صنعاء ترفض «أوهام» غريفيث: لرفع الحصار بدءاً من الحديدة
يمانيون – تقارير – جريدة الأخبار اللبنانية
يواصل المبعوث الأممي إلى اليمن إطلاق تصريحات «متفائلة»، منفصمة عن الواقع، كما تؤكّد لـ«الأخبار» مصادر يمنية متابعة للاتصالات الجارية بهدف التوصّل إلى هدنة. وتشرح المصادر أن رد المبعوث على مقترح صنعاء المكتوب للحل الشامل كان غير مبشّر بوجود نية لديه بتفاعل إيجابي. تواجه صنعاء بهذه المواقف تصريحات للمبعوث الدولي، أطلقها أمس، توقّع فيها قرب التوصّل إلى اتفاق، في وقت يتواصل فيه التصعيد العسكري على أكثر من جبهة
مفاجئاً الجميع، خرج المبعوث الدولي إلى اليمن مارتن غريفيث، أمس، في إحاطته الدورية لمجلس الأمن، ليتحدّث بنفَس «متفائل» حول فرص تحقيق اتفاق على هدنة ووقف لإطلاق النار والعمليات الحربية. فرغم رفض صنعاء إعلان الجانب السعودي وقف إطلاق النار، وكذلك التصعيد الميداني الكبير بين الأطراف، أفاد غريفيث بتحقيق «تقدّم كبير» باتجاه الاتفاق على هدنة. وقال: «الآن أقوم بمضاعفة الجهود من أجل سد فجوة الخلافات العالقة بين الأطراف، وأعتقد أن هناك فرصة سانحة لتحقيق السلام في هذا البلد الذي يواجه ظروفاً صعبة للغاية».
كلام غريفيث، الذي ينطلق من مسعى الأمم المتحدة لاتفاق بين أطراف الحرب على وقف إطلاق النار للتفرّغ لمكافحة انتشار فيروس «كورونا»، تعمّد الإيحاء بعدم وجود عراقيل كبيرة أمام التوصّل إلى اتفاق مشابه. ومردّ «الإيجابية» التي يسوقها المبعوث الدولي هو تجديده الاتصالات بالأطراف، يوم الجمعة الماضي، بعد رفض صنعاء إعلان الرياض وقف إطلاق النار من طرف واحد. إذ قدّم جملة «مقترحات محدّثة لاتفاق حول وقف إطلاق نار، يشمل عموم اليمن»، واصفاً المقترحات بأنها تمثّل «حزمة واقعية وشاملة تمكّن اليمن من الابتعاد عن عنف ومعاناة الماضي، واتخاذ خطوة تاريخية نحو السلام».
جنوح غريفيث نحو تحقيق هدنة ثابتة تؤسّس لـ«إعادة طلاق حوار سياسي» كما كرّر أمس، يوحي، للوهلة الأولى، بالاستجابة لتحفّظات صنعاء على الهدنة. وهذه التحفّظات تنصبّ على رفع الحصار أولاً كشرط رئيسي في تحقّق الهدنة، وأوّل ذلك ميناء الحديدة، إذ لم يعد لفتح مطار صنعاء الآن قيمة فارقة مع إغلاق معظم مطارات العالم. أما ثاني شروط صنعاء للهدنة، فهو أن يكون الاتفاق شاملاً وغير مؤقت ومدخلاً إلى خريطة طريق لإنهاء الحرب لا شراءً للوقت فقط، وهو ما قدّمه الجانب اليمني في مقترح مكتوب لحل شامل.
وبالفعل، فإن وجهة نظر صنعاء ظهرت في تحرّكات غريفيث الأخيرة، سواء في مقترحاته تلك أو في إحاطته أمس، وهي التشديد على انتهاز «فرصة للسلام»، أو في ردّه على المقترح الذي قدّمته صنعاء رداً على الإعلان السعودي.
إلا أن لدى صنعاء تفسيراً مغايراً تماماً لخلفيّة مواقف غريفيث ولتوقّعه أمس حدوث الاتفاق قريباً، إذا ما أخذ بعين الاعتبار وقائع الاتصالات التي يجريها، لا تصريحاته العامّة فقط. مصدر يمني، مطّلع على سير الاتصالات، نفى لـ«الأخبار» نفياً قاطعاً وجود أسباب وجيهة لـ«تفاؤل» غريفيث، موضحاً أن ردّ الأخير على مقترح صنعاء للحل الشامل كان «إنشائياً» ولا يبشّر بشيء، إذ إن الأَولى، بحسب المصدر، كان مناقشة المقترح مع الرياض والأطراف المعنيّة وتقديم رد عملي وجدّي لا «ردّاً إنشائياً».
التشكيك في صنعاء بتصريحات غريفيث بدا مدعوماً بوقائع الميدان
وشكّك المصدر بجدوى دور المبعوث الدولي وبحياديّته وببذله الجهود المتوازنة والجدّية في عمله، متّهماً إياه بلعب دور منحاز لبريطانيا والسعودية على حساب اليمن، وهو ما يظهر، بحسب المصدر، في ردّات فعله المتفاوتة حول الهجمات العسكرية المتبادلة. تعتبر صنعاء أن غريفث لم يلتقط بمسؤولية مبادرتها الأخيرة للحل الشامل، واستغرب المصدر طبيعة ردّه على مقترح صنعاء المكتوب حول وقف الحرب بالقول إنه «سيضمن شخصياً» متابعة هذه المقترحات، مقابل أن المطلوب الآن استجابة عاجلة من الجميع لمقترحات غريفيث حول الهدنة. بينما مسعى إنهاء الحرب، وفق صنعاء، يتطلّب مساراً بضمانة فعلية كاستصدار قرار من مجلس الأمن.
التشكيك في صنعاء بتصريحات غريفيث بدا مدعوماً بوقائع الميدان، حيث التصعيد العسكري على أكثر من جبهة، بما فيها القصف الجوي للتحالف السعودي، بل كذلك التصعيد في صفوف حلفاء التحالف نفسه، وتحديداً «المجلس الانتقالي الجنوبي» المدعوم إماراتياً، من جهة، وحزب «التجمّع اليمني للإصلاح» («الإخوان المسلمون» في اليمن) وحكومة الرئيس المنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي، على الجهة المقابلة. وتقوم صنعاء بصورة يومية بتحديث إحصائها عدد الهجمات العسكرية، الجوية والبرية، من الجانب السعودي منذ إعلان وقف إطلاق النار، لتستدلّ بالتصعيد الميداني على أن الدعوة إلى هدنة ليست سوى رغبة في شراء الوقت وتأمين «استراحة» للرياض المنهكة والضائعة في ظل انشغالاتها من «كورونا» إلى أسعار النفط.
إزاء ذلك، تتمسّك صنعاء بشروطها لأي هدنة: رفع الحصار كاملاً، ولا سيما عن ميناء الحديدة (ترفض السعودية في مقترحها للهدنة رفع الحصار البحري عن الميناء بصورة كاملة)، والشروع في مسار وقف الحرب. وتتمسّك برفض أي هدنة تسحب من اليمن أوراق القوّة في الميدان، سواء في مأرب أو غيرها، لتبيعها ورقة وقف إطلاق النار، فيما الذي يشكّل ضغطاً فعلياً على سكّان اليمن هو الحصار الذي يقضي بموجبه عدد أكبر من ضحايا الأعمال العسكرية، سواء من غارات أو غيرها. وفي هذا الإطار، يتحفّظ الجانب اليمني على موجبات ما تراها الأمم المتحدة «فرصة»، أي وباء «كورونا»، في حين لم تكن كل المآسي اليمنية في السنوات الماضية تستحقّ مسعى مماثلاً لتحقيق السلام، إلا إذا كانت الغاية بالفعل تحقيق حل دائم لا هدنة عابرة، وهو ما لم يظهر بعد في نيات السعودية، وفق ما تؤكّد صنعاء.