برغم الموت والجوع والحر وأيام النكد لاتزال صامدة على نهج الشهيد الرئيس صالح الصماد.. الحديدة: «سابـرة»
يمانيون../
إذا ما سألتهم عن معاناتهم وهمومهم يتردد معظمهم في الإجابة على سؤالك، ويكتفون بالرد عليك بإحدى كلمتين إما «سابرة» أو «صامدون»، والأخير ليست مجرد كلمة عابرة، فهي تحمل الكثير والكثير في طياتها، كونهم اشتقوها من «صماد»، وأصبحت بعض أبيات قصيدة «القناص اليماني» الشاعر أمين الجوفي، والتي عدلنا فيها كلمتين تنطبق عليهم كالتالي:
«الموت والجوع والحر وأيام النكدوإن سألته كيف حاله يقلك سابرة»
وبات أبناء الحديدة مؤمنين بوجوب أنه مهما بلغ حجم معاناتهم بفعل العدوان والحصار وتداعياتهما، إلا أن عليهم الصمود والثبات وفاء وعرفانا لتضحية الشهيد الرئيس صالح الصماد، التي عرف حجمها وقيمتها حتى البحر الأحمر حيث تشعر من تلاطم أمواجه وهيجانه الذي لا يتوقف، ويحمل معه ذكرى استشهاد الرئيس، أنه يود إخبارك بكبر حجم غضبه وحزنه وبكائه على مصابه.
فالبطالة وارتفاع أسعار المواد الغذائية وصعوبة الحصول على الغاز المنزلي والتنقل بين المديريات، بالإضافة إلى الموت بقذيفة هاون أو مدفعية أو عيارات الرشاشات الثقيلة، وأحيانا صواريخ كاتيوشا يطلقها العدو ومرتزقته، كل ذلك تجده في يوميات محافظة الحديدة، خصوصا في المناطق والأحياء والمديريات الواقعة على خطوط التماس، والتي زارت صحيفة «لا» إحداها، وتحدثت مع من تبقى من سكانها الذين لم يسعفهم وضعهم المعيشي للنزوح.
4 شهداء بمقذوفات المرتزقة يوميا
الطفل علي جبريل الطويل (16 عاما) خرج صباح الاثنين 6 أبريل، من منزلهم الواقع في المربع 1 بمنطقة 7 يوليو السكنية، ليبحث عن بقالة يشتري منها ما يسد جوعه، وفقا لحديث بعض معاريفه، فسقطت عليه قذيفة هاون أطلقها مرتزقة تحالف العدوان الأمريكي السعودي، ليفقد حياته لسبب يراه الغزاة ومرتزقتهم جُرما يستحق مرتكبه القتل، وهو ممارسة الحياة بشكل طبيعي.
علي جبريل ليس أول ولا آخر من تقتله مقذوفات تحالف العدوان ومرتزقته، فمنذ فشلهم في غزو مدينة الحديدة وتمركزهم بالقرب من بعض المديريات والمناطق والقرى السكانية، لا يمضي يوم دون أن يشنوا وابلا من قذائف المدفعية والهاونات وعيارات الرشاشات الثقيلة وصواريخ الكاتيوشا على منازل وأحياء المواطنين، موقعين فيها شهداء وجرحى.
يقول محافظ الحديدة محمد عياش قحيم لصحيفة «لا» إن 4 مواطنين يستشهدون يوميا بفعل خروقات العدوان ومرتزقته لاتفاق ستوكهولم من خلال القصف المكثف بمختلف أنواع الأسلحة الثقيلة والمتوسطة على منازل وممتلكات وقرى المواطنين في مدينة الحديدة وفي الدريهمي المحاصرة والتحيتا وغيرها، وذلك على مرأى ومسمع من الأمم المتحدة والمجتمع الدولي الذي رعى توقيع الاتفاق.
ويضيف قحيم أن أبناء الحديدة يعيشون حاليا أشد الأزمات الإنسانية، والمدينة ومعظم مناطق المحافظة تعد منطقة عسكرية، أي مستهدفة من قبل تحالف العدوان ومرتزقته، ويسقط شهداء من المواطنين بشكل يومي من طرف المحافظة إلى طرفها، منذ أن تم إعلان دخول اتفاق ستوكهولم حيز التنفيذ.
ويؤكد أن العدو ومرتزقته لم ينجزوا حتى الآن أية خطوة أو ينفذوا أي التزام وفقا لما تضمنه الاتفاق، ويتحمل مسؤولية ذلك وما يترتب عليه المجتمع الدولي والأمم المتحدة الذين ثبت فشلهم وأنهم لا يعرفون سوى الماديات، أما نحن فلا نعرف سوى الرجولة والجهاد في ميادين القتال، ففريقنا الوطني في لجنة تنسيق إعادة الانتشار يقوم بعمله على أكمل وجه، وكذلك فريقنا الوطني المفاوض، وبالتالي فإن الخلل والتقصير المتعمد هو من المجتمع الدولي بهيئاته ومؤسساته ومنظماته.
محمد يحيى محمد الزبيدي (39 عاما) يملك ورشة لحام في حي 7 يوليو، يوضح أن معاناتهم من قذائف مرتزقة العدوان مستمرة بشكل يومي، وخطرها لم يصب حياتهم فقط، بل كذلك مصادر رزقهم وشكل حياتهم الطبيعية.
ويضيف محمد أن ورشته كان يعمل فيها 8 موظفين، والآن لا يعمل فيها غيره، وأصبح حتى السير في شوارع المنطقة يشكل خطرا كبيرا، ونفس الخطر أيضاً إذا بقيت في مكانك حيث من الممكن أن تسقط عليك قذيفة دون سابق إنذار كما حدث في ورشته.
ويتفق محمد الحطامي (24 عاما) مالك محل بيع ملابس في 7 يوليو، مع ما طرحه الزبيدي، مضيفاً أن البيع والشراء انخفض بنسبة 85٪، وأن حياتهم اليومية التي كانوا معتادين عليها قبل هجوم العدو على الحديدة، تضررت بشكل كبير.
وأكد الحطامي أن معظم سكان 7 يوليو مازالوا في منازلهم ولم ينزحوا منها نتيجة وضعهم المعيشي الصعب وعدم قدرتهم على تحمل تكاليف النزوح.
حرمان 20 ألف أسرة من مصدر رزقها
تحتل البطالة المرتبة الثانية في قائمة معاناة وهموم أبناء تهامة، فمنذ بداية العدوان فرض تحالف العدو حصارا كاملاً على منافذ مناطق السيطرة الوطنية بالكامل، ومن بينها شريان الحياة المتمثل في ميناء الحديدة.
ووفقا لمعلومات حصلت عليها صحيفة «لا» من مسؤولي الميناء، فقد كان يعمل فيه أكثر من 3300 عامل بالأجر اليومي، وكل واحد منهم يعيل أسرة، ما يعني 3300 أسرة، ومع فرض دول تحالف العدوان الحصار على الميناء انخفض عدد السفن التي تدخله سواء المحملة بالبضائع وغيرها، حتى أصبحت لا تذكر، وبالتالي فإن آلاف العمال تعطلوا عن العمل، وفقدت أسرهم مصدر رزقها الوحيد، لاسيما وأنها كانت تعمل بالأجر اليومي الذي يصل إلى 10.000 ريال لكل عامل، ما يعني 300 ألف ريال شهريا.
وليس الميناء فقط الذي توقف عن العمل، فالكثير من المؤسسات والهيئات توقفت عن العمل، وبعضها اضطرت إلى تقليص عدد موظفيها كونها لا تعمل بطاقتها الكلية.
ووصلت هذه المأساة الإنسانية لتشمل موظفي القطاع الخاص أيضاً، وعلى سبيل المثال موظفي مجموعة إخوان ثابت التجارية والذين 98٪ منهم من أبناء الحديدة، ومع الهجوم الأكبر للعدو ومحاولته احتلال الحديدة فقدوا أعمالهم، كون مصانع ومستودعات المجموعة تقع في مناطق يسيطر عليها حاليا مرتزقة العدوان، وبعضها في خطوط النار كمصنع يماني.
وتشير إحصائيات حصلت عليها الصحيفة من كشوفات المجموعة المتواجدة لدى مؤسسة التأمينات، إلى أن عدد موظفي المجموعة يصل إلى نحو 17 ألف موظف يعيلون 17 ألف أسرة، ومن يعمل منهم حاليا لا يتجاوزون 3000، والسبب مرتزقة تحالف العدوان الذين قطعوا الطريق المؤدية للمصانع والشركات التابعة للمجموعة.
ويضاف إلى ما سبق، غياب مرتبات موظفي الدولة في مناطق المجلس السياسي الأعلى بفعل شحة الإيرادات واستيلاء الغزاة ومرتزقتهم عليها ونهبهم ثروات الشعب النفطية والغازية وغيرها.
وعلاوة على ذلك، مماطلة الأعداء في تنفيذ الجانب المتعلق برواتب الموظفين من اتفاق السويد، والمتمثل في توجيه الإيرادات جميعها لدفع رواتب الموظفين بإشراف الأمم المتحدة، وكانت السلطة المحلية في الحديدة قامت بإيداع إيرادات المحافظة ومينائها في فرع البنك المركزي بالمحافظة، غير أن العدو ومرتزقته لم يقوموا بالمثل، ولا يزالون مستمرين في زيادة حجم معاناة المواطنين في عموم الوطن والحديدة خصوصا.
من الحديدة إلى كيلو 16 يومين سفر
يفيد بعض العاملين في المجموعة التجارية لإخوان ثابت، بأن من يريد من الموظفين الحصول على راتبه فعليه الذهاب للدوام، وهذا يتطلب منه أن يسافر من الحديدة إلى عدن عبر طريق صنعاء – تعز الواقعة ضمن مناطق السيطرة الوطنية، ومن ثم عليه أن يعود من عدن سالكا الطريق الساحلي الذي تسيطر عليه قوى العدوان، ليصل إلى منطقة كيلو 16 وشارع الخمسين وأماكن تواجد مقرات العمل، ويستغرق يومين على الأقل، خلاف مخاطر التعرض لإطلاق نار أو قذائف من قبل المرتزقة، فيما لم تكن تستغرق قبل الهجوم الأكبر على الحديدة ربع ساعة.
ويؤكدون أن هذا السبب هو ما دفع الآلاف إلى عدم الذهاب لأعمالهم بفعل المخاطر ومشقة السفر، وهم الآن لا يحصلون على مرتبات، وبات وضعهم المعيشي صعباً جدا.
وجريمة الحرابة هذه التي يقوم بها العدو ومرتزقته لا يعاني منها فقط موظفو «إخوان ثابت»، بل حتى المسافرون من الحديدة إلى صنعاء أو من مدينة الحديدة إلى مديرية باجل والمديريات الواقعة على خط حيس، حيث إن المدة التي تستغرق السفر من باجل إلى المدينة أو العكس تتجاوز الساعتين، فيما كانت لا تتجاوز قبل هجوم تحالف العدوان ومرتزقته على المحافظة نصف ساعة.
ارتفاع أسعار المواد الغذائية والأساسيات
وإلى جانب الموت والجوع والبطالة، تتضمن قائمة هموم ومشاكل ومعاناة أبناء الحديدة ارتفاع أسعار المواد الغذائية والمواد الأساسية كالغاز المنزلي، وكسابقاتها من الهموم والمعاناة يتحمل مسؤوليتها تحالف العدوان ومرتزقته والمجتمع الدولي والأمم المتحدة، كون المسبب لهذا الغلاء هو الحرب الاقتصادية التي يشنها العدو، ومن وسائلها الحصار وإضعاف العملة المحلية.
ومن البديهي أن البطالة التي يعاني منها السواد الأعظم من أبناء مدينة الحديدة ستجلب معها الجوع، فالمواطن البسيط أو الذي كان يملك وظيفة سواء حكومية أو خاصة، وانقطع راتبه بفعل وسائل الحرب غير الإنسانية التي يستخدمها الأعداء ومرتزقتهم، لم يعد يملك مصدر رزق يمكنه من توفير الغذاء لأسرته، فكيف إذا ارتفعت أسعار المواد الغذائية.
وهذا ما يحدث مع أبناء تهامة، حيث إن تحالف العدوان يستمر في عرقلة دخول السفن والناقلات المحملة بالمواد الغذائية إلى ميناء الحديدة، ويحتجزها لأسابيع وأشهر في عرض البحر، الأمر الذي ينتج عنه وفقا لمسؤولين في الميناء دفع مبالغ باهظه تصل إلى مئات الآلاف من الدولارات لشركات النقل كغرامة لتأخير سفنها، وذلك يحتم على التاجر المستورد أن يضيف تلك المبالغ فوق المستهلك وهو المواطن، ما يرفع من أسعارها، ولا يتنازل عن جزء من أرباحه مراعاة للظروف التي يعيشها المواطن والبلد.
الأمر الآخر متعلق بالحرب التي شنها العدو ومرتزقته على العملة المحلية حتى أضعفوا قيمتها أمام العملات الأجنبية، خصوصا الدولار الذي يتم التعامل به في استيراد البضائع بمختلف أنواعها.
معاناة في الغاز المنزلي
يواجه أبناء مدينة الحديدة الذين غالبيتهم من البسطاء وذوي الدخل اليومي المحدود، مثل العاملين على من الدراجات النارية وعمال أسواق السمك وغيرهم، أزمة في الحصول على مادة الغاز المنزلي.
محمد سلام الحكيمي، من أبناء مديرية الحوك، مالك دراجة نارية، يقول إنهم كانوا معتادين على تعبئة أسطوانات الغاز من المحطات بحسب احتياجاتهم اليومية والمال المتوفر لديهم، لكن الآن لم يعد هذا الأمر ممكنا، إذ إن مادة الغاز تباع عن طريق عقال الحارات ولا يستطيعون شراء أسطوانة كاملة بمبلغ 3750 ريالاً.
والغاز بهذا السعر هو القادم من مدينة مأرب التي يسيطر عليها تحالف العدوان ومرتزقته، أما عند دخول ناقلات الغاز البحرية إلى الميناء فتباع الأسطوانة بسعر 2600 ريال لأبناء الحديدة، غير أن منع العدوان دخول السفن وتأخيرها واحتجازها في البحر يزيد من هذه المعضلة، والأهم منها مشكلة الكهرباء.
الحديدة ومشكلة الكهرباء
من المتعارف أن المناطق والمدن الساحلية تملك مناخاً حاراً، ويحتاج قاطنوها لوسائل التكييف لتلطيف درجة الحرارة داخل منازلهم ومحالهم ومكاتبهم، وهذا الأمر يستوجب توفر الكهرباء.
وفي مدينة الحديدة يعاني السكان من عدم توفر الكهرباء اللازمة لتشغيل المكيفات والمراوح الملطفة للجو، والسبب في ذلك تحالف العدوان ومرتزقته، فالعدوان يمنع ويعرقل دخول الوقود اللازم لتشغيل محطة رأس الكثيب الكهربائية بقدرتها الكاملة، والتي لا تغطي احتياجات المحافظة منها، كما أن العدوان ومرتزقته يسيطرون على محطة كهرباء صافر الغازية في مأرب، وقاموا بقطع الخدمة عن كل محافظات سيطرة الجيش واللجان الشعبية، ومن ضمنها الحديدة.
عبدالرحمن أحمد إبراهيم، أحد أبناء الحديدة، يؤكد أن معاناتهم الأشد تأتي من انعدام الكهرباء، وتزداد المعاناة في شهر رمضان المبارك الذي تفصلنا عنه أيام قليلة.
ويقول إن السلطة الوطنية شغلت كهرباء الخط الساخن التابع للحكومة، غير أنه يعمل في فترات متقطعة، أي 3 ساعات عمل و6 ساعات انقطاع، ورغم رخص الخدمة مقابل ما تقدمه الشركات التجارية، إلا أنها لم تصل إلى كل المواطنين بعد.
ويضيف أن وجود شركات تجارية وفرت الخدمة لم يحل المشكلة، فهي تبيع الكهرباء بسعر باهظ، وهذا حال دون وصولها لكثير من أبناء الحديدة البسطاء، حيث إن سعر الكيلو الواحد يصل إلى 250 ريالاً، بينما الحكومي سعره 100 ريال.
ويتحمل أبناء الحديدة هذه المعاناة في مختلف مجالات حياتهم، ولا يتذمرون منها لإدراكهم أن المتسبب بها هو تحالف العدوان ومرتزقته، وأن الحل لمعالجتها يكمن في تحقيق النصر، وهذا يتطلب صموداً وصبراً وتضحية بدأها في محافظتهم الرئيس الشهيد صالح علي الصماد.
اسألهم عن الصماد وستجيبك أعينهم وملامح وجوههم
عندما دخلنا حي 7 يوليو لسماع معاناة وهموم سكانه، لم نغفل عن أن هذا الحي فيه الموقع أو المكان الذي استشهد فيه الرئيس صالح علي الصماد، وعندما كنا نختم لقاءاتنا مع سكانه كنا نسألهم عن الشهيد الرئيس، وككثير من أبناء الحديدة كانوا يصمتون ولا يستطيعون التعبير عما يريدون إجابتنا به، وما كان علينا سوى النظر إلى عيونهم وملامح وجوههم لنعرف الإجابة.
يقول سكان الحي إن مصابهم كبير، وإنهم باستشهاد الرئيس صالح علي الصماد فقدوا جزءاً كبيراً منهم ومن المحافظة التهامية، أما محمد الزبيدي، أحد سكان 7 يوليو، فقال والعبرة تخنقه: تمنيت لو أن الغارات التي أطلقها طيران العدو على الرئيس الصماد، أخذت ارواح المئات والآلاف من أبناء تهامة، وأنا أولهم، وتركت لنا الصماد.
كما أنهم لا يرون في يوم استشهاد الصماد ذكرى سنوية، بل هي لديهم نهج وبرنامج يومي منذ اغتياله في 19 أبريل 2018 وحتى اليوم وإلى الأبد، فكل الأيام تحمل لهم هذه الذكرى المؤلمة، ويشعرون بحمل ثقيل لأن الرئيس استشهد في محافظتهم ومدينتهم، وهي الحديدة التي لم تعهد اهتماما من أي مسؤول قبله أو بعده مثل اهتمامه بها.
(شايف العين – صحيفة لا)