الرياض وصنعاء في ميزان الرؤية الوطنية
عيسى محمد المساوى
سنوات العدوان على اليمن أوصلت الرياض الى مرحلة العجز وفقدان القدرة على المبادرة ليقتصر دورها على الاستجابة لأفعال ومواقف الآخرين بعد أن كانت هي من تصنع المواقف وترسم المسارات التي يجب على الآخرين التحرك فيها.
أما صنعاء فتظهر بفعل تنامي القوة في موقع من يصنع المبادرات ويتحكم في مسار الأحداث، فصنعاء هي من تسيطر على مسرح العمليات العسكرية، وهي من تطلق المبادرات الإنسانية وتبلور أفكار التهدئة ووقف اطلاق النار، وهي من ترسم خطوات بناء الثقة وتصنع مبادرات السلام كالرؤية الوطنية لوقف الحرب التي حققت لصنعاء أكثر من هدف بضربة واحدة.
عكست الرؤية مستوى الجدية والرغبة في السلام دون أن تنتقص من الموقف المبدئي والواضح بشأن الحفاظ على سيادة اليمن ووحدتها واستقلالها وتحرير كامل التراب الوطني وهو الموقف المعلن منذ بداية العدوان، الأمر الذي يؤكد على وضوح الرؤية لدى القيادة الثابتة على المبدأ والتي اثبتت قدرة عالية على التحكم في مسار الأحداث وتوجيهها صوب النهاية المرسومة، بالاضافة الى الانحياز الواضح لمصالح الشعب ومختلف الشرائح المتضررة جراء العدوان على اليمن آخذة بعين الاعتبار المصالح العليا للوطن والمواطن.
هدفٌ آخر نجحت صنعاء في تحقيقه وهو تطمين المخاوف الاقليمية والدولية والظهور بمظهر الدولة الحريصة على مصالح دول الجوار وعلى أمن وسلامة خطوط التجارة الدولية مثلما هي حريصة على مصالحها كدولة مستقلة ذات سيادة.
لقد عكست الرؤية نضوج الذهنية السياسية وشمولية المعالجة وقدر كبير من الواقعية بعيدا عن الارتجالية او الانتهازية السياسية لتثبت أن احترافية صنعاء لا تقتصر على مسرح العمليات العسكرية وحسب بل تمتد لتشمل انتاج الحلول وصناعة السلام أيضاً.
الثقة والتقدير العالي للذات كان واضحاً في سطور تلك الرؤية التي رسمت ملامح التسوية السياسية التي يمكن أن تقبل بها صنعاء لوقف هذه الحرب العبثية، وكأنها تقول للمجتمع الدولي ولتحالف العدوان إليكم رؤيتنا للحل بمحاورها وسقوفها إن كنتم دعاة سلام حقيقيين، وننصحكم ألا تفوتوا مثل هذه الفرصة لأن ما ينتظركم يفوق كل التوقع وسيجبركم لا محالة على الرضوخ لارادة الشعب اليمني العظيم.
بالمقابل جاء اعلان تحالف العدوان بقيادة السعودية عن وقف اطلاق النار لمدة اسبوعين قابلة للتمديد ليؤكد حقيقة ان السعودية باتت في موقع المتأثر لا المؤثر بالأحداث، كما أنها ليست في وارد الاستفادة من تجربتها الدامية في اليمن، فالإشكالية الحقيقية التي تحول دون خروج السعودية بماء الوجه هي حالة المقامرة القاتلة التي تشتد كلما تعرضت السعودية لمزيد من الصفعات، فيما يشبه حالة الملاكم الذي يتعرض لسيل من اللكمات المسددة التي تعيد تشكيل ملامح وجهه من جديد وتفقده القدرة على الرؤية وعلى التوازن وتصبح النتيجة معروفة سلفاً ومع ذلك تدفعه المقامرة القاتلة الى الإستمرار في الصراع ورفض الاستسلام حتى يسقط فاقداً للوعي وربما للحياة بكلها، وهي النهاية التي يسعى اليها النظام السعودي وكأنها القدر الذي لا يُرد.