هل تؤدي اعتقالات كبار الأمراء السعوديين لتقويض حكم بن سلمان ؟
تقرير : محمد علي الديلمي
كشفت التقارير الواردة لوسائل إعلام أمريكية أن السلطات السعودية اعتقلت أمس الجمعة الأميرين أحمد بن عبد العزيز شقيق الملك، ومحمد بن نايف ولي العهد السابق، وفتشت منزليهما، واعتقلت أيضا شقيق الأخير نواف بن نايف. مما قد تؤدى تلك الاعتقالات لتقويض حكم ولي العهد الحالي محمد بن سلمان ووجود انقسام لدى اسرة حكمت الجزيرة العربية لعقود .
وأوضحت مصادر مستقلة لصحيفة وول ستريت إن عملية الاعتقال تمت بأمر مباشر من بن سلمان ,من قبل عناصر مقنعة من حرس الديوان الملكي، مشيرة إلى أن سبب الاعتقال هو “خيانة الوطن”.وبهذه الاعتقالات قد عزز قوته بشكل أكبر، دون مزيد من التفاصيل. لم يصدر عن الأخيرة أية بيان ينفي أو يؤكد صحة تلك المعلومات.
وكانت تقارير صحفية غربية وعربية أشارت إلى نفوذ ابن زايد على ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وتأثيره الكبير في قراراته، بسبب قناعة الأخير بأن وصوله للحكم سيحتاج دعما دبلوماسيا من الإمارات التي تمتلك خبرة أكبر في “لعبة اللوبيات” ومجموعات الضغط في واشنطن والغرب.
واحتجز بن سلمان العشرات من الأمراء وكبار المسؤولين والوزراء الحاليين والسابقين والمسؤولين ورجال الأعمال في فندق ريتز كارلتون بالرياض بأوامر من ولي العهد محمد بن سلمان في نوفمبر/تشرين الثاني 2017.
وكان من بين الموقوفين وزير الحرس الوطني المقال الأمير متعب بن عبد الله نجل الملك الراحل عبد الله، وشقيقه أمير الرياض السابق تركي بن عبد الله، والأمير الملياردير الوليد بن طلال، والأمير فهد بن عبد الله بن محمد نائب قائد القوات الجوية الأسبق.
وتزامنت عملية الاعتقالات التي طالت الأمراء الثلاثة مع قرار بن سلمان تعليق مناسك العمرة، مما أثار شكوكا حيال إمكانية السماح بأداء فريضة الحج هذا العام.
وتنافست وتنوعت التقارير الدولية في سباق محموم واصفة السعودية بأوصاف تصب في تعارضها مع اتفاقيات ومواثيق حقوق الإنسان، كما أحس المواطنون هذه الأيام ببطش غير مسبوق، ولم يستطع أيٌّ من المتابعين أن ينظم خيط الاعتقالات برابط واحد، فهل كانت هذه اللحظة مفاجئة؟ أم أنها نتيجة طبيعية لعوامل عدة أنتجت هذا الحدث الذي يتدحرج ككرة الثلج؟
وإن قراءة الأسباب التي أدت بنا إلى هذه اللحظة يمكن تصنيفها لتمكن حكومة الفرد الواحد على مر العقود الماضية من تفريغ جزيرة العرب بحكامها من اسرة بن سعود من أسباب القوة الحقيقية التي تمكنه من النهوض عبر مؤسساته المدنية بمعزل عن الحكومة .
وزاد من ذلك ما تضفيه الحكومة على نفسها -بمشاركة بعض رموزها- صبغة المشروعية الدينية التي لا تجوز معارضة الحاكم فيها وتجعل قراره وأمره ومرسومه بمقام نص سماوي مقدس، ساعد في ذلك تلك الطفرات الاقتصادية التي خدرت المواطن وساهمت في تسويف شعور الاحتياج للمؤسسات والمشاركة في القرار لدى الشعب، فصار معتمدًا على حكومته التي اعتمدت اعتمادًا كليًا على النفط وتتصرف فيه من غير محاسبة ولا شفافية
ويبدوأن القوى الكبرى وبتخطيط منذ سنوات قد وجدت ضالتها من خلال الصاعدين الجدد في السيطرة الكاملة على هذه المنطقة الحساسة في العالم التي ما زالت عصية بترابطها الاجتماعي وكنوزها الاقتصادية وموقعها الاستراتيجي وكونها دينيًا قبلة العالم الإسلامي
ولم يكن قرار الحكومات السعودية في غالب الأحيان نابعًا من إرادة مستقلة عن الإرادة الغربية، ولم تكن الحكومة قادرة على الحركة خارج الملعب الضيق المرسوم لها، وقد بدا ذلك واضحًا جدًا في السنوات الأخيرة، وهذا يفسر كثيرًا من أسباب سكوت الغرب بكياناته الحقوقية التي تصم بياناتها الآذان عن التخلف الحقوقي الحقيقي الذي تعيشه هذه القطعة الثمينة من الأرض!
وحتما أن التمهيد لإعلان التطبيع مع “إسرائيل”، والتمهيد لإعلان ولي العهد -المنقلب على سلفه – حاكمًا للبلاد، وكسر وقمع كل من يحاول التشويش على توجهات الحكم الجديدة خاصة فيما يتعلق بمشاريع ترفيه المرفهين الملهية للناس عن مطالبات الإصلاح الحقيقية ليستمروا في حالة التخدير.
وخلف المظاهر البرّاقة المستجدة التي أحاطت بصورة بن سلمان في الخارج والتقدم الذي أحرزه ، تقبع حقيقة مُظلمة، مع سعي السلطات السعودية إلى إزاحة أي شخص في البلاد يجرؤ على الوقوف في طريق صعوده السياسي .
ويتم اعتقال المواطنين جراء الانتقاد السلمي للسياسات الحكومية أو الدفاع عن الحقوق ليس بالظاهرة الجديدة في السعودية، لكن العدد الهائل والطيف الواسع للمستهدفين خلال فترة زمنية قصيرة جعل موجات اعتقال ما بعد 2017 ملحوظة ومختلفة، فضلا عن إطلاق ممارسات قمعية جديدة لم تشهدها المملكة في العهود السابقة.
وبن سلمان حسب تصنيف منظمة العفو الدولية، الذي عُيّن وزيرا للدفاع في يناير/كانون الثاني 2015، يتحمل أيضا المسؤولية المطلقة عن الأساليب المسيئة التي اعتمدتها السعودية في تدخلها العسكري في اليمن خلال خمس سنوات. وفرض التحالف بقيادة السعودية الذي يشن عمليات عسكرية ضد الجيش واللجان في اليمن، حصارا جويا وبحريا على تدفق السلع المنقذة للأرواح، ففاقم من الأزمة الإنسانية الحادة القائمة أصلا.
ويستشرف بعض المختصين أننا نعيش اليوم مخاض ولادة دولة سعودية جديدة مختلفة في مقوماتها عن الأسس التي استندت لها بالماضي ، وهو مخاض تتبلور فيه الدولة وفق أحادية متسرعة ينفذها بن سلمان ليست ناضجة التجربة والخبرة، وقد تؤدي بعد حملة اعتقالات أمس الجمعة إلى تقويضه عن الحكم .