الحرب الأمريكية الناعمة.. آثارها وطرق مواجهتها ؟
خاص- زين العابدين عثمان
في الاستراتيجيات الامريكية الحديثة تعتبر الحروب العسكرية او الصلبة غير كافية او مجدية الى حد كبير بان تحقق الغايات والطموحات الاستراتيجية والعسكرية التي تسعى لها أمريكا كتطبيق الهيمنة على الدول الاخرى وتوسيع دائرة النفوذ والسيطرة على النطاق الاقليمي والعالمي والقضاء على الخصوم والاعداء الذين يمثلون تهديدات قومية على الامن والمصالح الامريكية بالمستقبل ،..
فطالما وان الحروب الامريكية المباشرة اصبحت تمثل خيارا ثقيلا له تكاليفه وتداعياته الباهضة التي تثكل كاهل الاقتصاد الامريكي دون اي نتيجة عدا الخسائر الضخمة التي يتلقها الجيش والاقتصاد الامريكي كما حصل في حرب فيتنام وغيرها سابقا والعراق وافغانستان لاحقا ،اضافة الى كونها تثير السخط والغضب العالمي عموما والاسلامي على وجه الخصوص على امريكا ودمويتها المهدد للانسان والحياة كما حصل في حربها على افغانستان والعراق والتي لم تحصد سوى الفشل والاكتفاء بنشر الدمار والدماء وارتكاب جرائم الحرب والابادات الجماعية بحق ملايين العراقيين والافغان.،.
بالتالي ومن هذا الصعيدين بالتحديد كان لزاما على طبقة المنظرين العسكريين وفلاسفة الاستراتيجيات العسكرية الامريكية ان يقوموا باعادة النظر في استراتيجية امريكا تجاه دول العالم وفي مقدمهم خصومها و التي ترى “ان استخدام القوة والحروب الصلبة هي الطريقة المثالية لتوسيع دائرة الهيمنة وتثبيتها والقضاء على التهديدات “،،حيث بدأوا العمل على ايجاد وسائل اكثر فاعلية تحقق للولايات المتحدة غاياتها وطموحاتها بتكالف اقل ودون الرجوع للقوة والتدخلات المباشرة ،،وكان البروفيسور المعروف جوزيف ناي والذي كان يشغر منصب نائب وزير الدفاع الاسبوق بالبنتاغون ، ومدير مجلس المخابرات الوطني الأمريكي،ومستشار الأمن القومي ، استطاع بعد عدة دراسات ان يضع مفهوما جديدا في الاستراتيجية الامريكية وهو نمط من الحروب اللاعسكرية واللامباشرة المعروفه “بالحرب او القوة الناعمة SOFT WAR” التي تترتكز اساسياتها على نقل المعركة مع الخصم من الميدان العسكري الصلب حيث المواجهات والحروب العسكرية المكلفة والباهضة، الى الميدان الناعم الذي يعتمد على التكنولوجيا ووسائل الإتصال والتواصل الاجتماعي والإعلامي قليل الكلفة والذي يستطيع ان يحقق اهداف مهمة قد لاتحققها القوة العسكرية منها تدمير الخصم من الداخل وفكفكة صموده ونسيجه الاجتماعي وضرب افكار وهوية البيئة الشعبية المقاومة والمتلاحمة واستبدالها بافكار وتوجهات ومواقف بينية متناحرة خالية من المبادئ والاخلاق والقيم وروح المقاومة..
للعلم ان امريكا منذ نشأت مفهوم هذه الحرب طبقتها واعتمدها بشكل كبير جدا في الشرق الاوسط وبالتحديد الدول الاسلامية والعربية ،فقد ركزت على ان تصنع مناخا جديدا في العالم الاسلامي يفضي الى تهشيم هويته ومبادءة وقيمه وتوجهاته المعادية والمناهضة للمشاريع الاستعمارية الامريكية بشكل دراماتيكي خصوصا بعد عام 2008. حيث بدأ الإدراك والوعي الأمريكي لواقع المنطقة والبلدان الإسلامية وضرورة التغيير من الداخل وليس من الخارج، بدأ التحول الأمريكي في تحقيق هذه الغاية الخبيثة والمدمرة، وهذا ما نعيشه ونلمسه في مختلف الدول الاسلامية فقد ظهر التأجيج الاعلامي الخالق والفوضى الاعلامية المدروسة والمغذية للتناحر المذهبي والعرقي بين القوميات والمذاهب (سنة وشيعة ) ودعم طرف على حساب طرف أخر وجعل الكل يخوضون في صراعات بينية طاحنة لاطائل منها تدفعهم وخصوصا الانظمة والطبقات السياسية الحاكمة والمعارضة الى التمسك بامريكا وبنظرياتها والارتماء الى احضانها. كطرف مخلص
العدوان على اليمن ..مضاهر وخطورة (الحرب الناعمة) الذي يعتمدها العدو الامريكي وحلفاءه
بالنسبة للعدوان والحرب على اليمن والذي يشنها تحالف امريكا والسعودية والامارات منذ 5 سنوات فهي لاتتوقف عند الحرب العسكرية اوحتى الاقتصادية والاستخبارية والنفسية فقط انما اعتمد هذا التحالف على وسيلة (الحرب الناعمة ) التي تمثل ثلاثة ارباع اهتمامه واولوياته في اطار عدوانه ككل والذي اعتمدها منذ اليوم الاول الذي بدأ فيها عدوانه وحربه على اليمن ،حيث اعتمدت الادمغة الاستراتيجية الامريكية والتي تقود العدوان وباشراف مباشر على تفعيل ودمج القوة الناعمة مع القوة العسكرية وتعزيز الاولى بالتكنولوجيا والترسانات الاعلامية الضخمة والمتعددة الوظائف لتحقيق اكبر مستوى من التأثير في سلوكيات وقيم ومبادئ وهوية الشعب اليمني وتحطيمها دراماتيكيا،حيث كان لوسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي وكذلك المنظمات الدولية والخلايا النائمة دورا محوريا ورئيسيا في اطار الحرب الناعمة المركزه على الشعب اليمني ،،وكان من ابرز اهدافها ومساراتها هو :
1- تركيز وسائل الاعلام للخوض في القضايا الداخلية والطائفية والعرقية والقومية واشعال الفتن والنعرات واماتت الروح المقاومة والقضايا الاستراتيجية.
2- نشر الرذائل والمفاسد الغير اخلاقية والدفع بالمجتمعات اليمنية الى حالات من الفوضى والانفتاحية المتعارضة مع القيم والمبادئ .
3- زيادة تأثير مواقع التواصل الالكترونية في صناعة وتوجيه الرأي العام بما يتماها مع التوجهات الامريكية واستراتيجياتها.
4توجيه وتحفيز الإعلام بأشكاله المتعددة في التركيز على الأفكار السطحية والابتعاد عن الأفكار التي تتيح اليقظة والاندفاع نحو ميادين التعبئة الجهادية ونشر التوعية المقاومة للعدوان ..
5 ضرب وهدم المنظومة الامنية والجبهة الداخلية للشعب اليمني وكسر صموده وتماسكه الاستراتيجي بصورة عامة ومحاولة ضرب وتفريغ البيئات الشعبية المقاومةمن وحدة الموقف الواحد والتحرك الصلب المقاوم للعدوان..
“سبل مواجهة الحرب الناعمة وافشالها ”
خطورة الحرب الناعمة وما تمثل من تظاعيات واثار تعتبر كارثية على واقع الشعب اليمني ومستقبله كشعب مسلم بالدرجه الاولى الذي يتميز بهويته الايمانية و الرصيد الكبير من القيم والمبادئ والاخلاق عن باقي الشعوب الاسلامية وكذلك كعشب مقاوم لحرب كونية عدوانية تشن عليه ،،بالتالي فقد اشار قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي يحفظه الله خصوصا في خطابه الاخير الى خطورة المرحلة و ان العدو وخصوصا بعد فشله واخفاقه في الحرب العسكرية على مدار المراحل الماضية انتقل الى ميدان “الحرب الناعمة ” التي يلقي فيها اليوم كل ثقله وطاقاته لتحقيق غاياتها الهادفه الى تدمير المجتمع اليمني وتفكيكه وطمس هويته الايمانية ومبادئه واخلاقة وكسر صموده الاستراتيجي وقوته المعنوية امام عجلة الحرب والحصار .
لذا فالحرب الملحة والتي يفترض ان يندفع اليها اليمنيين اليوم دون استثناء هي حرب الوعي والتعبئة الثقافية العامة على جميع الصعد والمسارات ،،ومواكبة كل تحركات العدو الامريكي ووكلائه السعودي والاماراتي وما يضمره من مؤامرات وسيناريوهات هدامة حالية ومستقبلية ومواجهتها بنشر الوعي الاستراتيجي العميق مع مختلف احداث المحيط ونشر الثقافة وخصوصا الثقافة القرآنية التي تعتبر هي االمفتاح الوحيد والرئيسي لافشال هذه المؤامرات واسقاط كل الهجمات الخبيثة للعدو فالوعي القرآني اذا ما تحقق في المجتمع والفرد اليمني سيكون المنعة و الحصن الحصين الذي لايمكن اختراقه على الاطلاق وباي وسيلة واي شكل من الاشكال ..
محلل في الشؤون العسكرية والاستراتيجة