين والحقوق الطلابية التي رفعها الطلاب، برغم شحة الإمكانيات مقارنة بما قبل الثورة.
وأوضح عيسى: أن رئيس جامعة صنعاء القاسم محمد عباس قام بصرف الساعات التدريسية لكل الأستاذة بالجامعة لأول مرة في جامعة صنعاء منذ تأسيسها، وتحديث المناهج في كل الكليات، وإدخال “نظام سار” الخاص بالطلاب في جميع الكليات.
وأفاد بأنه “تم صرف ايميل لكل طالب وأستاذ بالجامعة وأصبحت جامعة صنعاء مؤتمتة بشكل كامل، وتحديث المعامل وإنشاء معامل جديدة والخطوة القامة هي وضع بنك أسئلة لكل المواد بالجامعة وصرف مبالغ كبيرة في الصيانة”.
وفي الحديث عن تجربته في كلية الآداب أشار إلى أن أبرز القضايا المعقدة التي كانت تؤرق الطلاب هي التأخر في استخراج الشهائد، مؤكداً أنه تم معالجة الشهادات منذ 2014 وحتى دور اكتوبر 2019 ولم يتبقى اي دفعة لم تستلم الشهادات الخاصة علماً بأنها لم تكن تسلم للخريجين إلا بعد مرور ثلاث سنوات كحد أدنى بسبب الفساد وعدم استشعار المسؤولية.
ونوه عيسى أنه تم ربط المواد الدراسية بسوق العمل فقد كانت المناهج الجامعية منفصلة عن الواقع فقامت العمادة بتحديث المنهج لعدد 580 مادة في 12 قسم علمي وأصبحت كلية الآداب ذات منهج منسجم مع واقعة ومرتبطة بسوق العمل.
واضاف ” تم فتح برامج الماجستير والدكتوراه بعد أن كانت هذه البرامج متوقفة بالكلية فتم فتحها بالكامل لعدد 12 قسم بالكلية، وأيضا تحديث البرامج التي تدرس فيها وتطبيق اللائحة الخاصة بالدراسة العليا بحيث يصبح نظام فصلي لعدد 8 إلى 10 مواد مقسمة على فصلين ولا تتجاوز الدراسة أكثر من عام يستطيع فيها الطالب الحصول على التمهيدي ماجستير ومواصلة الدراسة بدلا عن التأخير في هذا الموضوع فقد كانت الدراسة في برامج الماجستير تتجاوز الخمس والست سنوات سابقا”.
الثورة مستمر في مواجهة إرث كبير من الخراب والفساد
يرى بلال الحكيم الأمين العام لمجلس الشورى، بأن الثورة الشعبية لا تزال تتجدد بقيادة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي الذي يقود الثورة في وجه الطغيان الدولي والتكالب الاجنبي على اليمن”.
مؤكداً أن “الثورة مستمرة وحاجة ضرورية في مواجهة “كل من تسول له نفسه اعادة العجلة الى الوراء متناسين لحجم التضحيات والدماء والدمار الذي لحق ولا يزال بأبناء الشعب اليمني الصابر، والذي يعمل جاهداً من أجل بناء الدولة العادلة”.
ويقدر الحكيم حجم الصعوبات التي تواجه الثورة الشعبية وخاصة في الجانب المؤسسي، نتيجة الإرث الكبير الذي خلفه لنظام السابق الذي كان قد تمكن من انشاء شبكة مصالح فاسدة وكان رموزه فاسدين وفاقدين للأهلية والمسؤولية الوطنية”.
واشار إلى أن النظام السابق سيطر على مقاليد السلطة والثروة بعد ان صفى وهجر أغلب خصومه من مكونات سياسية وشخصيات، ” مارس النظام السابق الآلاف من عمليات الاغتيال والتغييب القسري والسجن والفصل من الوظيفة العامة والإقصاء والتضييق بحق مجموعة من الرجال الشرفاء والوطنيين الذين رفضوا الاستكانة او الصمت على الطغيان، وهو الأمر الذي حرم الدولة اليمنية من اخلاصهم وخبراتهم وجهودهم التي كان من الممكن توظيفها في البناء، ومن تلك الجرائم حرب المناطق الوسطى وحرب 94 والحروب الستة الظالمة على صعدة”.
وبين إلى أن النظام السابق لم يكن منهمكاً في التنمية بل خوض الحروب الداخلية وتصفية القوى اليسارية والقومية والإسلامية الثورية إرضاءً للأمريكي والسعودي.
وفي هذا المسار يرى الحكيم بأن الثورة الشعبية 21 سبتمبر 2014م جاءت ضرورة بعد وأد ثورة 11 فبراير 2011م، مشيراً إلى صلابة الثورة الشعبية التي استطاعت اقتلاع رموز الفساد التي حكمت من قبل المبادرة الخليجية وبعدها.