اليمن والوصايةُ قبل فجر الـ 21 من سبتمبر
منير الشامي
مما لا شك فيه أن الفسادَ كان اليد الطولى للوصاية الخارجية، وكان ولا يزال العدوان الأول على الشعب اليمني من قبل أعدائه الخارجيين في عهدهم الذهبي، ومن المعلوم أَيْـضاً أن الوصاية الخارجية كان لها ثلاثة أهداف لا رابع لها هي:
الهدف الأول: إبقاء اليمن كمقاطعة تابعة لحكام نجد لا تغيير فيها ولا تبديل، تكون فيها سلطة النظام السابق ظاهريًّا مُجَـرّد ديكور دولة أمام العالم، أما حقيقتها فلا تتعدى سوى سلطة تنفيذية لهم تتلقى التوجيهات من السفير السعودي، وتنفذها حرفيًّا ودون أي اعتراض، وهم أَيْـضاً (حكام نجد) الذين منحوا النظام السابق الصلاحيات الداخلية وفرضوا التوافق والانسجام بين ركني الخيانة الوطنية -العمالة القبلية والعمالة الرسمية- وفق قاعدة (رئيس الشيخ، وشيخ الرئيس)، ووزعوا الأدوار بينهم وحصروها للجانبين، وفوضوهما بحكم الشعب وِفْـقًا للسياسة التي تضمن بقاءهم وتثبت أركانهم وتقوي سيطرتهم على الشعب وتبقيه خاضعاً لسلطتهم وإرادتهم، ولهم الحق في اتباع كُـلّ أساليب القمع والتنكيل ضد الشعب وفي ترويضه بالحديد والنار، كما ألزموا النظام السابق وحدّدوا له الخطوط الحمراء التي يجب أن لا يتعداها أثناء حكمه إطلاقاً مثل:
– إيقاف حركة التنمية الحقيقية والاستثمارات الرافدة للاقتصاد، وعدم التفكير في بناء اقتصاد وطني حقيقي إطلاقاً.
– العبث بالمال العام ودعم الفساد في مؤسّسات الدولة بمختلف أنواعه كنهج لا حيادَ عنه.
– العمل على رفع مديونية الدولة من خلال الاقتراض الربوي وتبديد كُـلّ قرض وصرفه فيما لا يحقّق أي استفادة حقيقية للشعب عبر مشاريع صغيرة لا تسمن ولا تغني من جوع وتقضي عليها أبسط العوامل الطبيعية، أَو عبر مشاريع صورية لا ينفذ منها سوى حجر الأَسَاس -مشاريع وهمية- أَو عبر الاستيلاء على كُـلّ قرض وتقاسمه وتحويله إلى حسابات النافذين في البنوك الخارجية قبل وصوله.
– عدم استخراج الثروات البترولية والمعدنية الوطنية إلا في حدود ما تسمح به الشقية الكبرى وبعقود مجحفة بحق الشعب، وبأسعار متدنية تكون معظم إيراداتها للشركات الخارجية، وما تبقّى توزع بين أزلام العمالة الخارجية بنسب يحدّدها حكام السعودية.
الهدف الثاني: تمثل بعدم إخراج الشعب من واقع البؤس والمعاناة وفرض الفقر الإجباري والتجهيل المتعمد عليه بكلِّ الوسائل، بحيث يكون تفكير كُـلّ أبناء الشعب محصوراً في كيفية توفير لقمة عيشهم، وللنظام السابق الحقُّ في استخدم كُـلِّ الوسائل التي تحقّق ذلك، وتجعل هذا الحال واقعاً دائماً على الشعب لا يتغير ولا يزول.
الهدف الثالث: عدم بناء جيش حقيقي يحمل الولاء للوطن، بل بناء جيش ولاؤه لطغمة النظام أَو لجيش أسري، ونتيجةً لأَنَّ العمالة كانت قسمين، عمالة نظامية وعمالة قبلية، فقد تم بناء جيشين، جيش أسري تابع للنظام، وجيش قبلي تابع للجانب القبلي الإخواني.
وقد نجح طرفا العمالة والخيانة في تحقيق الهدفين السابقين للوصاية الخارجية بأسرع وقت وأقل تكلفة وأسهل أُسلُـوب، وهو أُسلُـوب الفساد الممنهج في كُـلّ شيء (كل شيء لنا وللشعب الشقاء).
هذا هو الوضع الذي فرض على الشعب اليمني من بعد اغتيال الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي وحتى تحَرّكت ثورة 11 فبراير 2011م، ونتيجة لأحداث ثورة 11 فبراير وشعاراتها الوطنية التي رفعتها، وما رأوه من إصرار وتحدٍّ فيها، تخوّف أعداء اليمن من استمرارها على المسار الوطني، وتحولها إلى ثورة شعبيّة حقيقية تذيب كُـلّ الخلافات بين مكوناتها وتوحدها للنضال السلمي لرفع مأساة الشعب المفروضة عليه وتجمعها حول المصلحة الوطنية.
وهذا ما دفع أعداء اليمن إلى محاولة السيطرة عليها عبر المسار العسكري الإخواني، فدفعوا المجرم الخائن علي محسن لإعلان الانضمام إلى الثورة وفرض الحصار العسكري عليها، وعبر المسار السياسي بفرض مؤامرتهم الخليجية برعاية الدول العشر، ومن خلال المسارين السابقين استطاعوا السيطرة والتحكم بكافة المكونات المشاركة في الثورة والمكونات المناهضة لها كالمؤتمر إلا مكوناً واحداً فقط عجزوا عن إخضاعه لهم هو مكون أنصار الله الذي ظل مواصلا للثورة وكانوا يعتقدون أن أمر القضاء عليه أمر بسيط خُصُوصاً بعد فشلهم في ثنيه بكل وسائل الترهيب والترغيب، وأنه لن يستطيع أن يحقّق شيئاً ولن يستمر في مواصلة الثورة وحده وقد أصبحت كُـلّ المكونات تحت سيطرتهم بما فيها المؤتمر.
هذا باختصار هو الوضع الذي كان عليه الوطن والشعب خلال عهد الوصاية التي نسفتها وأزاحتها عن كاهله ثورةُ الـ 21 من سبتمبر 2014م، واجتثت أيادي العمالة والخيانة من واقعه إلى الأبد، ولا زالت مستمرةً وستظل حتى تتحقّق كُـلَّ أهدافها، بما فيها معضلة الفساد أقبح وأخبث مخلفات الوصاية الخارجية وأياديها القذرة بإذن الله.